فصل: المقصد الخامس في بيان مقادير قطع الورق المستعمل فيما يكتب عن نواب الممالك الشامية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقصد الخامس في بيان مقادير قطع الورق المستعمل فيما يكتب عن نواب الممالك الشامية:

قد تقدم في المقالة الثالثة في الكلام على مقادير الورق، أن الورق المستعمل ي دواوين الممالك الشامية على ثلاثة مقادير: قطع الطلحية الشامية الكاملة، وهو في عرض الطلحية العبر عنها بالفرخة وطولها، وقطع نصف الحموي، وهو في نصف عرض الطلحية التي في قطع الحموي وطولها، وربما نقصت في الطول، وقطع العادة، وهو على نحوٍ من قطع العادة البلدي؛ وقد تقدم ذكره.
فما كان منها في طول الشامي الكامل كتب بقلم الثلث، وما كان في قطع نصف الحموي كتب بقلم التوقيعات، وما كان في قطع العادة كتب بقلم الرقاع؛ ثم ما كان في قطع الطلحية، افتتح ما يكتب فيه بالحمد لله، وما كان في قطع نصف الحموي، افتتح ما يكتب فيه بأما بعد حمد الله، وما كان في قطع العادة، افتتح ما يكتب فيه برسم بالأمر الشريف سواء في ذلك علت الألقاب أو انحطت، حتى إنه ربما كتب بالمقر في قطع العادة، اعتباراً بحال الوظيفة.

.المقصد السادس في بيان ما يكتب في طرة التواقيع:

اعلم أن النواب بالممالك الشامية عادتهم في العلامة كتابة اسم النائب، كما أن السلطان فيما يكتب عنه من الولاية يكتب في العلامة اسمه، وحينئذٍ فيحتاج الكاتب إلى أن يكتب في أعلى الدرج في الوسط ما صورته: الاسم الكريم ثم يكتب من أول عرض الدرج ما صورته: توقيعٌ كريم باستقرار المقر الشريف أو الكريم، أو الجناب الكريم أو العالي، أو المجلس العالي أو السامي، أو مجلس الأمير أو القاضي، أو الشيخ، ونحو ذلك، في كذا وكذا إلى آخره. فإن كان فيه معلومٌ كتب آخراً: بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور، أو الشاهد به كتاب الوقف ونحو ذلك ثم يكتب: حسب ما رسم به على ما شرح فيه. ولفظ: حسب ما رسم به مما جرت به عادة كتابهم، بخلاف ما يكتب به من الأبواب السلطانية على ما تقدم ذكره.
وهذه طرة توقيع بنقابة الأشراف بحلب المحروسة، كتب به للشريف غياث الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن الممدوح، وهي: توقيعٌ كريمٌ باستقرار المقر العالي، الأميري، الكبيري، الشريفي، النقيبي، الحسيبي، الأصيلي، العزي، بركة الملوك والسلاطين، أحمد ابن المقر العالي، الشريفي، النقيبي، الشهابي، أحمد الحسيني، أسبغ الله ظلالهما، في وظيفة نقابة السادة الأشراف، ونظر أوقافها، والحكم في طوائفهم على اختلالهم أجمعين أجمعين، عوضاً عن والده المشار إليه برضاه، على عادته في ذلك ومستقر قاعدته، وتعاليمه المستمرة إلى آخر وقت، حسب ما رسم به بمقتضى الخط الكريم، على ما شرح فيه.
وهذه نسخة طرة توقيع بكشف الصفقة القبلية بالشام، مما كتب به لغرس الدين خليل الناصري وهي: توقيعٌ كريمٌ بأن يستقر الجناب الكريم، العالي، المولوي، الأميري، الكبيري، الغرسين ظهير الملوك والسلاطين، خليل الناصري، أدام الله تعالى نعمته، في كشف البلاد القبلية المحروسة بالشام المحروس، على عادة من تقدمه في ذلك ومستقر قاعدته، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه.
وهذه نسخة طرة توقيع باملهمندارية بالشام المحروس، كتب به لغرس الدين خليل الطناحي وهي: توقيعٌ كريمٌ باستقرار الجناب العالي، الأميري، الكبيري، الغرسي، عضد الملوك والسلاطين، خليل الطناحي، أدام الله تعالى نعمته، في وظيفة المهمندارية الثانية بالشام المحروس، عوضاً عن حسام الدين حسن بن صاروجا، بحكم شغورها عنه، لما اتفق من الغضب الشريف عليه، واعتقاله بالقلعة المنصورة بحلب المحروسة، على أجمل عادة، وأكمل قاعدة، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه.
وهذه نسخة طرة توقيع بتصدير الجامع الأموي بالشام، كتب به للقاضي ناصر الدين بن أبي الطيب كاتب السر بالشام، وهي: توقيعٌ كريمٌ بأن يستقر المقر الشريف، الناصري، محمد بن أبي الطيب العمري، العثماني، الشافعي، صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة، عظم الله تعالى شأنه، في وظيفة التصدير بالجامع الأموي المعمور بذكر الله تعالى، عوضاً عن القاضي صدر الدين عبد الرحمن الكفري الشافعي، بحكم وفاته إلى رحمة الله تعالى، بما له من المعلوم الذي يشهد به ديوان الوقف المبرور، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه.
وهذه نسخة طرة توقيعٍ بإعادة مشيخة الشيوخ بالشام إلى القاضي ناصر الدين بن أبي الطيب المذكور أعلاه، وهي: توقيعٌ كريمٌ بأن تفوض إلى المقر الشريف العالي، المولوي، القاضوي، الناصري، محمد بن أبي الطيب العمري، العثماني، الشافعي، صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة، أعاد الله تعالى من بركاته، وأسبغ ظلاله، مشيخة الشيوخ بالشام المحروس، وظيفته التي خرجت عنه، المرسوم الآن إعادتها إليه، عوضاً عمن هي بيده، بمعلومه في النظر والمشيخة، الشاهد بهما ديوان الوقف المبرور، إلى آخر وقت، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه.
وهذه طرة توقيع بالحمل على النزول والتقرير الشرعي، بالزاوية الأمينية، بالقدس، كتب به للشيخ برهان الدين الموصلي وهي: توقيعٌ كريمٌ بأن يحمل الجناب العالي، الشيخي، البرهاني، إبراهيم ابن سيدنا المرحوم الشيخ القطب، تقي الدين بن ابي بكر الموصلي، رضي الله عنه وأعاد من بركاتهما، في وظيفتي النظر والمشيخة، بالزاوية الأمينية بالقدس الشريف، على حكم النزول الشرعي، واستمرار ذلك بمقتضاهما، ومنع المنازع بغير حكم الشرع الشريف، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه.
وهذه طرة مرسومٍ بربع تقدمة إمرة بني مهدي كتب به لعيسى بن حناس وهي: مرسومٌ كريمٌ بأن يستقر المجلس السامي، الأمير، شرف الدين، عيسى بن حناس، أعزه الله تعالى، في ربع تقدمة بني مهدي، على عادة من تقدمه، حملاً على ما بيده من التوقيع الكريم، على ما شرح فيه.
وهذه طرة توقيع ببطركية النصارى الملكية بالشام، كتب به لداود الخوري وهي:
توقيعٌ كريمٌ بأن يستقر البطريرك، المحتشم، المبجل، داود الخوري، المشكور بعقله لدى الملوك والسلاطين، وفقه الله تعالى، بطريرك الملكية بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة، حسب ما اختاره أهل ملته المقيمون بالشام المحروس، ورغبوا فيه، وكتبوا خطوطهم به، وسألونا تقريره دون غيره، حسب ما رسم به، على ما شرح فيه.

.المقصد السابع في بيان كيفية ترتيب هذه التواقيع:

قد جرت عادة كتاب هذه النيابات أن تكتب الطرة بأعلى الدرج كما تقدم. ثم يترك وصلان بياضاً بما في ذلك من وصل الطرة؛ ثم تكتب البسملة في أول الوصل الثالث، ثم يكتب تحت البسملة على سمت الجلالة: الملكي الفلاني ثم يخلى بيت العلامة نحو ستة أصابع معترضة، ثم يكتب السطر الثاني ويوافي كتابة السطر، ويكون ما بينهما بقدر أصبعين، والباقي على نحو ما تقدم في السلطانيات.

.الطرف الثاني في نسخ التواقيع المكتتبة عن نواب السلطنة بالممالك الشامية:

قد تقدم في المقالة الثانية أن بالبلاد الشامية سبع نيابات: دمشق، وحلب، وطرابلس، وحماة، وصفد، وغزة إن كانت نيابة، والكرك. وأن أعلاها دمشق، ثم حلب، ثم طرابلس. وفي معنى طرابلس حماة وصفد.
وقد اقتصرت في نسخ التواقيع على ما يكتب في ثلاث نيابات تقديماً لها على ما عداها.
النيابة الأولى: الشام:
والتواقيع التي تكتب بها على خمسة أصناف:
الصنف الأول: ما يكتب بوظائف أرباب السيوف:
وهو على ضربين:
الضرب الأول: ما هو بحاضرة دمشق:
وهو على مراتب:
المرتبة الأولى: ما يفتتح بالحمد لله، وفيها وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بولاية دمشق: الحمد لله الذي جعل هذه الأيام الزاهرة تنقل أولياء آلائه الشريفة إلى أعلى المراتب، وتجزل لهم من مننه الجمة المواهب، وتضاعف لهم النعمة بكرمها الذي إذا انهمل كان كالغيث الساكب.
نحمده على أن جعل نظرنا يلمح أهل الهمم ويراقب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يبلغ قائلها ببركتها المنى والمآرب، وتهون عليه كل المصاعب، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله ببعثته الحق في المشارق والمغارب، وأنار به ظلم الغياهب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين شيدوا منار الإسلام وأقاموه بالسيوف القواضب، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن المناصب بمتوليها، والمعالي بمعليها، والعقود ليست بمن تحليه بل بمن يحليها، وأطيب البقاع جناباً ما طاب أرجاً وثماراً، وفجر خلاله كل نهرٍ يروع حصاه حالية العذارى، ورنحت معاطف غصونه سلاف النسيم فتراها سكارى، وتمتد ظلال الغصون فيخال أنها على وجنات الأنهار عذاراً.
ولما كانت دمشق المحروسة لها هذه الصفات، وعلى ضفاتها تهب نسمات هذه السمات، لم يتصف غيرها بهذه الصفة، ولا اتفق أولو الألباب إلا على محاسنها المختلفة وكان الجناب الكريم هو من أعيان الدولة وأماثلهم، ووجوه رؤسائهم وأفاضلهم، وله في طاعتها استرسال الأمن من سوء مواطن المخاوف، ووصل في ولائها القديم بالحديث والتالد بالطارف، وتولى مهمات الخدم فأبان في جميعها عن مضاء عزمه، وكان من حسن آثاره فيها ما شهر غفلها بوسمه؛ فمن ناواه من أقرانه أربى عليه وزاد، ومن باراه من أنظاره أنسى ذكره أو كاد.
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقر في ولاية مدينة دمشق المحروسة.
فليباشر هذه الولاية، عاملاً بتقوى الله تعالى التي أمر بها في محكم الكتاب، حيث يقول: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب، وليشمل كافة الرعايا بالحفظ والرعاية، ويجزل حظهم من الملاحظة والعناية، وليساو في الحق بين ضعيفهم وقويهم وفقيرهم وغنيهم، وليلزم أتباعه بحفظ الشوراع والحارات، وحراستها في جميع الأزمنة والأوقات، مع مواصلة التطواف كل ليلة بنفسه في أوفى عدة، وأظهر عدة، منتهياً في ذلك وفيما يجاريه إلى ما يشهد باجتهاده، ويعرب عن سداده، ويعلم منه صواب قصده واعتماده، وبذل مناصحته في إصداره وإيراده؛ والله تعالى يعينه على ما ولاه، ويحفظ عليه ما نوله وأولاه، بمنه وكرمه.
وهذه نسخة توقيعٍ بنظر الجامع الأموي، لصاحب سيفٍ: كتب به في الدولة الظاهرية برقوق لناصر الدين محمد ابن الأمير جمال الدين، عبد الله ابن الحاجب، عند مصاهرته الأمير بطا الدوادار، وهي: الحمد لله الذي قدم أعظم الأمراء ليعم مواطن الذكر بنظره السعيد، وأقام لتعظيم بيوتٍ أذن الله أن ترفع، أميراً في الاكتساب للأجور أسرع من البريد، وأطرب المسامع بسيرته في أحسن معبدٍ جليت فيه عروسٌ مهرها كتاب الله تعالى والنور من زيتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربية ومرئي عليه من مكانٍ بعيد.
نحمده على أن أحل ناصر الدين بجماله الأسنى أشرف المراتب، وبوأه المحل الرفيع الذي بلغ به الأمة المحمدية المآرب، وسار خبر سيرته في المشارق والمغارب، وبلغ بمشارفة نظره السعيد الشاهد والغائب، حمداً نرفعه على النسر الطائر، ونتمثل بقول القائل: كم ترك الأول للآخر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي خلق العباد لعبادته، وفضل بعض المساجد على بعضٍ لما سبق في علمه من إرادته، ونشهد أن سيدنا محمداً خير الخلائق عبده ورسوله الذي سن الجمعة والجماعة، وعمر المساجد بالركوع والسجود إلى قيام الساعة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين اتبعوه في قيام الليل إلا قليلاً، ولازموا المساجد بكرةً وأصيلاً، وحضوا على الجماعة إلى يومٍ تكون الجبال فيه كثيباً مهيلاً، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فلما كان جامع دمشق المحروسة رابع المساجد، وموطن كل راكع وساجد، وتقصده الأمم من الأقطار، ولم يخل من العبادة في الليل والنهار، ورواتب حكام الشريعة عليه، والعلماء الأعلام تبث فيه العلوم وتأوي إليه، وغالب المساجد إلى سماط وقفه مضافة، وخطابته تضاهي مرتبة الخلافة؛ وهو أجل عجائب الدنيا التي وضعت على غير مثال، وبه يفتخر أهل الهدى على أهل الضلال- تعين أن يكون الناظر في أمره من عظم قدراً، وطاب ذكراً، وفتح لوقفه باب الزيادة على مضي الساعات، وجمع أماله بعد الشتات، ووصل الحقوق لأربابها الذين كأنهم جرادٌ منتشر، ولم يضع من ماله مثقال حبةٍ ومن قال: إنه صدقةٌ فيومه يومٌ عسر، وعم جميع المساجد المضافة إليه بالفرش والتنوير، وبدأ الأئمة والمؤذنين والخدمة بعد العمارة على الكبير والصغير.
وكان الجناب الكريم- ضاعف الله تعالى نعمته- هو الذي يقوم في هذا الأمر أحسن مقام، ويصلح له في مصلحته الكلام.
رسم بالأمر العالي، المولوي، السلطاني، الملكي، الظاهري، السيفي- لا زال هذا الدين القيم قائماً بمحمده، والمساجد المعمورة معمورةً بإكرام مسجده- أن يستقر الجناب الناصري المشار إليه في النظر السعيد على الجامع الأموي المعمور بذكر الله تعالى، وأوقافه المبرورة، على أجمل العوائد، وأكملالقواعد، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور، إلى آخر الوقت.
فليباشر ذلك: لما يعرف من فعاله الحسنة، وخبرته التي نطقت بها من المحابر الأفواه ومن الأقلام الألسنة؛ ولما حازه من فضيلتي السيف والقلم، وأعماله التي بدت للمهتدي بها كنورٍ لا نارٍ على علم، وليعمر ما دثر من الأوقاف وليوصل الحقوق إلى أربابها، وليدفع الأموال إلى من هو أولى بها، ويكف كف الظلم وليبلغ المستحق المآرب، وليحجب الخونة عن التوصل إلى مثقال ذرةٍ بجده فهو كجده حاجب، وليبدأ بالعمارة والفرش والتنوير في جميع الأوقات، وأرباب الصلاة والصلات. والوصايا كثيرةٌ وهو بها أدرى؛ وتقوى الله عز وجل ملاكها ولا زال يفيدها كما يعلم الشجاعة زيداً وعمراً؛ والله تعالى يجعله أبداً للدين ناصراً، ويصلح عمله أولاً وآخراً؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه.
المرتبة الثانية: ما يفتتح بأما بعد حمد الله، وفيها وظائف:
وهذه نسخة توقيع بتولية الزكاة، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهي:
أما بعد حمد الله مسعد من زكاة عمله، ووفاه وعد الخير أمله، ومصعد من وفت في تدبير الوظائف تفاصيل أمره ووفرت في تثمير الأموال جمله، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله الذي أمرنا بالصلاة والزكاة، وشفى جانب الدين القيم من الشكاة، وعلى آله وصحبه الذين سار على نهجه القويم سائرهم، وتزكى- وإنما يتزكى لنفسه- منجدهم وغائرهم- فإن أحق الوظائف أن يندب لحمايتها الحسام، ويترتب لكفايتها من تحلت بالمحامد شيمه الجسام- وظيفة الزكاة التي وصلت سبب مكانها بإمكانها، وبنيت شريعة الإسلام على أحد أركانها، ومدحت المملكة بمعالي البر والإحسان المنظمة من ديوانها.
ولما كان فلانٌ ممن زكت صفاته، وسمت بالجميل سماته، ووضحت كفاءته ودرايته، وصلحت حمايته الحسأمية ووقايته، وكان اليمن في قبضة مضائه، وتجريده وانتضائه، وكان نفوذ أمره واقفاً عند حده واقعاً على وفق ارتضائه- تعين أن يوصل سبب الشد بأسبابه، ويرجع إليه في الزكاة المستحق نصابها حتى يقال: رجع الحق بالحسام إلى نصابه.
فلذلك رسم أن يرتب............. علماً بأنه الكافي الذي إذا شد سد، وإذا قصر رأيه على الصنع الجميل مد، والخبير الذي إذا جمع مالاً وعدده كان مشكوراً، وإذا فرقه في مستحقيه كان خلاف الغير بالخير مذكوراً، والناهض الذي ما تبرم بمضايق المهمات ولا شكاها، والمهيب الذي قد أمن من سار بالبضاعة إليه وقد أفلح من زكاها.
فليستقر في هذه الجهة استقراراً يزيد مكانه وإمكانه، ويثمر عمله وديوانه، وليوصل كل ذي حقٍّ إلى حقه فإنما بسطت أيدي ولاة الأمور ليبسط عدله متوليها وإحسانه. وتقوى الله تعالى هي العمدة؛ فليحقق باعتمادها فيه ظنون الراجين، وليستعن بها على رضا المستنهضين له وعلى رضا المحتاجين؛ والله تعالى يلهمه الخير في ذوي الصادر والوارد حتى يكونوا إلى خير لاجين خير لاجين.
وهذه نسخة توقيع بشد الحوطات بدمشق. كتب به لشرف الدين يحيى بن العفيف، بإجرائه على عادته، وحمله على ما بيده من التوقيع الشريف، وهي: أما بعد حمد الله الذي سهل الخيرات بأسبابها، وأقر في الوظائف السنية كفاة أربابها، وكمل أدات من حنكته التجارب في المباشرات حتى دخل المناصب العلية من أبوابها، والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمدٍ الذي جاء برشد الشريعة وصوابها، وعرف بحسن الصنيعة وثوابها، وعلى آله وصحبه وعترته الطاهرين- فإن أولى من لفتنا إليه جيد الإحسان، وألقينا إليه طرف التكريم فبلغ الأماني والأمان، ولحظناه بعين عنايتنا فنال من فضلنا ما أخجل الغيث الهتان، ومنحناه منن برنا ما شرح له صدراً، واستصحبنا له ما ألفه من كرمنا وجعلنا له بعد عسرٍ يسراً، وأيقظنا حظه وقد كاد أن يغفى، وأطلعنا كوكب سعده بعد أن كاد يخفى- من ألفت مهماتنا منه الهمم العلية، وسلك بين أيدينا المسالك المرضية، وأتمن على أموال الحوطات الديوانية، فنمت بحسن أمانته وشكرت الدولة جميل تدبيره ودرايته.
وكان المجلس العالي فلانٌ- أدام الله عزه- هو الذي أخبر عنه الوصف بما أثبته العيان، وأظهر منه حسن السيرة والسريرة والسجايا الحسان.
فلذلك رسم بالأمر العالي- أعلاه الله تعالى، وضاعف إحسانه على أهل الهمم ووالى- أن يستمر الماشر إليه في شد الحوطات الديوانية بدمشق المحروسة، على عادته، ومستقر قاعدته، وحمله على ما بيده من التوقيع الشريف المستمر حكمه.
فليباشر هذه الوظيفة على أجمل عوائده، وليعد إليها على أكمل قواعده؛ إلا أن التذكرة بتقوى الله تعالى لابد من اقتباس ضياها، والتنبيه على سلوك هداها؛ فلتكن قاعدة أمله، وخاتمة عمله. والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه، إن شاء الله تعالى.
المرتبة الثالثة من تواقيع وظائف أرباب السيوف بدمشق: ما يفتتح برسم بالأمر العالي، وفيه وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بشد مراكز البريد، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نابتة، كتب بها لمن لقبه بدر الدين في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهي:
رسم بالأمر العالي- لازالت البرد سائرةً بأوامر عدله المديد، وهوامر جوده المجيد، وسوائر الأخبار عن بأسه ونداه المروي سندهما عن ثابتٍ ويزيد، ولا برحت جوامع عطاياه وقضاياه: هذه فاتحةً لمصالح الآمال باب الزيادة وهذه فاتحةً لمصالح الإسلام باب البريد- أن يستقر المجلس على عادته الأولى، وقاعدته التي ما برحت قدم مساعيه فيها المقدمة ويد أمانته الطولى، علماً بكفاءته التي شهدت بها حتى الخيل الماثلات خرساً فأفصحت، المواصلات سعياً فأنجحت، الموريات قدحاً إلا أن ألسنة الأحوال في شهادها ما قدحت، المغيرات على السرى صبحاً ما دار عليها شفق العشي فاغتبقت، حتى دار عليها شفق الفجر فاصطبحت. ومراكز الطرق التي حمتها مهابته فكأنها مراكز الأسل، ومراكض السبل، كل وادٍ منها وما حمل وكل حدبٍ وما نسل؛ واعتماداً على سداد عزمه الذي وافق خبره الخبر، ورشاد سعيه الذي كل أوقاته من وجوه الإجادة ووجوه الجياد غرر، وركوناً إلى أنه الكافي فيما يعتمده ويراه، الساري في المهمات لا يمل وهيهات أن يمل البدر من سراه؛ كم أعان الإسلام على ما اتخذه من قوةٍ ومن رباط الخيل، وكم جاد على الجياد على الغيث حتى سارت بين يديه كالسيل، وكم حفظ عليها قوتها وقوتها فبعد ما كانت تموت بالعدد صارت تعيش بالكيل.
فليباشر ما عول فيه عليه، وأعيد من حقه وإن كان خرج عنه إليه، وليطلق يد أمره ونهيه بما يسره أن يقدمه بين يديه، حريصاً على أن تنطق هذه الدواب الخرس غداً بثنائه، مجرياً لقوائمها وللإقامة بها على عادة إجرائه، متخيراً لها كل حسن الإمرة والسياسة عند رحيلها وقدومها، ومن إذا عرضت عليه بالعشي الصافنات الجياد طفق مسحاً ولكن بإماطة الأذى عن جسومها، موسعاً عليها من المباني والأحوال كل مضيق، آمراً بما يحتاج إليه نوعها البديع من صناعتي ترشيح وتطبيق، مستأمناً من الأيدي من يرد عنها الأيادي الضائمة، ومن يساوي بينها في الأقوات حتى لا تكون كما قال الأول: خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غير صائمة، متحرياً في تكفيتها أجمل الطرق والطرائق، مستجلباً صنوف العليق فلا تنقطع من بره العلائق؛ والله تعالى يمده بعونه ورشده، ويجعل عزمه سابقاً إلى التوفيق سبق الجواد إذا استولى على أمده، بمنه وكرمه.
وهذه نسخة توقيع بنقابة النقباء، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضاً، كتب بها لشهاب الدين بولاقي عوضاً عن أبيه، في سنة أربع وثمانمائة، وهي: رسم بالأمر العالي- لا زال بإنعامه يسفر عن وجه الأمل نقابه، ويحفظ لكافي الخدمة أعقابه، ويلوي باستمرار النعم أدوار الزمان وأحقابه، ويطلع في آفاق دولته شهاب كل عزمٍ تحمد عساكره المنصورة ارتقاءه وارتقابه- أن يرتب المجلس السامي، الأمير............................ علماً بأوصافه الحسنة، وأوضاعه التي لا يحتاج الحكم بفضلها إلى إقامة بينة، وكفاءته التي تنطق بها ألسنة الأحوال المؤمنة وقلوب العساكر المؤمنة، وهمته التي إذا وقفت المواقف على الأعداء عرفته أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وتصديقاً لدلالة عزمه الواعد، وتحقيقاً لحماية شهابه الواقد، وركوناً إلى قيامه مقام أبيه رحمه الله في الخدمة حتى كأن لم يفقده من الجيش فاقد؛ وأنه لدرجات الاستحقاق راقي، وأنه العوض عن أبٍ لاقى منيته وكل امرىءٍ لاقي المنية وابن لاقي، وأنه كفء هذه المنزلة كما حكم الرأي واقتضى، وكما شهد لغرته بغرر الفوائد وكيف لا وهو ابن النقيب المرتضى!.
فليتلق بشهابه المضيء هذا المطلع الأسنى، وليقم في هذه الوظيفة على قدم الخدمة صورةً ومعنى، مقدماً على النقباء تقديم إمامهم، معلماً لجند الإسلام معلوم مقامهم، مالئاً بإتقان معرفة الحلى سمع من استملاه، محظياً للجندي معيناً له على حصول الخير حتى يشكره شكر من أطعمه وحلاه، ناظماً للمواكب عقد مجتمعها الثمين، مصاحباً لها صحبةً يثنى بها عليه وحسبه أن يكون من أصحاب اليمين، مرتباً لها أحسن ترتيب، منقباً عن محاسن تجملها: فإن اسم النقيب مشتقٌّ من التنقيب. وليكاثر حملة السيوف فإنه حامل سيفٍ وعصا، وإنه بهذه مخلصٌ حقوق من أطاع وبهذا موبقٌ نفس من عصى؛ وليحرص على أن يقوم بوعد الاجتهاد المنجز، وعلى أن يكون سيف تحريضٍ على جرحى الأعداء مجهز، وعلى أن يحصل في مواطن الجهاد على الأجرين: أجر المقاتل وأجر المجهز؛ والله تعالى يحمد في الخير طرائقه، ويؤيد عزمه الجيشي حتى تلهج بشكره ألسنة الأعلام الخافقة، والاعتماد..........................
وهذه نسخة توقيع بشد خزائن السلاح، من إنشاء ابن نباتة أيضاً، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت أسنة نجوم السعد من سلاحه، وصواعقها من أعوان صفاحه، وسماكها الرامح من أنصار رماحه، ولا برح يعمل معادن الأرض حتى يفنى ذهبها وحديدها على يدي بأسه وسماحه- أن يرتب................. لأنه الناهض الذي تتزين الوظائف بسمته وباسمه، وتتعين المصالح والمناجح بعزمه وحزمه، والمسدد من آرائه سهاماً، والمجرد من اهتمامه كل ماضي الحد إذا كان بعض الاهتمام كهاماً، والوفي في شد الجهات قولاً وعملاً، والملي بحمل السلاح واستعماله على رغم القائل: أصبحت لا أحمل السلاح ولا، والخبير بمحاسن الاقتراح، والكافي ولا عجب إذا سلمت له ذوو الوظائف وألقت عليه السلاح؛، ذو العزم الأشد، والرأي الأسد، والذكي الذي إذا تنأول بعض الأسلحة وانتسبت شجاعته رأيت القوس في يد عطاردٍ في بيت الأسد.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزمٍ أقطع من حسام، وأمانةٍ أقوم من ألفٍ وصيانةٍ أحصن من لام؛ معتبراً لأحوالها، مقرراً لمطالب مآلها من مالها، موفراً من اسلحتها التي تتوفر بها من الخير سهامه، منصفاً لصناعتها الذين يحمد عند استعمالهم صنيعه واهتمامه، مكثراً لخزائنها من ذخائر العدد، مجهزاً لجيوش الإسلام من مادة عملها بأنفع مدد: من قسي تقضي أهلها بقطع أعمار العدا، وسيوفٍ صقيلةٍ إذا نادت ديار الناكثين أجابت الندا، ودروعٍ تموجت غدرانها إلا أنها في مهالك الحرب لا تغور، ورماحٍ اطردت كعوبها فكلها على عدو الإسلام كعبٌ مدور؛ إلى غير ذلك مما يدل على عزمه الحميد، ويقضي للنعمة عليه بالمزيد؛ والله تعالى يثقف عزمه، ويوفر من السلاح والنجاح سهمه.
وهذه نسخة توقيع بشد الجوالي، من إنشاء ابن نباتة أيضاً، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت سعود أوامره واضحة الأدلة، نافذة الحكم على كل ملة، قائمةً لخصب البلاد بالعدل، مقام السحب المستهلة- أن يرتب فلانٌ في شد الجوالي بدمشق المحروسة: لما ظهر منن نجابته، واشتهر من حزمه ومهابته، وبدا من هممه العوالي، وعزائمه التي تجلو صدأ الهم بالجوالي، وإذا قيل لحاسده: له ولأبيه إمرة الخيل قال: والجوى لي، وأنه الكافي الذي إذا استنهض كانت عزائمه شابة، ونفحات ذكره الجميل هابة، ونجل الهمام الذي أشهد على كفاءته النهار وعلى تعبده الليل، وأعد لمصالح الإسلام ما استطاع من قوةٍ ومن رباط الخيل، وأن مرباه جميل، ومنشاه في منازل الخير دليل.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزمٍ يثمر مالها، ويقرر على السداد أحوالها، ويستخلص الحق من أهل الاعتقاد الباطل، ويستخرج الوفر من أهل الجلد الماطل؛ فلا نصراني إلا وهو يتضرع تحت الزرقاء من باسه، ولا يهودي إلا وهو يشكو الصفراء في راسه، ولا سامري إلا والنار الحمراء مطلةٌ على أنفاسه، حتى تكون أوصاف شده متلوة، وعزائمه في الجوالي مجلوة، وهممه جاريةً على إيلافها ومألوفها، مجزئةً لأقلام الحساب والدراهم على حروفها، صحيحة الوزن غير منهوك، آخذة الدينار من وازنه، وهو كالمأخوذ منه مصكوك، شداً تنعقد على اختياره الخناصر، وكما أن للإسلام منه قوةً فليكن للوظائف الدينية منه ناصر.
الضرب الثاني ممن يكتب له عن نائب السلطنة بالشام من أرباب السيوف: من هو بأعمال دمشق:
ومواضعهم على ثلاث مراتب أيضاً:
المرتبة الأولى: ما يفتتح بالحمد لله، وفيها وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بنيابة بعلبك كتب بها لركن الدين عمر بن الطحان وهي: الحمد لله الذي جمل بمحاسن زينه من استحق الصعود إلى أعلى المنازل، وجعل نجم سعده بارتقائه إلى سماء المناصب طالعاً غير آفل، وصان بعقله الراجح أحصن المعاقل.
نحمده على إحسانه الواصل، وغيث جوده الذي هو على الدوام هاطل، حمداً ينطق بمدح معدلته كل لسانٍ قائل، ويزيد خيره على كل عامٍ قابل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي ألحق جياد الأواخر بالأوائل، وجعل أجمل الأمراء يفوق البدور الكوامل، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي جعله لديه أعظم الوسائل، وتلازم هو وجبريل في علو المنازل، والتقدم في المحافل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه سادات العشائر والقبائل، والمجاهدين في سبيل الله بالبيض البواتر والسمر الذوابل، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فلما كانت بعلبك المحروسة من أعز بلاد الإسلام، وأبهج مدن الشام- تعين أن نعين لها حاكماً ديناً خبيراً، أميناً أميراً؛ شجاعاً مهتاباً، بطلاً برمحه وسيفه في صدور الأعداء ورقابهم طعاناً ضراباً، وكان الجناب الكريم فلان- ضاعف الله تعالى نعمته، وحرس من الغير مهجته- من بيتٍ كان على التقوى أساسه، وعدت لدفع المعضلات أناسه، واشتهرت همتهم فلا يرد لهم سهمٌ ولا يطاق باسه؛ طالما نفوا عن الدين الحنيفي خبث الكفر بعد ما تمكنت أدناسه، وشمروا عن ساعد الاجتهاد فمحي بسيوفهم ضلال الشرك وأرجاسه؛ وهو أعزه الله تعالى ممن شجى بشجاعته، حلوق الكتائب، ووفى بعدله وحسن سياسته، حقوق المناصب، وقام في خدمة الدولة الشريفة أحسن قيام، وهذبته بمرورها الليالي والأيام، وتأهل لحلول الرتب العلية، وتعين لارتقاء المراتب السنية؛ فأردنا أن نختبره فيما نوليه، ونخبر عزمه فيما نوليه.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال أمره مستمر الإحسان، مجزلاً لذوي الاستحقاق عوارف النعم الحسان- أن يستقر الجناب الكريم المشار إليه- ضاعف الله تعالى نعمته- في نيابة السلطنة الشريفة ببعلبك المحروسة والبقاعينن المعمورين، على عادة من تقدمه في ذلك، ومستقر قاعدته، بالمعلوم الذي يشهد به الديوان المعمور، إلى آخر وقتٍ.
فليباشر هذه النيابة الشريفة بخاطر منفسح حاضر، وقلبٍ منشرح على الخيرات مثابر، وليتخذ الشرع الشريف إماماً، وليتوخ أوامره ونواهيه نقضاً وإبراماً، وليقف عند حدوده المشروعة، ولا يتعدها ومن يتعد حدود الله فيده من الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجة الواضحة الجلية؛ فإنهم الرعية الضعفاء الصالحون الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه، وليعرفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمور أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه»، وليعمر البلاد، وليقمع أهل الفساد، وليمهد البقاع، وليحيي موات الضياع، وليقم على القلعة المنصورة الحرس، ولا يغفل عن حفظها بمعرفته التي أكدت له من السعادة سبباً؛ والله تعالى يبلغه من إحساننا أرباً، وينجح له من فضلنا طلباً، ويحرسه بسورتي فاطرٍ وسبا؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه.
وهذه نسخة توقيع بكشف البلاد القبلية، كتب به لغرس الدين خليل الناصري في الدولة الظاهرية برقوق وهي: الحمد لله الذي جرد من أولياء هذه الدولة الشريفة سيوفاً تحسم مواد الفسا، وتبيد أهل الزيغ والعناد، وتعم ببأسها وبعدلها البلاد، حمداً مستمراً على الآباد، مزوداً غرسها النافع ونعم الزاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العباد، القائم على كل نفسٍ بما كسبت والمجازي لها بما عملت يوم يقوم الأشهاد، ونشهد أن سيدنا محمداً خير الخلائق عبده ورسوله الذي بلغه في الدنيا والآخرة أقصى المراد، وفضله على الخلائق: الآلاف والمئين والعشرات والآحاد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين فتحوا البلاد، بسيوفهم الحداد، ومزقت رماحهم من مخالفي دينهم القويم القلوب والأكباد، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم التناد.
وبعد، فلما كانت المملكة القبلية جل البلاد الشامية، وبها أرزاق العساكر الإسلامية، وطريق الحاج إلى بيت الله الحرام، وزيارة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وإلى الأرض المقدسة، التي هي على الخيرات مؤسسة، وإلى الأبواب الشريفة السلطانية، وممر التجار قاصدين الديار المصرية، ومنازل العربان، ومواطن العشران- وجب أن يفوض حكمها إلى من عرف بالشهامة والشجاعة، واليقظة التي لا يغفل بها عن مصلحة المسلمين ساعة؛ ومن أثمر غرسه وما يفوه، وأينع بالمروءة والفتوة، وتقدم في الكمال على زيدٍ وعمرو، وأضرم في قلوب الأعداء ناراً أحر من الجمر.
وكان الجناب الكريم- أدام الله نعمته- هو المشهور بهذه الصفات، والمنعوت بالشجاعة والإقدام وحسن الأدوات.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه يثمر غرساً، وجوده يسر نفساً- أن يستقر الجناب المشار إليه في كشف البلاد القبلية المحروسة على منوال من تقدمه وعادته، وحدوده في ذلك ومستقر قاعدته.
فليباشر ذلك بهمته العلية، وشجاعته الأحزمية، ونفسه الأبية، وليبيض وجهه في هذه النوبة حتى يطرب الناس بالنوبة الخليلية، وليعدل في الكبير والصغير، وليقمع رؤوس عشيرٍ اتخذوا رأسهم مولىً: فلبئس المولى ولبئس العشير، وليدفع أذى العرب، وليحذرهم شراً اقترب، وليكثر الركوب إلى المعاملات، ولا يخش من كثرة الحركات، وليعلم أن كل ما هو آتٍ آت، وليتخذ الشرع الشريف إماماً، وليتوخ أوامره ونواهيه نقضاً وإبراماً، وليقف عند حدوده المشروعة، ولا يتعدها: ومن يتعد حدود الله فيده من الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجة الواضحة الجلية؛ فإنهم الرعية الضعفاء الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه، وليعتمد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمور أمتي شيئاً فرفق به فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه»؛ والوصايا كثيرةٌ وتقوى الله عز وجل نظامها وقوامها، واتباع سنة نبيه سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم قيادها وزمامها، والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه.
وهذه نسخة توقيع بكشف الرملة، كتب به لأبي بكر أمير علم في الدولة الظاهرية برقوق وهي: الحمد لله الذي قلد أجياد المجاهدين، سيف نصره، وأكد بعزائم أهل اليقين، حماية حوزة الإسلام وصيانة ثغره، وجعل ألسنة أسنة المرابطين في فم الثغر زيناً إذا ازدان بغرة بدره، وأنزل بأعداء الدين قوادح نقمه وقوارع قهره.
أحمده أن حمى بأولي النجدة والبأس للمسلمين حمى، وأشكره على ما همع من صيب نعمائه وهمى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أتخذها عند الله ذخراً، وأرجو بها في العقبى أجراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي آيد يده بالسيف وأمده أيداً، وعلى آله الذين حلى بهم للإسلام جيداً، وصحبه الذين جلا ببوارق صفاحهم، وخوارق رماحهم، غمم المجال، وغمم القتال، فلم يهمل الأعداء ولم يمهلهم رويداً.
وبعد، فإن أولى من جعل في نحر البحر هماماً صارم، وأشد من قاطع أعداء الدين وصارم، من تضرب بشجاعته الأمثال، ويورد في صدور الأبطال صمم الأسل النهال، ويحمي حمى الثغر فلا يدع عدواً ولا يرهب نهباً، ويرقى رقاب الكفر فيؤمنون وإن كان وراءهم ملكٌ يأخذ كل سفينة غصباً.
ولما كان الجناب الكريم فلانٌ- أدام الله تعالى نعمته- هو الذي أخلص في الطاعة، ونصح سلطانه حسب الطاقة والاستطاعة- رسم بالأمر الشريف العالي- لا زال سيف عدله ماضياً، وكلٌّ بحكمه راضياً- أن يستقر الجناب المشار إليه كاشفاً بالرملة المعمورة، على عادة من تقدمه في ذلك.
فليباشر ذلك معمراً تلك البلاد بعدله، مجتهداً على إيصال الحق إلى أهله، وليتخذ الشرع الشريف إماماً، وليتوخ أوامره ونواهيه نقضاً وإبراماً، وليقف عند حدوده المشروعة، ولا يتعدها: ومن يتعد حدود الله فيده من بر الإيمان منزوعة، وليلن جانبه للرعية، وليحملهم من العدل والإنصاف على المحجة الواضحة الجلية، فإنهم الرعية الضعفاء الذين أنعم الله عليهم بتفويض أمورهم إليه، وليعتمد فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمور أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه». والوصايا كثيرةٌ وأهمها التقوى فليلازم عليها فإنها تحفظه، وبالسيادة والسعادة تلحظه؛ والله تعالى يكمل توفيقه، يسهل إلى نجح المقاصد طريقه؛ والاعتماد في معناه، على الخط الكريم أعلاه.
قلت: ومن تأمل وصايا هذه التواقيع الثلاثة المتقدمة الذكر، علم ما كان عليه كتاب الزمان، من انتزاع الفقرات من توقيع، وترصيعها في توقيع آخر، من غير تغيير لفظ في أكثرها.
المرتبة الثانية من تواقيع أرباب السيوف ممن بأعمال دمشق: ما يفتتح بأما بعد حمد الله:
وفيها وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك.
نسخة توقيع بنيابة بعلبك لمن دون من تقدم في المرتبة الأولى، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به لمن لقبه ناصر الدين؛ وهي: أما بعد حمد الله الذي لم يخل مملكةً إسلامية من قوةٍ ولا ناصر، ولم يحل أمرها على ذي عزمٍ قاصر، ولم يحل وجهها إلا بمن نسي به القديم وشهد له المعاصر، ولم يلق مقاليدها إلا لمن وضح برأيه الإبهام وثبتت بفضله الشهادة وعقدت على ذكره الخناصر، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي شيد معالم الدين وأركانه، وجدد مكان الحق وإمكانه، وعلى آله وصحبه الذين تابعوا في الخلق عدله وإحسانه، وشايعوا في النصر نصله وسنانه، ما استناب الودق في سقيا الرياض غدرانه، وخلع على الغصون خلعاً خطر فيها الزهر بأكمامه وعقد من الثمر تيجانه- فإن شرف الأماكن بساكنيها، وجسوم الديار بنفوس قاطنيها، والمنازل بكواكبها، والمناصب بنصيبها من الكفاءة ونائبها، وإن مدينة بعلبك علمٌ في المدائن مرفوع الخطة، وجسمٌ من جسوم الديار قد آتاه الله بسطة، بنية سليمان عليه السلام فهي بالملك قديمة الاختصاص، ومبتنى الجان المنسوبة عقودها العلية والدرية إلى كل بناءٍ وغواص، وشام الشام المعجبة، وروضة نداه المعشبة، وثنية ثغره الباسم، وعرف أعراق حياة الناسم، ومأوى صلحائه أحياءً بين أوطانها، وأمواتاً بين صفيح لبنانها؛ لو عرضت البلاد سحباً لقيل لسحابها: يا كثير المنن، ولو صورت أناسي لقيل لإنسانها: يا طيب النجر واللبن؛ لا يمنع ماعونها، ولا ينقطع عونها عن البلاد وما أدرك ما عونها، ولا تليق من النواب إلا بكل سري العزم والهمة، علي الآراء في الملمة المدلهمة، ناجح القول والعمل، صالحٍ لأن يثني على نيابته البعلبكية صالحو المدينة والجبل، مكملٍ لسلوك الحق الأنجى والعزم الأنجد، مؤهلٍ لارتقاء الرتب التي إن خلت من ماجدٍ تنأولها الأمجد.
وكان فلانٌ هو جملة هذا التفصيل، وجمال هذا التفضيل، وكفء هذه العقيلة، وسعد هذه المنزلة التي مدت بالسيف والقلم ذراعه ونظمت من البناء إكليله.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت الممالك بمحاسن أيامه إرم ذات العماد، والبلاد ذات الخصب السني لا ذات السنة الجماد- أن يرتب في نيابة بعلبك المحروسة: مجدداً بهمته العالية علو صرحها، وحماية سرحها، ورعاية جبلها وسفحها، مورياً في مصالحها زناد فكره التي لا تتمكن أقوال العداة من قدحها، مصرفاً أوامره كيف شاءت، منصفاً للأحوال المنوطة برعايته إن دنت أو تناءت، باسطاً لعدل قلمه على المجيدين، وسطوات سيفه على المعتدين، وازعاً بمهابته من جاور جبال العمل من الضالين، {فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} وليتبوأ منها معقلاً يحمده المناصر والمهاجر، وليحط منها ثغراً مساويكه الأسل والمسعى إليه على المحاجر، وليجر أمور الديوان على سنن التمييز والتثمير، وليدبر الأوقاف المبرورة بمحاسن التدبير، وليشارك أهلها في الأجر الأول بالأجر الأخير؛ والأسوار هي وقلوب الرجال من أهم ما يعمره، ووفور الحواصل والسلاح مما للولي ولقاء العدو يدخره، وتقوى الله عز وجل مما لا يزال لسانه يستحلي القول فيه فيكرره؛ والله تعالى يمده بإعانته ولطفه، ويكفيه ما أهم من الأمور فما كفي من لم يكفه.
وهذه نسخة توقيع بولاية الولاة بالشام المحروس لمن لقبه عز الدين من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة أيضاً؛ وهي: أما بعد حمد الله الذي جعل للولاة في هذه الدولة عزاً يتجدد، وعزماً يتشدد، وفعلاً إذا حكم لا يتعدى ورأياً لا يتعدد، وكافي ولاةٍ يتلذذ الواصف بذكر اهتمامه الذي إذا اهتم لا يتلدد، وإذا اعتبر عزمه وحزمه فهذا فضلٌ يتجدد، وهذا وصف لا يتحدد، والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد، وعلى آله وصحبه ذوي العز المؤبد، والعزم المؤيد، ما كتب قلم الغيث الجائد على طرس الروض فجود- فإنه لما كانت الولاة في خدمة البلاد جيشاً يحمون سرحها، ويعمرون صرحها، ويخصبون بالعدل قبل العمارة سفحها، ويحكمون في رعاياها، ويتمكثون في قضاياها، ويقرعون ثغورها ويفرعون ثناياها- تعين أن نقدم على هذا الجيش المذكور أميراً يقرر أمرها، وينسق من ميمنته وميسرته يمنها ويسرها، ويجرد من الرأي سلاحه، ويسر قلبه بالتدبير ويريش جناحه.
وكان المجلس السامي هو الأمير الدال عليه هذه الإمارة، المعني بهذه الشارة والإشارة، المستحق بشريف نفسه مدارج الارتقاء، ومباهج الانتقاد والانتقاء، المسبل أذيال مفاخره أي إسبال، المرقوم باسمه ورسمه على أرجاء الولايات: عزٌّ يدوم وإقبال، المقيم من أمانته ومهابته بين حرزين، الشهم الذي لا يذل وهو من نعته ومنتسبه بين عزين، الصمصام الذي تسر به يد من ارتضاه وانتضاه، والماشي على الحق الظاهر حتى يقال: أهذا والي الولاة أم قاضي القضاة؟.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- شرفه الله وعظمه- أن يستقر........................... اعتماداً على شهامته التي بمثلها تمهد البلاد، وكفاءته التي تفصح بالخيرات السنية ألسنة الجماد، وصرامته التي تشد على أيدي الولاة فيردون الحقوق من أيدي الاغتصاب، ودرايته التي ينتسبون إليها فينشدون:
وكنا كالسهام إذا أصابت ** مراميها فراميها أصاب

فليباشر هذه الرتبة بكفئها: من العزم العالي، والقدر الغالي، والمعدلة التي تتمسك منها الأحوال بأوثق العرا، وتتلو سيارتها المرفقة: {وما كنا مهلكي القرى}، مراعياً لجميع الأحوال، مثمراً لمربع الأموال، والياً على ولاةٍ إن شكوا في صنع الله فما لهم من الله من وال، ماشياً من تقوى الله تعالى في كل أمرٍ على أقوى وأقوم منوال؛ والله تعالى يخصب البلاد بغمام رأيه الصيب، ويطيب الأماكن المنبتة بمثله: وكل مكانٍ ينبت العز طيب.
وهذه نسخة توقيع بولاية البلقاء والصلت، من إنشاء ابن نباتة، وهي:
أما بعد حمد الله مضاعف النعمة، ومرادف رتب الإحسان لمن أخلص في الخدمة، ومجدد منازل العز لمن طلعت كواكب اهتمامه في آفاق الأمور المهمة، ومؤكد سهام الخير المقتسمة، لمن سدد في شرف الأغراض رأيه بل سهمه، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ النبي الأمي هادي الأمة، وعلى آله وصحبه حماة الدين من العوارض الملمة، صلاةً تكون بين أرواحهم الزكية مودةً ورحمة- فإن أحق الأولياء بمزيد الآلاء المتصلة، وتجديد النعم المقبلة وتقديم المساعي التي لا تلبس حلل الفخار إلا مكتملة- من وضحت في صفات الفضل آياته، وتقابلت في حالتي التدبير سطاه وأناته، وروى غلة البلد الخائف ففاض على المعتدين جدول سيفه وجرت بالدم قناته، وقام على قدم الاجتهاد، وقسم بين جفنه وجفن سيفه السهاد.
ولما كان المجلس هو المقصود بهذه الكناية، والمشهود له في طلق هذه الغاية، والعالي بهممه على ذوي الارتقاء، والوالي الذي إذا ركب الولاة لاشتهار ذكر كان من بينهم فارس البلقاء، والناهض بتثمير الأموال غمام رأيه الصيب، والطيب بسياسته محل الولاية: وكل مكانٍ ينبت العز طيب- تعين أن نتزيد منصبه إذا تزيدت المناصب، وأن تستمر مرتبته إذا مرت لذهابها المراتب، وأن يشتمل في استمرارها عليه، وأن يكون في إعراب الدولة القاهرة مضافاً ومضافاً إليه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- أعلى الله تعالى أبداً عماده، وجعل لولاة أيامه الحسنى وزيادة- أن يستمر على ولاية البلقاء على عادته، وأن تضاف إليه ولاية الصلت: جمعاً له بين الأختين حلالاً، والذروتين منالاً، والرايتين نهوضاً بهما واستقلالاً، وعلماً بوفاء عزمه الذي أمر أمره، ورفعاً لقدره الذي حسن أن يقول لمنصب البلقاء: لنا الأبلق الفرد الذي سار ذكره، وتيمناً بغرة الصلت فإن الصلت هو الجبين الواضح بشره؛ وكيف لا؟ وهو الكافي الذي جمع مال الجهات فأوعى، وقسم فنون المصالح جنساً ونوعاً، وحسم أدواءها بحسام رفقه كرهاً وطوعاً.
فليباشر بالعز واليمن جهتيه، وليأخذهما بكلتا يديه، وليفض وجه عزمه في أرض الدولة حتى يكون شبه البلقاء اللازم لإحدى ولايتيه، محصناً بسماكي سيفه وقلمه فنعم البلدتان، مثمراً بسداد قوله وفعله ومن دونهما جنتان، موفياً للحقوق، معفياً لاعتراف النعمة من العقوق، راقياً بهمته- إن شاء الله تعالى- إلى رتبٍ لو رامها نجم الأفق لعاقه العيوق، عاملاً بتقوى الله عز وجل فإن خير الدنيا والآخرة بتقوى الله معدوق؛ والله تعالى يوضح لرايه أجمل الطرائق، وينجح على البلقاء وغيرها سعيه السائق، وفكره السابق، بمنه وكرمه!.
وهذه نسخة توقيع بولاية نابلس، من إنشاء ابن نباتة أيضاً؛ وهي: أما بعد حمد الله على ما هنأ من المواهب، وهيأ من علي المراتب، وأنجز من وعود السعود بعد مطال المطالب، وزين من سماء الوظائف عند إزهائها بزينة الكواكب، وعمر من صدور الولاة والولاية بعليٍّ تثني عليه الرعية ولو سكتوا أثنت عليه الحقائب، والصلاة على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله الذي جرد لنصر الإيمان حده القاضب، وحزبه الغالب، وندب لإحياء الحق عليه بعد ما همت به النوادب، وعلى آله وصحبه الذين هم في الممات جمال الكتائب، صلاةً تتعطر بنفحاتها الصبا وتتقطر من خلف سراها الجنائب- فإن عقائل الولايات أولى بخطبة أكفائها، ورغبة السراة من ذوي اصطفائها، ونسبة من يقوم للأمور المعللة بقانونها وشفائها.
ولما كانت بلد نابلس المحروسة من أعلى عقائل البلاد قدراً، وأمرإ الجهات أمراً، وأسرى الولايات محلاً وذكراً، وأوفى النواحي من زمان بني أيوب على تكاليف الملك صبراً، وأنزه البقاع التي لو رآها الملك المصري لما استغلى غوطة الشام بشبرين من شبرا؛ بلدٌ أعارته الحمامة طوقها وحملت الثناء فوق طوقه، ونجم نبات واديها الزهر حتى تساوى النجمان من تحته ومن فوقه- تعين أن يختار لولايتها من تعين ولأوه، وتمكن في الرتب علاؤه، وتبين في مصالح الولايات احتفاله واحتفاؤه، وشهر وفاؤه بالخدمة فلا شرف بسعي إلا له منه شينه وراؤه وفاؤه، من شهدت السواحل الشامية في مباشرته أنه أجرى منها المال بحراً، وأفاض الوصف دراً، وشهدت الزكاة- وديوانها المادح- أنه أفلح من زكاها خبراً وخبراً.
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يرتب فلانٌ............... علماً بأنه الأوحد الذي جمع الأوصاف المتقدمة، وأسمع من المحامد نتيجةً لها من كلا قوله وفعله مقدمة، وأطلع في آفاق الوظائف كنجوم الجوزاء الثلاثة رأيه وسيفه وقلمه، واطلع على محاسن التبدير فكان في رعايا بلده ممن تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، وأنه الكافي الذي إذا ولي ثمر، وإذا صال على المفسدين دمر، وإذا شامت المهمات بارق عزمٍن أسبل وإذا سامت قواه شمر، وأنه الأمين إذا تصرف، والمأمون إذا تعرف، والشجاع إذا تحصنت البلاد بنسبه الحصني: فسواءٌ في شمول الأمن ما توسط منها وما تطرف.
فليباشر هذه الولاية المباركة بعزمٍ يوضح بشرها، وينجح أمرها، ويقيم في خطبة علاه عذرها، وحزمٍ يثمر مالها وغلالها، وينقع غلتها ويضع أغلالها، وبأسٍ يدع المفسد من سيفه أو قيده في طوقٍ أو حجل، ويذر السارق والمارق يشير بلا كفٍّ ويسعى بلا رجل، مشيداً لنواحيها بالترغيب والترهيب على أوثق المباني، مصلحاً بين أهل الأهواء حتى لا يضر قول القائل: رفيقك قيسيٌّ وأنت يماني، متفقداً من الأحوال كل جليلٍ وحقير، ناهضاً في تلقي المهمات على قدم التقدم بالعزم الأثير، جاعلاً من لدى محجة عمله لصلاح العشيرة نعم العشير، عاملاً بتقوى الله تعالى في كل أمرٍ وإليها بالحديث يشير.
وهذه نسخة توقيع بشد الدواوين بغزة، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لعلاء الدين بن الحصني المقدم ذكره في التوقيع قبله، وهي: أما بعد حمد الله على كل نعمةٍ جلت، ونعمةٍ في أهلها حلت وحلت، ورتبة بانتساب كافيها وباسمه تحصنت على الحقيقة وتعلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ خير من سلمت عليه الألسنة وصلت، وسلت به سيوف النصر وصلت، صلاةً دائمةً ما أمليت على الأسماع فملت، ولا قابلتها وجوه الملائكة إلا تهللت ولا سحب الرضوان إلا انهلت- فإن منزلةً يستقى من مهمات الدولة خبرها، ويستدعى من جانبي مصر والشام سبرها، ويحمد إليها من ناحيتي الساحل والجبل سراها وسيرها؛ وتلك وظيفة شد الدواوين المعمورة بغزة المحروسة التي تلتقط من ساحل بحرها درر الخير المقتبل، وتقول المهمات الشريفة لسراة استنهاضها: يا سارية الجبل- حقيقةٌ أن يتخير لها من الشاكرين من يحمد اجتهاده وجده، ومن السابقين إلى المقاصد من يسحن- كما يقال- تقريبه وشده، ومن شكرت في الولايات آلاؤه، ومن إذا علا نظر رأيه في المصالح قيل: دام علاؤه، ومن إذا دبر جهةً قالت بلسان الحال: لقد زاد في المصالح حسناً، ولقد تحصنت بانتساب ذكره فلا عدمت منه حصناً.
ولذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقر........................................... لما عرف من حزمه وعزمه، ولما جدد في مقدمات القدر من رفعه وفي إعلاء المهمات من جزمه، ولما عهد من هممه في جهاتٍ دبرها، وفي ولاياتٍ ثمرها، وفي وظائف شدها: أما على العتاة فشددها وأما على المستحقين فيسرها، ولما اشتهر من ذكره الذي لا برح علياً، ولما ظهر من درايته التي جعلت كوكب سعده وسعيه درياً، ولما بهر من تميزه الذي إذا هز عصاه بيدٍ تساقط على المقاصد رطباً جنياً.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرةً تبيض لها وجهاً وعرضاً، وإذا أثنى عليه المثني تبرعاً كافأه حتى يكون قرضاً، مجتهداً في تثمير الأموال والغلال، ضابطاً لأمور الديوان حتى لا يشكو الخلة ولا الاختلال، قائماً بحقوق الخدمة، مستزيداً- بشكر الأقوال والأفعال- لما يرسخ له من أقسام النعمة، علياً على كل حالٍ إذا وفت الفكر قدره وإذا ذكر اللسان اسمه.
المرتبة الثالثة من تواقيع أرباب السيوف بأعمال دمشق: ما يفتتح برسم، وفيها وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بنيابة قلعة القدس، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لشرف الدين موسى الردادي؛ وهي:
رسم............................... - لا زالت ولاة أيامه عالية الشرف، سأمية المستشرف آويةً من جنات خير الدنيا والآخرة إلى غرف من فوقها غرف- أن يستقر المجلس السامي........... علماً باهتمامه الوفي، واعتزامه المتيقظ إذا نام حد المشرفي، واستناداً إلى رأيه الذي يقول نجمه الطالع: ما أبعد العيب والنقصان من شرفي!!، وإرشاد سعيه إلى ان اتخذ من الأرض المقدسة داراً، ومن حرمه الشريف جاراً، واتقاد ذهنه وشجاعته اللذين آنس بهما من جانب الطور ناراً، وكيف لا؟ وقد قالت همته: يا موسى أقبل ولا تخف، وأخرج يدك البيضاء في النيابة تكن أحق من اغترف بها الإحسان واعترف.
فليباشر ما فوض إليه مباشرةً يعلو بها شرف اسمه ومسماه، ويبدو للاختيار والاختبار فضل التقدم الذي إذا بدا له كفاه، وليجر بهذه الرتبة رأياً حسن الإحكام، وليواظب على حفظ هذه القلعة التي فتح بها عليه فإنها من أعظم فتوح الإسلام، وليمد عليها من كفايته سوراً حول سورها، وليتفقد رجالها وعددها تفقد الشهب في ديجورها، وليرد عنها بعزمه الردادي عيون الأعادي الزرق حتى لا يراع في أرض الحرم ولا حمامات طيورها، وليشكر نعمةً أوته إلى هذه المنازل الطاهرة، وليقرب ليد آمله طلب خير الدنيا والآخرة، وليقدم من الوصايا تقوى الله التي عن أصلها تتفرع نعمه الباطنة والظاهرة، حتى يجعل له في الوادي المقدس ربعاً مأنوساً، وجمعاً محروساً، وأحاديث حسنةً تقول لمستمع مثلها في الآفاق: {هل أتاك حديث موسى}. والله تعالى يمده بإعانته، ويلهمه شكر ما رزق من فضل مكانه ومكانته، بمنه وكرمه! وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة صرخد لمن لقبه جمال الدين وهي: رسم بالأمر- لا زال يتخير لقلاعه النائب ويتحيز من النائبة، ويمدها بسحائب بره وفكره الصائبة، ويندب لخدمتها كل سيفٍ يرضي النادب ويقيم على غيرها النادبة- أن يرتب مجلس الأمير................... لأنه الكافي الذي تسر الحصون بأمثاله، وتبتسم شرفات القلاع لإقباله، وتنشرح منازلها بتنقل نجوم الهداية من أفعاله وأقواله، والملي بأداء الخدمة، والمرشح لما هو أوفى وأوفر من الأمور المهمة.
فليباشر نيابة هذه القلعة القديم أثرها، والشهير خيرها وخبرها، بعزمة سيف قاطعة، وحدة بأسٍ ذائعة، ومهابة ذكرٍ لشياطين النفاق عنها رادعة؛ فإنها من بناء المردة: فليرد عنها آفة جنسها، وليحط برقى عزائمه حول نفاستها ونفسها، وليجر أمرها على السدد، وليبنها بلزومه المهدي أوثق مما بناها أولئك بالصفاح والعمد، وليرض الآثار السليمانية بسلمان بيت الملازمة على طول الأبد، وليجتهد فيما هو بصدده حتى تدمر بتدمر جوانح الحسدة بالكمد، مكثراً بذكرى مهابته لعددها، موفراً لعددها، مستوجباً لاستجلاب الإنعام عليه باستجلاب مددها.
وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة الصبيبة، وهي: رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه يعيد إلى الحصون ناصرها وزينها، ويفيد أصحاب الهمم صونها، ويحرسها بمن إذا نظر فيها وحماها كان عونها وعينها- أن يستقر المجلس السامي الأميري........................... لما ألفته هذه القلعة المنصورة من تحصينه وتحسينه، وعرفته من ترتيبه في عمارتها وتزيينه، ولأنه الأدرى بالمصالح العائد نفعها، والأدرب بمناجحها الحميد وقعها، الذي باشرها من قبل فأحسن السلوك، ونصح هذه الدولة القاهرة فأثنى على سيرته ملوك الحصون وحصون الملوك.
فليعد إلى هذا المعقل المنيع عود الماء إلى مشاربه، وليسر في أرجاء ابراجها مسير القمر بين كواكبه، وليتفقد أمور رجالها المستخدمين، وليستجلب قلوب حفظتها الأقدمين، متحاشياً من رأي القاصر الغبي، قائماً بالمهمات التي تزاحم منه بشيخ لا تزاحم بصبي، مقيماً على رفع الأدعية لهذه الدولة القاهرة، مستزيداً بالكشر لنعم الله الباطنة والظاهرة، مجتهداً معتمداً على تقوى الله تعالى التي جعلت له مكاناً مكيناً في الدنيا وطريقاً سهلاً إلى الآخرة، والله تعالى ينجح قصده، ويتقبل جهاده وجهده، بمنه وكرمه.
قلت: هذا كان شأنها حين كان يولي بها مقدم حلقةٍ أو جنديٌّ من الشام. لكن قد تقدم في الكلام على ترتيب الممالك الشامية في المقالة الثالثة أنها استقرت في الدولة الاصرية فرج في سنة أربع عشرة وثمانمائة ولاية.
وحينئذٍ فتكون ولايتها من الأبواب السلطانية. فإن عادت إلى ما كانت عليه أولاً، عاد الحكم كذلك.
وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة حمص، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهي: رسم بالأمر- لا زال يندب لخدمة قلاعه كل سيفٍ مختبر، ومجربٍ عبرت عليه العبر، ومؤدٍّ لفرائض الخدمة: إما بقيامٍ عند الصبا وإما بقعود عند الكبر- أن يرتب فلانٌ في نيابة قلعة حمص المنصورة إجابةً لسؤاله فيما سأله: من التوفر على مواصلة الصلوات، ورفع الدعوات، وجمع ثوابي الجهاد والخلوات، وتقضي باقي العمر وادعاً، متنسكاً طائعاً، إذا بكى بجواره حتى النهر العاصي رق عليه فما يعدم منه بكا.
فليباشر نيابة هذه القلعة العلي خبرها ومخبرها، الملي سماعها ومنظرها، المطلة على مراكز الرماح المشهورة، ومهاب الرياح: إما بغيث السهام ممطرة وإما بسهام الغيث ممطورة، المجاورة لسيف الله خالد فهي بإعراب المجاورة منصورةٌ غير مكسورة، معتبراً لأحوالها، مستدعياً لما تحتاج إليه من عددها وعدد رجالها، محصناً باستدعاء السلاح وسلاح الأدعية الجديرين بأمثالها.
وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة جعبر، قبل أن تنقل إلى حلب، وهي: رسم بالأمر الشريف- أعلى الله تعالى في سماء الملك كواكبه، ونصر في أقطار الأرض كتبه وكتائبه، وصرف بأوامره العالية كل نائبٍ وفرق بها كل نائبة- أن يرتب...................................... علماً بأنه الكافي الذي تعقد على همته الخناصر، ويثني على تقديم عزائمه القديم والمعاصر، وتقوى الجهات وتنصر باسمه بعد أن كانت بغير قوةٍ ولا ناصر، واعتماداً على كفاءته النافعة، وشهامته الرائقة الرائعة، ودرايته التي تضيء بها القلعة وتسمو حتى يقول الاستيقان: ما هذه شميس هذه شمسٌ طالعة.
فليباشر هذه القلعة القديم أثرها، الحميد خبرها وخبرها، المصغر تصغير التحبيب والتحسين اسمها ومنظرها، المنفرد سهلها بذيل الآفاق فتمسك بسحبها، المنشدة لارتقاب نهضة حال من علم ابن منصور بها، راقياً صرحها، راعياً بالمصالح سرحها، مجتهداً فيما يقضي لقدره بالرفعة، ولرائد أمله بخصب النجعة، جاعلاً هذه المنزلة أول درجاته: وحسبه بمنزلةٍ يكون أول درجاتها قبة قلعة؛ والله تعالى يسدد عزمه وحزمه؛ ويحمد في الكفاة خبره كما أحمد فيهم اسمه، بمنه وكرمه.
وهذه نسخة توقيع بنيابة مغارة زلايا؛ من إنشاء ابن نباتة، وهي: رسم بالأمر- لا زال يزيد قلاع الإسلام علاءً في السمة والاسم، وفي القوة والجسم، وفي اعتناء يجمع لعقيلتها بين الحسن والقسم- أن يرتب مجلس الأمير.............................. لقيامه بواجب الخدمة، وملازمة فرائضها المهمة، وعزمته الوفية في النفس، الزائد وصفها على الأمس، العلي نسبها وحسبها: فتارةً إلى العلى وتارةً إلى الشمس.
فليباشر هذه القلعة التي علت بنفسها محلاً وسكناً، وقال ساكن مغارها لثاني اثنين من حزمه وعزمه: {لا تحزن إن الله معنا}، واستعلى ثنيتها فأنشد:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

ونادى بقعتها: هذا عزمي وحزمي لا يقال ولا يا زلايا، مجتهداً في سداد أمورها، وتحصينها بالمهابة القائمة مقام سورها، مستجلباً ما يحتاج إليه وما يرتب من عدة، ملازماً لزوم الخمس لأوقات مباشرتها لا يوصف بالزوال بل بطول المدة.
وهذه نسخة توقيع بولاية القدس، من إنشاء ابن نباتة، وهي: رسم بالأمر.............................. لا زال يشمل بظله وفضله، ويجمل بإحسانه وعدله، وينقل شمس الولاة من البرج الظاهر إلى مثله- أن ينقل فلانٌ من كذا إلى ولاية القدس الشريف: علماً بكفايته التي تقدمت، وشهامته التي تحكمت، وإمامته التي سلمت فيما سلمت، وهمته التي وضحت شمساً فلا تنفس، وقالت لقيامه في المصالح: {اخلع نعليك إنك بالواد المقدس}.
فليباشر هذه الولاية مباشرةً تمحو بضياء شمسه ظلماً وظلاماً، وتقول لنار الحوادث في المشاهد الجليلة: {يا نار كوني برداً وسلاماً} مجتهداً فيما هو بصدده، عارفاً بوجوه المصالح حتى يكون السكن أعرف بشمس بلده، ناهضاً بأمور الديوان جليها وخفيها، وعبء المهمات حافلها وحفيها، مستزيداً بالشكر لمباديء النعم، قائلاً في محل البلدين المباركين: ما سرت من حرمٍ إلا إلى حرم.
وهذه نسخة توقيع بولاية غزة، وهي:
رسم بالأمر- لا زال ينشيء في رياض الإحسان غرساً، ويحقق في استحقاق الكفاة حدساً، ويقدم من لا تزال الولايات تحمد له يوماً وتذكر لقومه أمساً- أن يرتب................... لما عرف من عزمه الذي جرد منه الاختيار والاختبار جميلاً، وكمال شخصه الذي اتخذه التوفيق فلم يقل: ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً، واعتماد الذي يصبح في المحامد ويمسي، وينافس مرباه فهذا يقول: ثمري وهذا يقول: غرسي.
فليباشر هذه الولاية بعزمٍ مقتبل البيبة، وحزمٍ لا يقعد الرأي المحيل تجريده في المصالح وتجريبه، ونفع في المهمات وردعٍ للمفسدين تحمد موارده ومصادره، وذكرٍ له حسنٍ تلتقط من ساحل الشام جواهره، مستزيداً لما رسخ له من درجات الأمور المهمة، منزه العرض عن كل لائمةٍ مرجحاً تقوى الله تعالى في كل ملمة؛ والله تعالى يحمد في الخدمة آثاره؛ ويعز في ولاية حربه الساقة إذا هانت الحرب على النظارة.
وهذه نسخة توقيع بولاية لد، لمن اسمه نجم الدين أيوب وهي: رسم بالأمر- لا زالت نجوم أوامره سعيدة، وظلال عوارفه مديدة، ومنازل الولايات حامدةً لمن يقدمه وطوالع أفقها حميدة- أن يرتب..................................... اعتماداً على كفاءته التي تشيد له مجداً، وتعقب مسعاه حمداً، وتكفي من هذه الجهة وأهلها بلداً وقوماً لداً: لما احتوى عليه من موجبات الاصطناع ودواعيه، وفات باستقلاله أمد مساجله ومناويه، واشتمل على الخلال التي قضت بتقديمه، والأفعال التي استدعت المبالغة في تفخيمه وتكريمه، وسلك من المخالصة ما يوجب الاستحقاق والاستيجاب، ويوصل حميد مسعاه إلى بلوغ الآمال وإدراك المحاب.
فليباشر هذه الولاية: عاملاً بتقوى الله تعالى فيما يسره ويعلنه، معتمداً فيها غاية ما يستطيعه المكلف ونهاية ما يمكنه؛ وليسو بين القوي من أهل هذه الولاية والضعيف، ولا يجعل في الحق فرقاً بين المشروف والشريف، ويمد على كافتهم رواق السكون والأمنة، وليجرهم في المعدلة على العادة الجميلة الحسنة، وليأخذ في الأمور الديوانية بالاجتهاد مراعياً في ذلك حال العمارة، آتياً من الإحسان إلى الرعية ما يكون للعدل شارة، وافياً في ذلك كله بالمطلوب، صابراً على تكاليف المهمات ولا ينكر الصبر لأيوب.
وهذه نسخة توقيع بولاية بيسان، لمن لقبه شهاب الدين من إنشاء ابن نباتة؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت شهب أوقاته سعيدة، وسحب هباته ساحبة الجود مديدة، وبحور نعمائه الحقيقية كبحور الأعاريض المجازية: كاملةً [منسرح]ةً مديدة- أن يستقر...................... اعتماداً على عزمه المنير شهابه، الكثير توقده في أوقات المهمات والتهابه، واستناداً إلى كفاءته التي يشهد بها ولاؤه في الخدمة وولايته، وشهامته التي يجزم بها في الأمر رأيه وترفع في الخدمة ولايته ومهابته، وعلماً بسياستها التي يقمع بها أهل الفساد، وتكاد تفخر بيسان بفضلها كما فخرت بفاضلها على البلاد.
فليقم في وظيفته على قدم اجتهاده، وكرم ارتياده واعتياده، شافياً لأحوال أهل ناحيته من الوصب، مثمراً الغلال والأموال بعزمٍ قد ارتفع وانتصب، ظاهراً في الخدمة مجهوده، مليناً لحديد من عصى عليه في عمله كما أورثه د اوده؛ والله تعالى يوفقه.
وهذه نسخة توقيع بولاية صيدا، لمن لقبه شجاع الدين بالمجلس العالي؛ وهي: رسم بالأمر العالي- أنفذه الله في الأقطار، ونجم بولاته أيام الأوطان والأوطار، وأجرى بشكره سفن الركائب وركائب السفن إذا سف وإذا طار- أن يستقر فلانٌ............... ركوناً إلى عزمه وحزمه، وسكوناً إلى اهتمامه الذي حكم فيه الاختبار بعلمه، وعلماً أن للولايات به الانتفاع، ولحصونها الامتناع والارتفاع، وأنه إذا ولي رعى وإذا أقوى كان أعصم راع، وإذا فكر في الرأي ووقب في المهم كان نعم الشجاع.
فليباشر ولاية عمله ناهضاً بأعبائه، رافعاً بالعدل لأرجائه ورجائه، حريصاً على طيب الأخبار المنتشرة من كافور صبحه ومسك مسائه، وليتفقد أحوال بره وبحره، ويتيقظ لذلك البر وجهره، وذلك البحر وسره، حتى يتحدث البحر عن عزمه ولا حرج، ويسير ذكره كنسيم الروض لا ضائع الصنع ولكن ضائع الأرج، ويعتمد مصالح النواحي وسكانها، والأموال وديوانها، والجهات وضمانها، ونجوم التقسيطات في البلدة وتحرير ميزانها، ويجمع بين اللين والشدة والشدة بسياسةٍ لا يخرج بها الرأي عن إبانها، وتقوى الله تعالى هي العمدة فعليها يعتمد، وعلى ركنها يستند، حتى تجعل له على المصالح أيدا، وحتى تثني نحو الثناء عليه عمراً وزيدا، وحتى تجعل له بأساً في الأعداء يكيد كيدا، وحسن ذكرٍ في البلد يصيد صيدا.
وهذه نسخة توقيع بولاية قاقون، من إنشاء ابن نباتة؛ وهي: رسم بالأمر- لا زال يندب لمصالح الولايات سيوفاً، ويقدم ظناً في الكفاة يعلم أنه سيوفى، ويدني من ثمرات الإنعام والإرغام لأيدي المجتنين قطوفاً- أن يستقر.................... اعتماداً على همته الشائدة، ودرايته السائدة، وأمانته الشاهدة، وصفات عزمه التي هي في الولايات معنٌ وهي زائدة؛ مجتهداً على أن يثمر عمل ولايته فتزكو أعماله، وترد عليه المهمات فتتلقاها بالكفاءة أفعاله المعروفة وأقواله، وتشهد منه الأحوال معنىً بل معاني يثبت بها في الأذهان قبوله وإقباله.
وهذه نسخة توقيع بولاية صرخد، من إنشائه، لمن لقبه جمال الدين وهي: رسم بالأمر أعلاه الله تعالى، وبلغ بأيامه الرتب وأهلها آمالاً، وزان الولايات بما ينتج من مقدمة فعله وقوله جمالاً- أن يرتب مجلس الأمير........................................... لأنه الكافي الذي عرفت في المهمات همته، وألفت عزمته، وأديرت أوصافه عقاراً صرخدية ولا عجب أن سرت بالنواحي خدمته، والناهض الذي وفى الولاية حقها، وأدى الأمانة وسلك طرقها، وأطلع في سماء الولايات شهب رأيه فحمى وزان أفقها.
فليباشر هذه الولاية بعزمٍ سني، وحزمٍ سري، ومهابةٍ تأخذ للضعيف من القوي، وديانةٍ تمشي من الكفاءة والأمانة على صراطٍ سوي، مثمراً للمال والغلال، راقماً لحلل الذكر بحسن الخلال، محسناً لذكر ولايته حتى يجمع لها بالوصف والنعت بين الحسن والجمال؛ وإياه والجبن عن المهمات فما كل جبنٍ صرخدي محمود العاقبة والمآل.
وهذه نسخة توقيع بولاية سلمية، من إنشائه، كتب به لشهاب الدين الحجازي؛ وهي: رسم....................... - لا زال يطلع شهب الولاة مشرقة، وينشيء سحب الإحسان مغدقة، ولا برحت أقلام علائمه كالغصون بأحسن ثمرات الدوح مثمرةً مورقة- أن يرتب..................... علماً أنه الناهض الذي إذا ولي كفى، وإذا طب الولاية المعتلة بتقديم المعرفة شفى، وركوناً إلى عزمه الذي أبى لشهابه أن يخمد، وكفاءته التي قضت لاسمه بالعود: فإن العود أحمد، واعتماداً على سيرته الحسنة السمعة، الحقيقة بالرفعة، وعلى سطوته بالمفسدين التي حسنت أن يقال فيه: لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة.
فليباشر هذه الولاية بعزمه المتوالي، واجتهاد رأيه الذي يطرب بارقه المتعالي، جارياً على عادة سدده، مجتهداً فيما هو بصدده، مسدداً- إن شاء الله- في القول والعمل، مانعاً لناحيته الأعرابية من تطرق الخلل وتطرف الجلل، مصلحاً بالتدبير عمل ما يشهد بعزائمه الوفية، وهممه الجلية، وإذا سأل عن شد الولاة واحدٌ قيل: سل مية عن سلمية.
وهذه نسخة توقيع بشد متحصل قمامة، من إنشاء ابن نباتة؛ وهي: رسم بالأمر- بسط الله تعالى على الأمم مهابته وظله، وبأسه وفضله، ووجه إليه آمال الخلق من كل قبلة، وأعلى آراءه التي يقال لعدلها: لقد جدت حتى جزت في كل ملة- أن يرتب............... مضافاً لما بيده، واستناداً إلى صحيح خبره في الكفاءة وعلو سنده، وارتياداً لهممه التي إن رواها مسلمٌ عن طوعه رواها نصرانيٌّ عن تجلده، وسكوناً إلى حركته التي تحصل مالاً، وتصل إلى مالا، وتستخرج الوفر من مكمنه، وتأخذ الحق من قدام يدي الماثل ومن خلف أذنه، وعلماً أن ما لمتحصل قمامة مثل عزمه المختار، ورفقه الذي يستنزل در القصد المدرار، واجتهاده الذي زرعه المستنهضون فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار.
فليباشر هذه الوظيفة بشدةٍ ولينٍ يجعل كل واحدٍ منهما في موضعه ومقامه، وحقٍّ منير يجعل سبت نورٍ كل لياليه وأيامه، وأمانةٍ مدلة، وكفاءةٍ مظلة، وصيانةٍ توجب مزيد الخير إذاً له، ومهابةٍ إذا أدخلت مستخرج قمامة أصلحته وجعلت أعزة أهلها أذلة؛ لا يثني هممه النفيسة، ولا يلتفت- كما يقال- لتبخير الكنيسة، بل يستعمل فراسةً تروع من حمل عن أداء الحق بهتاناً، ومناقشةً تكشف عن جبال التجلد أكناناً، ورأفةً مع ذلك بالظاهري العجز: ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً، ومتابعةً للضرائب القديمة لا يصرف عنها، واستخلاص ما على الرأس حتى يقال: ليس تحت الزرقاء أخضع منها، عاملاً بتقوى الله تعالى فإن أهل معاملته أهل ذمة، مجتهداً في استحقاق ما يترشح له من ولايات الأمور المهمة.
الصف الثاني مما يكتب لأرباب الوظائف بدمشق: تواقيع أرباب الوظائف الدينية:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: ما يكتب لمن هو بحاضرة دمشق:
وهو على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: ما يفتتح بالحمد لله:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: توقيعٌ بنظر الحسبة بالشام، كتب به للقاضي نور الدين علي بن أبي الفرج بالجناب الكريم؛ وهو: الحمد لله الذي جعل مقام الأولياء عليا، ورقى بهم إلى طور العناية فأشرق نورهم سنيا، ووفقهم للأمر بالمعروف فلم يزل غيث الندى بهم وليا، وزند سبل الرشاد والحكمة وريا.
نحمده حمداً كثيراً طيباً زكيا، ونشكره شكراً لا يزال غصنه بالزيادة جنيا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نكررها بكرةً وعشيا، ونسلك بها صراطاً سويا، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده الذي اختاره صفيا، وقربه نجيا، ورسوله الذي قام به الحق وأصبح به الباطل خفيا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً ينال بها المؤمن يوم العطش ريا، ويجوز بها في جنة المأوى حللاً وحليا، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد، فإن أولى ما يلزم الفكر فيه ويتعين، ويتم النجح بحسن النظر فيه ويتبين- أمر الحسبة الشريفة: فإنها المنصب الذي به صلاح أحوال الرعية، وقوام إقامة الحدود الشرعية؛ تسلك العامة لمستوليه سبل صنائعه ذللاً، وتكسو بإتقانها أنواع بضائعها حللاً، وينتفع بمعرفته الآمر والمأمور، وتحاط المعايش عن غشيان الغش من حرمته بسور، وتطمئن القلوب بإصلاح المطاعم وتتهنى، وتقول الألسنة: شكراً لمن سن هذه السنة الشريفة وسنى، وردع ذوي الغش عن غوايتهم: فمن غشنا ليس منا؛ لاسيما بدمشق فإنها شامة البلاد المرحوسة، وموطن البركة المأثورة والبهجة المأنوسة؛ بلدٌ شاع ذكرها في المغارب والمشارق، وإن محاسنها لن تقاس بغيرها: والجامع الفارق.
وكان فلانٌ ممن تحلى من عقود المحامد بجواهرها، وارتدى من حلل المآثر بمفاخرها، وعرف بالنهضة والعفاف، واتصف بجميل المعرفة والإنصاف، وحسنت سيرته في أحكامه، وحمدت قواعد تعهده ونضارة نظامه.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال يولي جميلا، ويولي في الوظائف السنية جليلا- أن يستقر المشار إليه في نظر الحسبة الشريفة بالشام المحروس، على عادة من تقدمه في ذلك، والقاعدة المستمرة، بالمعلوم المستمر للوظيفة المذكورة، إلى آخر وقت: وضعاً للشيء في محله، وتفويضاً لجميل النظر إلى أهله.
فليباشر ذلك آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، سالكاً من حسن الطريقة ما يحمد به ويشكر، ويسره حين تتلى سور محاسنه وتذكر، متفقداً أحوال العامة ومعايشها في كل آن، ملتفتاً في أمر ما يكال أو يوزن إلى قوله تعاىل: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}، مشمراً عن ساعده في الإجراء على العوائد المستحبة، محترزاً فيما يأمر به: فإن الله تعالى لا يخفى عليه مثقال حبة؛ ولينظر في الدقيق والجليل، والكثير والقليل، وليستكثر الأخبار، وليستعلم الأسعار، ولا يغفل عن تعاهد السوقة آناء الليل وأطراف النهار، وليلاحظ أمر السكة السلطانية بإصلاح العيار، وضبط أحوال النقود بمقدار، وليقم من خدمته رقيباً على من اتهم في صنعته أو استراب، وليبالغ في النظر في أمر المآكل والمشارب فإن أكثر الداء من الطعام والشراب، وليزجر بتأديبه من افترى، أو تلقى الركبات أو غدا في الأقوات محتكراً؛ وليعلم أنه قلد أمر هذه الوظيفة المباركة: فليختر من يستنيب، وليبصر كيف يسلك برعايته من حكم عليه فما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيب؛ والوصايا كثيرةٌ وأصلها التقوى التي هي أجل ما يقتني المؤمن ويكتسب، وأجدر بالزيادة: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب}. والله تعالى يديم علاه، ويتولاه فيما تولاه.
وهذه نسخة توقيع بنظر الجامع الأموي، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للقاضي عماد الدين بن الشيرازي في الدولة الصالحية صالح بن الناصر محمد بالجناب الكريم؛ وهي: الحمد لله الذي أذن لبيوته أن ترفع فرفع عمادها، وأعاد أحسنها إلى نظر من صرف أمورها بما حسن وصرفها عما دهى، وأحيا الآثار الأموية حتى غدت كالهاشمية تدعو أجوادها وسجادها، وأنجز وعد أهلها بمن أشارت إلى مباشرته أعلام أعلام المنابر بالأصابع ونصت المآذن أجيادها.
نحمده على ما هيأ من الفوائد، وهنأ من العوائد، ونشد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يقوم بها الخطاب شاهداً ويقوم بها الخطباء في المشاهد، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أوتي الجوامع من الكلم وجعلت له الأرض من المساجد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين عمروا بيوت العبادات بهدايته، وظهروا في مجال الجمع وسجال الجموع تحت رايته، صلاةً متصلة السير كالسيل، مسبلة الغمام كالذيل، واضحةً كردع الخلوق لدلوك الشمس فائحةً كفتيت المسك إلى غسق الليل.
وبعد، فإن أولى الأمور الدينية بتقديم الاهتمام، وتقرير الاعتزاء إلى الاعتزام، وتشمير ساعد الرأي وزهراته على الأكمام- أمرٌ تكون إقامة الصلوات أحد أركانه، وتدبير المصالح مشيراً إلى علو شانه، وأرزاق العلماء والصلحاء تستدر من هطاله وهتانه.
وكان الجامع الأموي بدمشق المحروسة لهذه الأركان بمنزلة الأس الراسخ تمكينه، والفرع الشامخ في وجه السحاب عرنينه، وبنية زمان بني أمية الذين عفا شرف مفاخرهم وما عفا شرفه وفخره، ووكر الإسلام الذي مضى لبد أمثاله وما بقي إلا نسر السماء ونسره؛ ذو المرأى الشارح والفضل المشروح، والحسن الذي إن تغالى في وصف الجوامع قومٌ قيل: باب الزيادة مفتوح؛ تفخر به دمشق وحق لها على كل مصرٍ أن تفخر، وتبعث نظرات حسنه الفخر من حملة فصوص الترخيم إلى الأسود والأحمر؛ يحمد المجاور به مغناه وغناه، ويسع أرباب العلم والمقاصد ناديه ونداه، ويطالع المسك سطور مياهه المتجعدة فأول ما يقرأ من تنبيه عزمه باب المياه؛ وقد عهد أن يتولى نظره كل سني المفاخر، سري المآثر، كريم الفرع والأصل، ماضي العزم كالنصل، حائزٍ من أقلامه أمد العلياء وقصب الخصل.
ولذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال وجه الفضل بدولته الشريفة واضحاً، وميزان العدل والإحسان راجحاً، ولا زال في كنف من من به على الدين والدنيا وآتاهما صالحاً- أن يفوض إلى فلان نظر الجامع الأموي المذكور: لما عرف من أنه الرئيس الذي ما ساد سدى، والكامل الذي إذا آنس سارٍ نار فكرته وجد على النار هدى، وأنه باشر نظر هذا الجامع قديماً فجمله، ورصد سناه فكمله، واستشهد في محضر ديوانه على النزاهة أقلامه المعدلة، وتدبيره المعد له، وكثر أوقافه وكانت قد اضمحلت، وشيد عمائره وكانت قد استقلت، وملأ حواصله وكانت أقلام المكتسبة تنشد: أسائلها أي المواطن حلت، ولما ألف هذا الجامع المعمور من عواطفه، وعرف من عوارفه، وشهد من جلوسه لمصالح وقفه أحسن الله مكافأة جالسه وواقفه، فأثبت في صدر المحافل أن الله تعالى قد رزقه من الفضل جسيماً، وكتب له من شرف الاكتساب والانتساب حديثاً وقديماً، وألقى إلى يده قلم كفاءةٍ وأمانةٍ كان كرمها للآملين حصيناً وكان قلمها للخائنين خصيماً؛ كم وفر به المصالح فوفى، وكم جمع بهمته المحاولة مالاً فجهز به من جند الدعاء صفاً، كم سر بمناقبه سراة سلفٍ ما منهم إلا جوادٌ لا يرضى في سبق المكارم بحاتمه، وكاتبٌ يكبر عن قول الواصف: إن ياقوتاً في فص خاتمه، ورئيسٌ هو أجل ما أهدت شيراز إلى دمشق من عالي طراز الفضل وعالمه.
فليباشر ما فوض إليه بعزمٍ لا تفل مضاربه، ورأيٍ لا تأفل كواكبه، ومعدن وفاءٍ بالمنصب لا تبرح لجناة الخيانة مهالكه ولجناة الجنان مطالبه، ناظراً في حسن وظيفتها باجتهاد لا يمل من النظر، مثمراً لأوقافها بغصن قلمه الذي لا ينكر لأصله الصائب أطايب الثمر، ملاحظاً لمباني هذا الجامع بسعادته: وإن السعادة لتلحظ الحجر، صارفاً لذوي الاستحقاق مستحقهم كما عهدوا من إمام براعته المنتظر، مجتهداً على أن يرضي الوظيفة والقوم، معيناً عدوى أنامله الخمس على عددها من فريضة الليلة واليوم، عالماً أن الله تعالى قد أحيا هذا الديوان فإنه كما علم أصلٌ في بابه، آمراً بما يقترح لنظام هذا الديوان وكتابه، منتقداً حال من إذا عمر دواةً في وقفٍ كانت سبباً لعمرانه أو سبباً- والعياذ بالله تعالى- لخرابه، مطالباً من ظن أن حسابه يهمل في دهر هذه المباشرة فكان حساب الدهر غير حسابه، متخيراً من الكفاءة كل مأثور الفضيلة، ومن الأمناء كل مأمون الرذيلة، ومن القوام كل من لا يقعد عن الواجب، ومن الوقادين كل من لا يعاب بطول الفتيلة، جاعلاً تقوى الله تعالى، في كل ما يأتي ويذر سائقه إلى الفوز ودليله؛ والله تعالى يمده بالسداد، ويصل مفاخره بالسند ويحرس شرف بيته من السناد، ويجعل كل منصبٍ كريم باسمه وقلمه كما قال الأول: رفيع العماد طويل النجاد.
وهذه نسخة توقيع بنظر مدرسة الشيخ أبي عمر، من إنشاء ابن نابتة، كتب به للقاضي تقي الدين بالجناب العالي؛ وهي: الحمد لله الذي عمر عهد التقى بتقيه، وأقر نظره بمشاهدة أبيض العرض نقيه، وأخصب منازل الأولياء بمن ينوب تثميره وتدبيره عن الغيث مناب وليه، ومن إذا شهد مقام الزهاد بمعروفه شهد سداد العزم بسريه.
نحمده على جلي اللطف وخفيه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة وافي الحق وفيه، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده أكرم بعبده ونبيه، ورسوله وصفيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً يمزج أرجها كافور صباح النهار بمسك عشيه.
وبعد، فخير النظر ما كان به الثواب مأمولاً، والعمل مقبولاً، والآخرة للناهض فيه خيراً من الأولى، وتخير الأكفاء لمناصبه الدينية سبباً لخير الدارين موصولاً.
ولما كانت المدرسة الصالحية بجبل الصالحية المعروفة بالشيخ العارف أبي عمر: رضي الله عنه وأرضاه، وسقى سبل الغيث آثاره الطاهرة وثراه، مما يتعين في مصالحها حسن النظر، ويتبين في القيام بأمرها فضل الآراء والفكر؛ إذ هي زاوية الخير النافعة، ومدرسة الذكر الجامعة، وعش القرآن المترنمة أطياره بخفقان القلوب الخاشعة، وصفة الفقراء الذين لا يسألون الناس إلحافاً، والأصفياء من الطمع الذين لا يتقاضون الدهر إنصافاً وإن صافى، ومرتكض سوابق الأعمال والأقوال، ومقر القراء والقراءة على ممر الليالي الطوال، ومعدن التلاوة المأثور غناؤها في ذلك الجبل وما كل المعادن ولا كل الجبال، والبنية لله وتحتاج من ينظر بنور الله في وقفها، ويحفظ مسالك جمعها وصرفها، وينمي حال درهمها بتدبيره الوافي: فربما أبقتها الأحوال منه على نصفها.
وكان فلانٌ ممن لحظ أمورها على بعدٍ فشغف الملحوظ باللاحظ، وحفظها على نأيٍ فكأنما روت بالإجازة عن الحافظ، وأدار عليها من رشفات قلمه نغبة الساقي، وأنهلها شربةً مضى بها ما مضى من تعدد المال: وفي الجرائد باقٍ يطلب الباقي؛ وسأل أهلها بعد ذلك ملازمته للنظر فلزموا، ورفعوا قصصهم في طلبه لهذه الوظيفة فجزموا؛ وكيف لا؟ وهو نعم الناظر والإنسان، وفي مصالح القول والعمل ذو اليدين واللسان، وذو العزائم التي تقيدت في حبه الرتب: ومن وجد الإحسان، والمتقدم فعله ورأيه في العاجل والآجل، والمأمون الذي يعزى إلى عقيلة نسبة الرشيد ولا عجب أن يعزى المأمون إلى مراجل؛ كم جرت ألسنة الأوقاف بأوصافه، وكم روى الجامع الصحيح خبراً عن مسلم عفافه، وكم جدد لبنائه زخرفاً بعد ما كاد نادب الرسوم يقف على أحقافه؛ كم وفر على الأيتام ميراث وفرها، وكم قال اختبار الملوك الباقية: لأشكرنك ما حييت فقال ماضي الملوك ذوي الأوقاف: ولتشكرنك أعظمي في قبرها- فاقتضى الرأي أن يجاب في طلبه المهم سؤال القوم، وأن يتصل أمس الإقبال باليوم، وأن تبلغ هذه الوظيفة أملها فيه بعد ما مضت عليها من الدهر ملاوة، وهذه المدرسة التي لولا تداركه لكانت كما قال الخزاعي: مدارس آيات خلت من تلاوة.
ولذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يراعي مصالح المؤمنين- أن يفوض إليه النظر على هذه المدرسة المعمورة، وأوقافها المبرورة، إجابةً لسؤال من فيها من جماعة الفقراء ورغبتهم فيه، وارتقابهم لعزمه الذي إذا نظر حالها الأول تلا فيه تلافيه؛ على أن يتبع في أمرها شرط الواقف برأيٍ غير قاعد، وإن كان لا يزيد فيها على أربعمائة نفرٍ إلا أن يزيد ريع الوقف وهو- إن شاء الله- ببركته وهمته زائد.
فليباشر ما فوض إليه مباشرة من إذا بدأ أعاد، وإذا دعي لمثل هذا الحال الضعيف طب وعاد، ومثمراً لمالها- على عادة غصن قلمه الأخضر- أثماراً، مستخلصاً للبواقي من أربابها التي تنهب العين وتدعي لفتراتها انكساراً، قائلاً في حال هذه المدرسة بالعطف، مساوياً في المواساة بين فقرائها عند الميزان والصرف، نازلاً بنور بشره ووده بينهم منازل القلب والطرف، مجهزاً لجيش عسرتهم فإنهم جمع للتلاوة والصلوات، متطلعاً لخبرهم فإنهم أجناد صفوف الأسحار وسلاحهم الدعوات، وتقوى الله تعالى متشقٌّ منها اسمه فلتكن شقيقة نفسه في الخلوات؛ والله تعالى يحفظ عليه حظاً نفيساً، وقدراً للنجوم جليساً، ويحيي به ميت الوظائف حتى يقال: أسليمان أنت أم عيسى؟.
وهذه نسخة توقيع بخطابة الجامع الأموي، من إنشاء ابن نباتة، كتب به باستمرار القاضي تاج الدين بالجناب العالي؛ وهي: الحمد لله الذي رفع للمنابر رأساً باستقرار تاجها، وجمع لصدور المحاريب شملاً بعوائد ابتهاجها، وزين مواقع النعم بالتكرار كما تزان لآليء النظام بازدواجها، وبين مطالع الفرج بعد الغم: وما الدهر إلا ليل غمةٍ ثم صبح انفراجها.
نحمده على معاد الآمال ومعاجها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تمشي البصائر إلى الحق بسراجها، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله القائم على المنابر لمداواة الفهوم وعلاجها، ومداراة الخصوم وحجاجها، القائل له تأديب ربه: {واصبر وما صبرك إلا بالله} آيةٌ يسري الفطن على منهاجها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بحور النعم والنقم عذبها وأجاجها، وبدور مساجد التقوى ومشاهد الوغى عند عجاج ليلها وليل عجاجها، صلاةً كصلاتهم آمنةً من خداجها، ما مدت نفحات الروض إلى مخالطة سيرهم يد احتجاجها، ومازجت معاليهم النجوم فحسن بكأس الثريا شرف امتزاجها.
وبعد، فإن أولى الناس باستقرار مناصب الدين العريقة، واستمرار علو الدرجات: إما من المراتب مجازاً وإما من المنابر حقيقة، واستمطار الوظائف بعيادة فضله ولاسيما أعواد الخطابة، واستبصارها بلفظه ولاسيما إذا سلمت الراية العباسية من نطقه لعرابة- من درج من عش فروعها خافقاً عليه جناحا علميه، وصعد إلى عرشها مقبلةً بنظرات الجفون المتسأمية آثار قدميه، وأعرق نسبه في موطن مكانها المكين، وبلغ مقامه مقام سلفه أربعين سنةً في الطلوع بأفقها المبين، وقال استحقاق ميراثه: وماذا تدري الخطباء مني وقد جاوزت بماقم السلف حد الأربعين، ومن إذا سمعت خطابته قال الحفل: لا فض فوه، ولا عدم البيت ولا بنوه، ومن إذا طلع درج المنبر قال المستجلون لسناه: أهل البدر؟ قيل لهم: أخوه، ومن إذا قام فريداً عد بألفٍ من فرائد الرجال تنظم، وإذا أقبل في سواد طيلسانه واحداً قيل: جاء السواد الأعظم.
ولما كان فلانٌ هو معنى هذه الإشارة، وفحوى هذه العبارة، وصدر هذا التصدير: ومن سواه أحق بصفات الصدارة؟، ومن إذا ضرب المثل بالخطابة النباتية في حلب قال لخطابته بدمشق: إياك أعني فاسمعي يا جارة؛ ومن نشأ في محل فخار طيب المعاقد، ومن وضع رجله على المنابر ومد عزمه إلى الفراقد، ومن شمر في أوائل عمره إلى العلياء وحيداً وخلف دونها من أنداده ألف راقد، ومن إذا صعد للخطابة أنشد الحفدة:
ولما رأيت الناس دون محله ** تيقنت أن الدهر للناس ناقد

وكان الجامع الأموي المعمور بذكر الله تعالى بدمشق المحروسة هو الذي كل بنانٍ إلى حسنه يشير؛ وكل ذي مذهبٍ إذا عاين تصنيف وضعه قال هذا لفقه المحاسن هو الجامع الكبير، تعين أنه المسلم ليده المعلم بطرازي نسبه ورشده، المقدم ليد نصرته سيف خطابة لا يخرج بيد الاستحقاق عن حده، تكاد المنابر تعود للنشأة الأولى طرباً لسجع بيانه، يسهب ويقول الناس ليته لا اختصر، ويودون لو لبس كل يومٍ سواد أهبته وزيد فيه منهم سواد القلب والبصر، وعارضه من العظماء الكفاة من نوى بدلاً فأبى حنو الدولة إلا عطفاً، ونازله واردٌ من القضاء ولكن أنزل الله عليه مع القضاء لطفاً.
ولذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقر على عادته في خطابة الجامع المذكور، وما يتعلق بذلك: من تدريسٍ وتصدير، وتقرير وتقدير، وتأثيلٍ وتأثير، ومحكومٍ بالتفويض إليه ومحكم، ومرسومٍ لا يغير عليه ما رسم به وما يرسم، وأن يمنع دليل الاعتراض ويدفع، ويكف حتى تتصل العناية بهذا البيت الذي هو من بيوتٍ أذن الله أن ترفع، وحتى يعلم أن قوماً أحسنوا صحبة الدول فسعدوا، ونبهوا عهود الخدمة لأعقابهم وهجدوا، وحتى يقول هذا النجل الظافر بعد آبائه وأخيه: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا.
فليعد حديث منصبه القديم، وليقم إلى تشنيف الأسماع من نثير لفظه بأبهى من العقد النظيم، وليفك أسرى القلوب برواتب إشارته: فإنه الفاضل عبد الرحيم؛ وليبك العيون بوعظه وإن أقرها بمشاهدته؛ وليحرص على فخر الدولة الشريفة به كما فخر سيف الدولة بابن نباتته.
ووصايا هذه الرتبة متشعبةٌ وهو على كل حالٍ أدرب وأدرى بها، وما استقرت على قبض سيوفها يده إلا ورجعت الحقوق إلى نصابها؛ وكذلك ما هو معدوقٌ بوظائفه: من مدارس علوم، ومجالس نظرٍ طالما نظر في كتبها وهو الصحيح نظرةً في النجوم- لا يحتاج فيها إلى مطالعة الوصايا فإنه من كل أبوابها دخل، ولا يمر بها على أذنه فم المبلغ فإنها من فمه أحلى ومن تسويغ فمه أحل؛ ولكن التذكار بتقوى الله تعالى فيما يأتي ويذر أسٌّ جليل، ووجهٌ تتفاضل وجوه الألفاظ من ذكره على لفظٍ جميل، وألفاظ الخطيب المتقي إذا وصلت من القلب إلى القلب وفت بري الغليل؛ والله تعالى يمده بألطافه، ويجريه على عوائد إسعاده وإسعافه، ويروي بصواب كلمه الأسماع وبصوب الغمام عهود أسلافه.
وهذه نسخة توقيعٍ بتدريس المدرسة المسرورية بدمشق، من إنشاء الشيخ صلاح الدين الصفدي، كتب به للشيخ تقي الدين السبكي بالمقر الكريم؛ وهي: الحمد لله الذي جعل تقي الدين علياً، وأوجده فرداً في هذا الملإ فكان بكل علمٍ ملياً، وأظهر فضله الجليل فكان كالصباح جلياً.
نحمده على نعمه التي تكاثرت فأخجلت الغمائم، وتوفرت الألسنة على حمده فتعلمت أسجاعها الحمائم، وتأثرت بموافقها الأحوال فأخملت زهر الخمائل في الكمائم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا شبهة تعكر ما صفا من لجتها، ولا ريبة توعر ما تسهل من محجتها، ولا ظلمة باطلٍ تكدر ما أنار من حجتها. ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي جمعت فيه مكارم الأخلاق، وتفرد بمزايا منها أنه حبيب الخلاق، وشارك الأنبياء في معجزاتهم وزاد عليهم بما أتيح له من خمسٍ لم يعطهن غيره منهم على الإطلاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذي تفقهوا في الدين، وحازوا الأجور لما جروا إلى جز الغلاصم من الملحدين، وأنزلوا لما نازلوا أبطال الباطل والمعتلين من المعتدين، صلاةً يفوح نسيم رياها المتأرج، ويلوح وسيم محياها المتضرج، ما فرج العلماء مضايق الجدال في الدروس، وقبلت ثغور الأقلام وجنات الطروس، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وبعد، فإن المدارس، عمرها الله تعالى بالعلماء- لواقفيها شروط، ولأهلها هممٌ أنزلها بالنجوم منوط؛ يغوصون بحور البحوث في طلب اللآلي، ويقطعون ظلل الظلام بالسهر في حب المعالي؛ سيما المدرسة المسرورية: فإن واقفها- أثابه الله تعالى- شرط في المدرس بها شروطاً قل من يقلها، أو يتحلى بعقودها أو يحلها؛ وكان مفرقها قد تحلى بتاجٍ تجوهر، ومغلقها قد ضم منه فاضلاً تمهدت به قواعد المذهب لما تمهر، فأعرض عنها، ونفض يده منها، رغبةً في الإقبال على شانه، وانقطاعاً إلى مالك الأمر وديانه، فخلا ربعها من أنسه، وكادت تكون طللاً بعد درسه.
وكان فلانٌ- اسبغ الله ظله- قد وافق بعض ما فيه شرط الواقف، وشهد بنشر علومه البادي والعاكف، وطاف بكعبة فوائده كل طائفٍ، ينصرف عنه باللطائف؛ أما التفسير فإنه فيه آية، وأما الحديث فإنه الرحلة في الرواية والدراية، وأما الأصول فإنه زأر بالرازي حتى اختفى، وأما الفقه فلو شاء أملى في كل مسألة منه مصنفاً، وأما الخلاف فقد وقع الاتفاق على أنه شيخ المذاهب، وأما العربية فالفارسي يعترف له فيها بالغرائب؛ إلى غير ذلك من العلوم التي هو لها حامل الراية، وله بالتدقيق فيها أتم عناية، وإذا كان أهل كل علمٍ في المبادي كان هو في الغاية.
فلذلك رسم بالأمر العالي- أعلاه الله تعالى- أن يفوض إليه كذا وكذا: وضعاً للشيء في محله، ومنعاً لتاريخ ولاية غيره أن يفجأ في غير مستهله؛ فالآلن أمسى الواقف مسروراً على الحقيقة، والآن جرى الخلاف فيها على أحسن طريقة؛ وهو- أسبغ الله تعالى ظله- أجل خطراً من أن يذكر بشيءٍ من الوصايا، وأعظم قدراً من أن تدل ألمعيته على نكتها الخفايا، لأنه بركة الإسلام، وعلامة الأعلام، وأوحد المجتهدين والسلام؛ والله تعالى يمتع المسلمين ببقائه، ويعلي درجات ارتقائه؛ والخط الكريم أعلاه الله تعالى أعلاه، حجةٌ في ثبوت العمل بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الناصرية الجوانية، من إنشاء الصلاح الصفدي أيضاً، كتب به للقاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب كاتب السر يومئذ بالشام، حين عاد إلى تدريسها بعد انفصاله عنها، بالمقر الكريم؛ وهي:
الحمد لله الذي بدأ النعم وأعادها، وأفاء المنن وأفادها، وزان المناصب النسية بمن يليها وزادها، وشاد عماد المعالي بأربابها وصانها عما دهى.
نحمده على نعمه التي بدأت بالمعروف وتممت، وخصصت بالإحسان وعممت، وبرأت من النقائص وسلمت، وفلت بالألطاف الخفية صوارم الحوادث وثلمت، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تضيء بها الحنادس، وتزكو بأنوائها منابت الإيمان والمغارس، وتسمو باقتنائها إلى عليين النفوس النفائس، ويرغم المؤمنون بإعلائها من الكفار المعاطس، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي تمم للناس مكارم الأخلاق، وأخجل بجود كفه الفياض صوب الغيث الدفاق، وفضح البدر اللياح في الدجى بنور جبينه البراق، وتقدم النبيين والمرسلين في حلبة الشرف على جواد فضله السباق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أعلى من نصبوا للهدى أعلاماً، وأرقى من أصبح العلم لفضلهم الباهر رقاماً، وأحلى من كان الزمان بوجودهم وجودهم للعفاة أحلاماً، وأقوى من كان الإيمان بهم إذا استنجد على الكفر أقواماً، صلاةً لا ينفد لها أمد، ولا يفنى لها مدد، ما شب بارقٌ وخمد، وشفى الغمام طرف زهرٍ من الرمد، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وبعد، فإن مدارس العلم الشريف لها الذكر الخالد، والشرف الطارف والتالد، بها تتبين فوارس الجلاد في مضايق الجدال، وتتجلى بدور الكلام في مطالع الكمال، وتبدو شموس الجمال فيما لها من فسيح المجال؛ والمدرسة الناصرية- أثاب الله تعالى واقفها- هي الواسطة في عقودها، والدرة الثمينة بلا كفءٍ لها بين قيم نقودها، قد تدبج فيها البناء، وتأرج عليها الثناء، وتخرج عنها الحسن فإن له بها مزيد اعتناء.
وكان المقر الفلاني قد نفض يده من عنانها، ورفض عن اختيار بهاء جنانها، وثنى طلبته عن محاورتها، ورمى أمنيته من مجاورتها، فساء من بها من أهل العلم فراقه، وأوحشهم وجهه الذي أخجل البدور رونقه والبحر اندفاقه، وفقدوا مكارمه التي ما سمع السمعاني بمثلها ولا وصلت إلى الصولي ولا ضمتها أوراقه.
فلذلك رسم بالأمر العالي أن يعاد إلى تدريسها: لأن العود أمدح وأحمد، والرجوع إلى الحق أسعف وأسعد.
فليباشر ما فوض إليه مباشرةً ألفت من كمال أدواته، وعرفت من جمال ذاته، ناشراً أعلام علومه المتنوعة، وفضائله التي تقصر عن الثناء عليها أنفاس الرياض المتضوعة؛ فلو عاصره ابن عطية أمسك عنه في تفسيره، أو صاحب الكشاف لغطى رأسه من تقصيره، أو الرافعي لأصبحت راية رأيه في الفقه خافضةً رافعة، أو النووي رحمه الله لاستعار منه زهرات روضته اليانعة، أو الآمدي لما امتدت له معه في أصوله خطوة، أو ابن الحاجب لما كان له مع ابن الحاجب حظوة، أو ابن يعيش لمات ذكره في النحو فكان فقيداً، أو ابن مالكٍ لأمسى تسهيله تعقيداً، أو الشبلي لعلم أنه ما شب له في التصرف مثل شبله، أو ابن عربي لأعرب عن عجمةٍ وما تمسك صوفيٌّ بحبله؛ إلى غير ذلك من إنشاء إنشاءٍ ساد في العبدين: عبد الحميد وعبد الرحيم، ونظمٍ كلما نظمأ إلى رشفه طافت علينا قوافيه بكأسٍ مزاجها من تسنيم؛ وعلى الجملة فتفصيل معارفه يضيق عن فضها فضاء هذا التوقيع الكريم، وسرد محاسنه لا تتسع له حواشي هذا البرد الرقيم؛ ولكن أشارت أنملة القلم منها إلى نبذة، وعلمنا أن القلوب تشتاق إلى أوصافه ففلذنا لها من ذلك فلذة.
وأما الوصايا فمثله لا يذكر بشيءٍ منها، ولا يقال له: دع هذه الودعة وهذه الدرة صنها؛ لأن الأمر والنهي له في ذلك، وإذا أطلع بدور وصيةٍ ضوأ أحوال الدياجي الحوالك؛ ولكن تقوى الله عز وجل ذكرها في كل توقيعٍ طرازه المعلم، ونكتته التي طودها لا يثل وحدها لا يثلم، فليكن مستصحب حالها الحالي، مستصعب فراقها الذي يهونه البال البالي؛ والله تعالى لا يخلي ربوع العلم من أنسه، ويجعل سعده في غدٍ زائداً كما زاد في يومه على أمسه؛ والخط الكريم أعلاه، حجةٌ في ثبوت العمل بمقتضاه.
وهذه نسخة توقيعٍ بتدريس المدرسة النورية، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به لقاضي القضاة نجم الدين الحنفي بنزول والده عنها بالجناب الكريم؛ وهي:
الحمد لله الذي أنمى أهلة العلم فأبدرت، وفروعه فأثمرت، ونجومه فاستقلت مطالعها النورية وتنورت، ولآلئه في بحار اللفظ والفضل فتجوهرت، وأنهاره التي أخذت في المد ماخذ تلك البحار فاسترحبت واستبحرت.
نحمده على نعمه التي قرت وقرت، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً إذا خصلها اليقين وفرت، وإذا نصلها الإخلاص مضت في أوداج الباطل وفرت، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الحاكم في فصل الأقضية لما شجرت، والناظم درر الإيمان حتى زهت في أعناق العقائد وزهرت، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه فئة الحق التي ظهرت وطهرت، وعصابة الإسلام التي سرت خلفها سرايا الدين فهاجرت في الله ونصرت، صلاةً طيبةً تحلو إذا تكررت، وتحيةً باقيةً تشرق شمسها إذا الشمس كورت، وتعبق نفحات نشرها إذا الصحف نشرت.
أما بعد، فإن منازل العلم من خير ما أبقى الآباء للأعقاب، وأكمل ما ذخر لنجباء الأبناء على مدى الأحقاب، وأعدل ما شهد بلسان حاله المتمثل أن وكر العقاب لابن العقاب؛ وكانت المدرسة النورية الكبرى بدمشق المحروسة هي الواسطة والمدارس درر، والصبح وأوطان العلم غرر، ومنزلة الحكم الأمنع، وبيت القضاء الذي أذن الله لقدره أن يرفع، ومكان ذي اليد الماضي سيف حكمه إذا قرعت العصا لذي الإصبع، وذات العماد التي ادخرها لنجله، وأعد فضلها في العباد والبلاد لفضله؛ وكان ذلك قد نزل لولده فلانٍ عن الحكم على هذا الحكم، ونطق بمزية الاستحقاق وقلوب بعض الأعداء صم بكم، على هذا الحكم، ونطق بمزية الاستحقاق وقلوب بعض الأعداء صم بكم، ورغب- أجله الله- فيما يرغب فيه من الانقطاع ذو السن العالي، والقدر الغالي، وانتظم تقليده الشريف فكان أجود حليةٍ على أحسن جيدٍ حالي، ثم التوقيع بتدريس هذه المدرسة التي زكي في أهل الفضل شهيدها، ونظرها الذي خلف في حكمه ولي عهده عن أبيه: فلله أمين هذه الخلافة ورشيدها.
ولذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إلى فلانٍ تدريس المدرسة النورية ونظرها: لاستحقاقه لها بشفعة منصب الحكم العزيز، ومنشإ الفضل الحريز، ووجيز النزول المكتتب، وقبول هبة والده الذي يعتاد أن يهب الجليل لمن يهب، وتشريفه بإنعامها النفيس، وإجلاسه بها على مرتبة حكمٍ وبساط نظرٍ وسجادة تدريس، وعلماً بأن نجم ذلك النير أولى بهذه المنازل، وشبل ذلك الأسد أحق بهذا الغاب الماثل، وأنه كوكب هذا المذهب المنير، وإمام جامعيه المعروفين: كبيرٍ وصغير، وصاحب شبيبة العزم المقتبل، والرأي الموفي على قياس الأمل، وتجنيس الجود والإجادة، وتكميل بحري العلم والبر واجتهاد الزيادة؛ وأنه ممن آتاه الله رفعةً في القدر والاسم، وزاده بسطةً في العلم والجسم، وأحكم بديهة علمه فما تستوقف الأسماع رويته، وأعلاه وعظمه فما هو النجم الذي تستغصر الأبصار رؤيته.
فليباشر تدريس هذه المدرسة ونظرها بعزمه الباهر وصفا، التالي بلسان الحمد: {وإبراهيم الذي وفى} جارياً على أعراق نسبه المشهور، فائض اللفظ والفضل فإنه بحرٌ من البحور، مظهراً من مباحثه التي تقلد العقول بأبهى مما تقلد النحور، مهتدياً من رأيه ومن بركة الواقف- رضي الله عنه- بنورٍ على نور؛ والله تعالى يزين بنجمه أفق السيادة، ويزيد فيما وهبه من الفضل إن كان التمام يقبل زيادة.
توقيع بتدريس المدرسة الريحانية الحنفية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي عماد الدين الحنفي بالجناب الكريم؛ وهو: الحمد لله الذي جمل مدارس العلم بذات عمادها، وصاحب نفلها واجتهادها، ومنشر عهدها ومنشيء عهادها، وواصل مناسبها التي لو ادعاها دونه زيدٌ لكانت دعوى زيادها، ومفصح فتاويها على منبر قلمٍ اهتز عوده ونفح وأطرب: فناهيك بثلاثة أعوادها!.
نحمده على نعمه التي قضى الحمد بازديادها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعدها النفس لمعادها، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله هادي الأمة إلى سبيل رشادها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بحار العلم وأطوادها، ما قامت الطروس والسطور لعيون الألفاظ مقام بياضها وسوادها.
أما بعد، فإن لمذاهب العلم رجالاً يوضحون طرقها، ويمدون في المباحث طلقها، ويعمرون مدارسها: فيا لها من ذات دروسٍ يكون العمران معتلقها ومعتنقها!.
ولما كنت المدرسة الريحانية بدمشق في أيدي العلماء نخبةً ريحانيةً، وشقيقة نفسٍ نعمانية، مأهولة المنازه والمنازل بكل فضل جلي، وعلم ملي، ووصفٍ كريم، ونفس نفيس يتلقاه منها روحٌ وريحانٌ وجة نعيم؛ وخلت الآن من إمامٍ كرمت خلاله، وعظمت خصاله، ومضى وتمضى وما يبقى إلا الله جل عن الحوادث جلاله- فتعين أن نختار لتدريس مكانها من يفتخر به المكان والزمان، ويتشيد بزيادة علمه لصاحب مذهبها أضعاف ما شاده زياد للنعمان، من شيد الشريعة الشريفة مقاله ومقامه، وعلا عماده إلى عقود الشهب فلله مراده ومرامه، من لو عاصره ابن الحسين لحسن أن يعترف بقدره الجليل، وقال عند محاضرة بحثه كما قال أبو يوسف: {فصبرٌ جميل}، واستزاد شمس الشريعة فكيف السراج من لمعه البريقة، وقال ابن الساعاتي: ما رأيت أرفع من هذا القدر درجةً ولا أبدع من هذا الذهن دقيقه.
ولذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال عالياً بأمره كل عماد، زاهياً بمحامد ملكه كل ناطقٍ وجماد، أن يفوض لفلان........................................... لأنه المعني بما تقدم من الأوصاف الحلوة إذا تكررت، والمقصود بألفاظها إذا تعنونت الأفهام وتيسرت، والمعوذة فرائد مباحثه المفرقة بـ (إذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت)، وإمام المذهب الحنفي والحكم الأحنفي، وحصاة القلب التي تنسف بإشارتها جبال النسفي، ولسان النظر الذي أشرف على بعده فاختفى في قربه المشرفي، وصاحب الفنون وما وسقت، وأفنان الحكم والحكم وما بسقت، ونعوت الفضل والفضائل وما عطفت من البيان ونسقت.
فليتول تدريس هذه المدرسة المعمورة مؤيد الولاية، مجدد البداية لحنيفيتها والنهاية، ساجداً قلم الفتاوى والفتوة كلما تلا كرمه وكلمه آيةً بعد آية، منفقاً من ألفاظه حتى يستغني عن الكنز وصاحبه، ويرد فرع المقال على الأصل وطالبه، ويعرض عن أعاريض البسيط، ويغرق في أفكاره وارده المحيط، ويمد سماط العلم الذي وفى بعد القدوري وما خان، وتفخر بقاضيها أعظم مدينةٍ فما يضره فقد قاضي خان، وتتذكر المقدمية في طلبته فوائد الحلقة، وينتقل الجناب الكريم من تقدمتها إلى ما هو أوفى في الغرض وأوفر في النفقة؛ والله تعالى يزيد رتب العلم به سروراً، ويجعل له باستطلاعها كتاب حكمٍ وحكمٍ يلقاه منشوراً.
وهذه نسخة توقيع بتصديرٍ بالجامع الأموي، كتب به لقاضي القضاة علم الدين ابن القفصي قاضي قضاة دمشق بالمقر الشريف وهي من تلفيق كتاب الزمان. على أنها بالمدرس أليق منها بالمصدر؛ وهي: الحمد لله الذي أعلى علم أئمة الدين إلى أعلى الغرف، وميزهم بالعلم الشريف الذي يسمو شرفه على كل شرف، وأوضح بهم منهج الحق القويم فعلا بإرشادهم سبيل الهدى وانكشف.
نحمده على ما أفاض من نعمه المتواترة كل حين، ونشكره على إحياء معاهد المعابد بمن حذا حذو الأولياء المتقين، حمدا يظهر الآيات المحمدية والبراهين، ويبسط ظل من هو عن الحق لا يمين. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، الذي علم الإنسان ما لم يعلم وهو العالم بما تخفي الصدور ويعلم عباده المؤمنين، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أوتي علم الأولين والآخرين، وكان من دعائه لشيبة: «اللهم فقهه في الدين»! صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذي عملوا بما علموا فكانوا أئمة المسلمين، والعمدة على أقوالهم التي نقلوها عن خاتم النبيين، على توالي الأيام والجمع والأشهر والسنين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فلما كانت أعلام العلماء في الآفاق منشورة، وربوع الفوائد بطريقتهم المثلى معمورة، وصدور المعابد الشريفة محتاجة إلى صلتها بكفئها الفرد مسرورة، وكان فلانٌ- أسبغ الله تعالى ظلاله، وضاعف جلاله- هو الذي ملأت مباشرته العيون والأسماع، وانعقدت على تفرده في عصره كلمة الإجماع، واشتهر ذكره الجميل بأنواع المكرمات وأطاعه من مشكل المذهب ما هو على غيره شديد الامتناع، وأضحت فضائله المدونة ولفظه الجلاب، وكنفه الموطأ للطلبة يغنيهم عن معاهد عبد الوهاب؛ وعزيمته لا يلحق غبارها في المعارك، ولا يظن خدام العلوم الشرعية والأدبية إلا أم مالك وابن مالك.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يجمع لمن برع في العلوم من ألوان المناصب المختلفة، ويرفع قدر القوم الذين قلوبهم على التقوى مؤتلفة- أن يستقر المشار إليه في وظيفة التصدير بالجامع الأموي بدمشق المحروسة- عمره الله تعالى بذكره- عوضاً عن فلانٍ بحكم نزوله عن برضاه، حملاً على ما بيده من النزول الشرعي، بالمعلوم الذي يشهد به ديوان الوقف المبرور، على أجمل عادة، وصرفه إليه مهنأً ميسراً أسوة أمثاله.
فليباشر هذه الوظيفة على عادة مباشراته التي حفت بالعلوم، وافتخرت بحسن المنطوق الدال على المعنى المفهوم، ويمد موائد علمه المحتوية على أنواع الفضائل، وليبين ما يخفى على الطلبة بأوضح الدلائل، وليؤد الفوائد الواصلة إلى الأذهان على أحسن أسلوب، وليقرر الأصول التي امتدت فروعها بقواعد السنة المحمدية وفي ثمرها الجني تقوية القلوب، وليكرم منهم من يضح فضله لديه ويبين، وليبسط هممهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين»، وليوضح طريق إرشاده ليسهل سلوكها عليهم، وليجعل وفود فوائده في كل وقتٍ واصلةً إليهم، وليتبع إمام دار الهجرة في مذهبه المذهب، وليخلد من صفاته الجميلة ما يذهب الزمان ولا يذهب، وليسمح للفقهاء بمواصلة فضله الأعم، فإنه أن يهدى به واحدٌ خيرٌ من حمر النعم.
والوصايا كثيرةٌ ومنه يطلب بيانها، وبه تقوى أسبابها ويعلو بنيانها؛ ولكن الذكرى تنفع المؤمنين، ويظهر بها سر خبرهم ويستبين؛ وتقوى الله تعالى هي العروة الوثقى، والخصلة التي بها يعظم كل واحدٍ ويرقى؛ فليواظب عليها، وليصرف وجه العناية إليها؛ والله تعالى المسؤول أن يجعل علم علمه دائماً في الآفاق منشوراً، وذكره الطيب على ألسنة الخلائق كل أوانٍ مذكوراً.
المرتبة الثانية من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بحاضرة دمشق: ما يفتتح بأما بعد حمد الله:
وفيها عدة وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك.
توقيعٌ بقضاء العسكر بدمشق، كتب به للقاضي شمس الدين محمد الإخنائي الشافعي، بالجناب العالي؛ وهو: أما بعد حمد الله تعالى مضاعف النعمة، ومرادف رتب الإحسان لمن أخلص في الخدمة، ومجدد منازل السعد لمن أطلعت كواكب اهتمامه في آفاق الأمور المهمة، والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمدٍ وآله الذي بشر بنصر هذه الأمة، ووعد بأن سيكشف به غمام كل غمة، وأنه يتجاوز عن أهلها بشفاعته وكيف لا؟ وقد أرسل للعالمين رحمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً تجزل لقائلها نصيبه من الأجر وتوفر قسمه- فإن أحق الأولياء من تأكدت له أسباب السعادة، وكافأناه بالحسنى وزيادة، وبلغناه من إقبالنا غاية مآربه ومطالبه، وعرفت منه العلوم التي لا يشك فيها، والنباهة التي لا يقدر أحدٌ من أقرانه يوفيها، والخبرة الوافية الوافرة، والديانة الباطنة والظاهرة، وسار بعلومه المثل، وسلك مسلك الأولياء في العلم والعمل، واعتبرت أحواله التي توجب التقديم، واختبرت فعاله التي ضاعفت له مزيد التكريم.
وكان فلانٌ- أدام الله تعالى نعمته- هو الذي أتقن العلوم بحثاً وتهذيباً، وبرهن عن المسائل الشرعية بأفهامٍ تزيدها إلى الطالبين تقريباً، وأوضح عويص مشكلاتها، وصحح من ألسن العرب لغاتها.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زالت شمسه بالعناية مشرقة، وأنواء فضائل أوليائه مغدقة- أن يستقر فلانٌ في وظيفة قضاء العساكر المنصورة الشامية: حملاً على ما بيده من النزول الشرعي، على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته، ومعلومه الذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقتٍ؛ فهو الحاكم الذي لم يزل للعساكر المنصورة نعم الصاحب، والمورد على سمعهم من الأحكام الشرعية ما يقتدي به الحاضر والغائب، والقائم بأعباء العساكر المنصورة، والحافظ لنظام الملك الشريف على أحسن صورة.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة وليحل في قضاء العساكر المنصورة بطلعته السنية، وليفصل بيهم في الأسفار كل قضية، وليعرفهم طرق القواعد الشرعية، وليحترز في كل ما يأتيه ويذره، ويقصده ويحذره، ويورده ويصدره.
والوصايا كثيرةٌ ومنه تستفاد، وإليه يرجع أمرها ويعاد؛ ولكن لابد للقلم من المرح في ميدان التذكار، والتنبيه على منهاج التقوى التي هي أجمل شعار؛ والله تعالى يمنحه من إحساننا جزيل العطاء والإيثار، ويسمعه من أنباء كرمنا كل آونةٍ أطيب الأخبار، بمنه وكرمه!.
توقيعٌ بنظر جامع يلبغا اليحياوي، كتب به للأمير جمال الدين يوسف شاه العمري الظاهري بالجناب الكريم؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي أظهر جمال الأتقياء في كل مشهدٍ وجامع، وقدمه بما أولاه على كل ساجدٍ وراكع، وخصه من فضله بما قصرت عنه الآمال والمطامع، والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله مولي الخير الواسع، والإحسان المتتابع، ومن أحيا جود جوده النفوس وسر القلوب وأطرب ذكر عظاته المسامع، وعلى آله وصحبه النجوم الطوالع، والذين أودعهم العلم الذي آتاه لإقامة دينه من لا تخيب لديه الودائع؛ والتشريف والإكرام، والتبجيل والإعظام- فإن أولى من رعينا له حق الخدم، ووقوفه في الطاعة الشريفة على أثبت قدم، من قام بما لم يقم به غيره، وحسنت سيرته وسيره.
وكان فلانٌ أدام الله تعالى نعمته، وحرس من الغير مهجته، ممن جمل الممالك ودبرها، وضبط أموال الأوقاف وحررها، وارتفع على الرؤوس، وحصل أموال الأوقاف التي فطر تحصيلها أكباد الخونة وسر من مستحقيها النفوس- تعين أن نعرف له مقداره الذي لا يخفى، ونوفيه بعض حقه فإنه الذي بالإحسان قد أوفى.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يقبل على فضل وليه، ويضاعف له البر المستمطر من غيث جوده ووليه- أن يستقر فلانٌ في كذا، على عادة من تقدمه في ذلك ومستقر قاعدته، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت.
فليباشر هذه الأوقاف، وليسلك فيها طرق العدل والإنصاف، وليتبع شرط واقفها- رحمه الله تعالى- المجمع على صحته من غير خلاف، وليحي ما تشعث وتخرب في الجامع المشار إليه وأوقافه بعين بصيرته، وليقم بالمعروف من معرفته؛ وهو أعزه الله تعالى من باشره، وعمر داثره، وأحرى من تحرى مباره ومآثره، وميز أوقافه، وتدارك بتلافيه تلافه. وهو غنيٌّ عن شرح الوصايا فإنها من آدابه تعرف، ومن بحر أدواته تغرف؛ وملاكها تقوى الله تعالى الرؤوف، فليكن على مستحقي هذا الوقف عطوف؛ والله تعالى يجزل له أجراً، ويجعل له ما يفعله من الخير ذخراً.
توقيعٌ بنظر تربة أرغون شاه، كتب به لقجا السيفي بوطا، بالجناب العالي؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي بلغ الأولياء من مبراته الأمل والإرادة، وألقى مقاليد الأمور إلى من استحق بحسن مباشرته الزيادة، والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله صاحب لواء الحمد والنصر، ومن جاءت آيات تفضيله كفلق الصبح وجملت محاسنه كل عصر، وعلى آله وصحبه الذين نصروه فنصرهم الله، وحجبوه بأنفسهم عن البأس ولم يحجبوه عن الناس لخفض جناحه لمولاه، والتشريف والتكريم، والتبجيل والتعظيم.
ولما كان فلانٌ- أدام الله تعالى نعمته- هو المعروف بالأوصاف الجميلة، والمنعوت بالنعوت التي أتت في وصفه بكل فضيلة، فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال إحسانه عميماً، وفضله لذوي الاستحقاق أبداً مقيماً- أن يستقر فلانٌ في كذا، على عادة من تقدمه في ذلك ومستقر قاعدته، بالمعلوم الذي يشهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقتٍ.
فليباشر ذلك بهمته العلية، ونفسه الأبية؛ والوصايا كثيرةٌ وأهمها التقوى؛ فليلازم عليها فإنها تحفظه، وبالسيادة تلحظه؛ والله تعالى يكمل توفيقه، ويسهل إلى نجح المقاصد طريقه، بمحمدٍ وآله!.
توقيعٌ بتدريس الجامع الأموي عوداً إليه، من إنشاء جمال الدين بن نباتة، كتب به للقاضي فخر الدين المصري وهو:
أما بعد حمد الله معيد الحق إلى نصابه، والغيث إلى مصابه، والليث- وإن غاب- إلى مستقر غابه، وشرف المكان إلى من هو أحق وأولى به، وبحر العلوم إلى دوائر محافله في الدروس وإلى قوي أسبابه، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي هاجر فرجع بغنيمته وإيابه، وطلع من ثنيات الوداع طلوع البدر المشرق في أثناء سحابه، وعلى آله وصحبه الشائمين سبل صوبه السالكين سبيل صوابه، ما قطف من غصون أقلام العلماء ثمر البيان والتبيين متشابهاً وغير متشابه- فإن شرف الكواكب في سيرها ورجوعها، ونمو تشعلها ما بين فترة مغيبها وطلوعها؛ لاسيما العلماء الذين يهتدى بأنوارهم، ويقتدى بآثارهم، ومصابيح الحق التي تقدح ولا يقدح في أزندة أفكارهم.
وكان من قصد بهذا التلويح ذكره، وعرف من هذا المعنى المفهوم فخره، قد حمد بمجالس التصدير بالجامع الأموي ما ذكره من سلف أعيانه، وقام بوجود الدليل على وجود ماضي برهانه، وجادل لسانه وقلم يده عن الشريعة: وغيره من العي لا من يده ولا من لسانه، ثم هجر مكانه هجرةً على العذر محمولة، وهاجر إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم هجرةً مقبولة، ورام بعض الصبيان التقدم إلى رتبة الشيخ فقالت: إليك عني، فأنا من مخطوبات الأكابر فما أنا منك ولا أنت مني؛ ثم حضر إلى محله الكريم من غاب، ورجع إلى مستقره الأمثل به: وما كل حمزة أسد الله فليسكن في ذلك الغاب.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت صلات مراسمه جميلة العوائد، جليلة الفوائد، وأقلامها أغصانها ممدودٌ بها الرزق فهي على الوصفين موائد- أن يستمر على عادته في كذا وكذا، وإبطال ما كتب به لغيره: عملاً باختبار الحاضر، واختيار نظر الناظر، وعلماً بأن هذه المرتبة لمن له إتقان عقلها ونقلها، وتلاوةٌ في موضع الوقف: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
فقولا للممنوع: ما كل عز بدائم، ولا كل ذي طلبٍ بكمال الوجوب قائم، ومن أين لهذه الرتبة مثل هذا الكفء الذي اشتهر فخره، وزهت به على الأمصار شامه ومصره؟؛ وهذا الإمام، وكل مضاهٍ مأموم، وهذا المقدام، تحت علم العلم وكل مباه مهزوم، وهذا الثابت وكل ندٍّ مشرد، وهذا الكامل وكل ضدٍّ مبرد.
فليستمر على عادته الجميلة مجملاً لزمانه ومكانه، مكملاً في وشائع العلم ما يشي ابن الصباغ من ألوانه؛ مالكاً لما حرره الشافعي، جازماً بفعل ما نصبه الرافعي، سامياً عن وفاء الواصف: فسواء في ذكره إسراف بيانٍ أو إسراف عي، شاملاً للطلبة المعتادين بعطفه، مقابلاً للمستفتين بلطائفه ولطفه، باحثاً عن درر الجدال بفكره إذا بحث قلم بعض المجادلين عن حتفه بظلفه، داعياً لهذا الملك الصالحي فإن دعاء العالم الصالح سورٌ من بين يديه ومن خلفه؛ والله تعالى يجريه على خير العوائد، ويمده بإقبال النعم الزوائد، بمنه وكرمه!.
توقيعٌ بتدريس المدرسة الدماغية بدمشق، من إنشاء ابن نباتة. كتب به للقاضي جمال الدين، أبي الطيب، الحسن بن علي، الشافعي؛ وهو: أما بعد حمد الله رافع منادى العلم بمفرده، وبيت التقى بقافية سؤدده، ونظم المفاخر بمن إذا قيل: أبو الطيب أصغى الحفل لمنشده، ومشهد الفضل بإمامه: وحسبك من يكون الحسن بن علي إمام مشهده، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله سيد الخلق وسنده، وعلى آله وصحبه السائرين في العلم والحلم على جدده، ما سحب نسيم الروض برده وافتر لعس السحاب عن ثغر برده- فإن للعلم أبناءً ينشأون في ظلاله، ويسكنون في حلاله، ويفرقون للخلق بين حرام المشتبه وحلاله، ويجملون وجه الزمان: فلا عدم الزمان منهم جمال وجهه ولا وجه جماله؛ ترتشف شفاه المدارس من كلمهم كل عذب المساغ، وتشافه منهم كل ذي فضلٍ ما هو عند البلاغ ببلاغ، وتشاهد ما خصوا به من الشرف والرآسة فلا عجب أن محلهم منهما محل الدماغ! وكانت المدرسة الشافعية الدماغية بدمشق المحروسة رأساً في مدارس العلم، وهامةً في أعضاء منازل ذوي الحكم والحلم؛ لا تسموا همتها إلا بكل سامي العمامة، هامي الفضل كالغمامة، ساجع اللفظ إلا أنه أبهى وأزهى من طوق الحمامة، كائد للملحد مكرمٍ للطالب ولا كيد لابن الخطيب ولا كرامة- واسطةً بين العادلية والأشرفية تليق بمن يكون عقد كلامه المثمن، ونظامه الأمكن، وبيانه المنشد أجارة بيتينا يعني بيت النسب وبيت المسكن.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يجدد لوجوه العلم جمالاً، ولوجوب الحمد نوالاً، ولوجود الفضل كرماً ما قاله قط ولا نوى: لا- أن يفوض إلى فلان- أيد الله مجده، وحرس للمسلمين أباه وأعلى بالسعادة جده- تدريس المدرسة الدماغية المذكورة: لأنه جمال العلم المعقودة على خطبته الآمال، المعدوقة بمقدمات فضله وفصله نتائج الأقوال الصالحة والأعمال، المحبوبة إلى الله والخلق سيماه وشيمه ولا نكر: فإن الله جميلٌ يحب الجمال؛ ولأنه العالم الذي إذا قال لم يترك مقالاً لقائل، وإذا شرح على قياسه أتى بما لم تستطع الأوائل، وإذا جارى العلماء كاد إمام الحرمين يقول: أنا المصلي وأنت السابق، والغزالي: من لي أن أنسج على منوال هذا اللفظ الرائق؟؛ وابن دقيق العيد: ليت لي من هذه الدقائق بلغة؟، وابن الصباغ: هذا الذي صبغه الله من المهد عالماً! ومن أحسن من الله صبغة؟؛ ولأنه العالم الذي حيا ذكر ابن نقطة بعدما دارت عليه الدوائر، وأغنى وحده دمشق عمن أتى في النسب بعساكر، ولأنه في البيان ذو الانتقاد والانتفاء، والعربي الذي إن كان لرقاب الفضلاء ابن مالكٍ فإن قرينه أبو البقاء، والكامل حسباً، ومثل جيده المنقود لا يبهرج، والواصل نسباً، ومثل فرعه بعد أصله: ولله أوسٌ آخرون وخزرج.
فليباشر هذا التدريس بعزائم سرية، ومباحث تستنار منها معارف القول التبرية، وطرائف لا تحبس بدمشق على نقداتها المصرية، ولينصر مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فإن قومه الأنصار، وليخفض جناحه للطلبة فطالما خفضت الملائكة أجنحتها ليصير فلا عجب أن صار!؛ وليفد وافديه وهو قاعدٌ أضعاف ما أفادهم صاحب المكان وهو واقف؛ وتقوى الله عز وجل أولى ما طالعه في سره وجهره من عوارف المعارف؛ والله تعالى يمده بإسعاده ولطفه، ويحوطه بمعقباتٍ من بين يديه ومن خلفه، ويضيء بارق كلمه الصيب، ويطرب أسماع الطلبة بالطيب من معاني أبي الطيب.
توقيعٌ بتدريس المدرسة الركنية الحنفية بظاهر دمشق، كتب به للقاضي بدر الدين محمد بن أبي المنصور الحنفي بالمقر العالي؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي أطلع بدر الدين مشرقاً في منازل السعود، وحرس سماء مجده فلا يطيق من رام جنابها الاستطراق إليها ولا الصعود، وجعل ركنه الشديد في أيامنا الزاهرة المشيد وظله الممدود، والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمدٍ ذي الحوض المورود، والكرم والجود، وعلى آله وصحبه نجوم الهدى وأعيان الوجود، ما أورق عود، وحمدت عقبى الصدور والورود، صلاةً دائمةً إلى اليوم الموعود- فإن أعلام الهدى لم تزل منشورةً بمعالم العلماء، وأقطار الأرض ما برحت مشرقةً بمن تستغفر لهم الحيتان في البحر والملائكة في السماء، وطول الأرض إلى فضائلهم أشد اضطراراً وأحوج إلى القرب إليهم والانتماء؛ وكان فلانٌ- أدام الله تعالى تأييده- من بيتٍ شهدت الأيام مفاخره، وحمد الأنام أوائله وأواخره، وأضحت عيون الزمان إلى مآثره ناظرة، وغصون الفنون بفرائده ناضرة، وأوصافه الجليلة للأبصار والبصائر باهرة، وأصناف الفضائل من إملائه واردةً صادرة.
فلذلك رسم بالأمر العالي- زاده الله تعالى على العلماء إقبالاً، وضاعف إحسانه إليهم ووالى- أن يستمر المشار إليه فيما هو مستمرٌّ فيه: من تدريس المدرسة الركنية الحنفية، بظاهر دمشق المحروسة، حملاً على ما بيده من الولاية الشرعية والتوقيع الشريف: رعايةً لجانبه وتوقيراً، وإجابة لقصده الجميل وتوفيراً، واستمراراً بالأحق وتقريراً.
فليباشر ذلك مباشرةً ألفت منه، واشتهر وصفها الزكي عنه، وليوضح للطلبة سبل الهداية، وليوصلهم من مقاصدهم الجميلة إلى الغاية، وليسلك طريقه والده، فإنها الطريقة المثلى، وليتحل من جواهر فرائده، فإنها أعلى قيمةً وأغلى، وليمل على الأسماع فضائله التي لا تمل حين تملى.
وهذه نسخة توقيعٍ بتدريس المدرسة الخاتونية البرانية الحنفية بدمشق، كتب بها للشيخ صدر الدين عليبن الآدمي الحنفي بالجناب الكريم. وكأنه في الأصل لمن لقبه: بدر الدين لأن البدر هو المناسب لهذا الافتتاح، فنقله بعض جهلة الكتاب إلى صدر الدين كما تراه؛ وهذه نسخته:
أما بعد حمد الله الذي زان أهل العلم الشريف بصدرٍ أخفى نوره الشموس، وأعلاه- لما حازه من الشرف الأعلى- على الرؤوس، وجعل كل قلبٍ يأوي إلى تبيان بيانه يوم الدروس، والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمد الذي أذهب الله ببركته عن هذه الأمة كل مكر وبوس، وخصهم في الدنيا بطيب الحياة وفي الآخرة بسرور النفوس، وعلى آله وصحبه صلاةً مثمرة الغروس- فإن أولى من تنصرف إليه الهمم، من تبدو دلائل علمه كنوزٍ لا نارٍ على علم، وتسير فضائله في الآفاق سير الشموس والأقمار، وتبرز إذا يبديها صدره من حجبٍ وأستار.
وكان فلانٌ- ضاعف الله تعالى نعمته، وحرس من الغير مهجته- هو الذي أشير إلى ما حواه صدره الكريم من الفضائل، واشتهر في دروسه بإقامة الحجج وإيضاح الدلائل، وبرع في العلوم الدينية، وفاق أبنا عصره في الصناعة الأدبية، وأنفق كنزه على الطلاب، فأصبح عمدة المحدثين وأمسى مختار الأصحاب، وأبو يعلى ينزل ببابه، وابن عقيل يرتد على أعقابه، وابن الحاجب يرفعه على عينه، والرازي يدخر كسبه لوفاء دينه، وابن بطة يطير من مواقع سهامه، ومقاتلٌ مجروحٌ بحد كلامه، وابن قدامة متأخرٌ عن مجاراته، والأثرم يخرس عند سماع عباراته.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال يجمع لمن برع في العلوم من ألوان المناصب المختلفة، ويرفع قدر القوم الذين قلوبهم على التقوى مؤتلفة- أن يستمر الجناب الكريم المشار إليه بالمدرسة الخاتونية البرانية الحنفية، حملاً على ما بيده من النزول الشرعي والولاية الشرعية: لأنه الخلاصة التي صفت من الأقذار، والعدة ليوم الجدال إذا ولى غيره الأدبار، والمختار الذي جنحت المناصب السنية إلى اختياره دون من سواه، رغبةً فيما ادخره من الفضائل وحواه؛ بدايته نهاية الطلاب، وعلومه تحفة الأصحاب؛ إن حدث فابن معن بصحة نقله يحيا، أو فسر فمجاهدٌ عن مجاراته يعيا، والزمخشري يبعد عن الجوار، والبغوي يبتغي الوقوف على الآثار، وسيبويه عندما ينحو يقصد التسهيل من لفظه المغرب المعرب، وابن عصفورٍ يكاد يطير طرباً لما يبديه من المرقص المطرب، وأبو يوسف أصبح بصحبته منصوراً، ومحمد بن الحسن أضحى برفعته مسروراً؛ هو في القدر علي وفي الطريقة محمود وفي العلوم محمد، وفي النطق والحركة سعيد وفي النظر أسعد، وفي النضارة النعمان وطاووس يتحلى جزءاً من كمال خصاله، والحسن يقتدي بحسن فعاله؛ نشأ في العفة والصيانة، وكفله التوفيق وزانته الأمانة؛ فهو بحر العلوم، ومستخلص درها المكنون ومظهر سرها المكتوم؛ لو رآه الإمام لقاس علاه بالشمس المنيرة، ولو عاصر الأصحاب لغدت أعينهم به قريرة.
فليباش هاتين الوظيفتين اللتين اكتستا به بعد نور الشمس جلالاً، وليلق علومه التي يقول القائل عند سماعها: هكذا هكذا وإلا فلا لا، وليعلم الطلبة إذا أدهشتهم كثرة علومه أن فوق كل ذي علم عليم، وليتكرم عليهم بكثرة الإفادة فإن علياً هو الكريم، وليفق في مباشرة النظر كل مثيلٍ ونظير، ولا ينبئك مثل خبير، وليجتهد على عمارة معاهدها بذكر الله تعالى، وأداء الوظائف بحسن ملاحظته: ليزداد عند الخليفة جلالاً؛ وفيه- بحمد الله- ما يغني عن تأكيد الوصايا، ويعين على السداد وفصل القضايا؛ وكيف لا؟ وهو الخبير بما يأتي ويذر، والصدر الذي لا يعدو الصواب في وردٍ ولا صدر؛ والله تعالى يسر القلوب بعلو مراتبه، ويقر العيون ببلوغ مقاصده ومآربه، بمنه وكرمه!.
توقيعٌ بخطابة جامع جراح، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لشرف الدين ابن عمرون بالمجلس العالي؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي قسم للمنابر شرفاً يتجدد، وعطفاً من الفصحاء يتأكد، وعلماً مرفوعاً لا يتعدى وعلماً منصوباً لا يتعدد، والصلاة والسلام على سيد الثقلين وصاحب القبلتين محمد، وعلى آله وصحبه القانتين القائمين الركع السجد، ما عظم خطيبٌ ومجد، وبدا في حلية سيادةٍ وأهبة خطابةٍ وهو على الحالين مسود- فإن لصهوات المنابر فرساناً، ولصدور المحاريب أعياناً، ولعيون المشاهد أناسي يراعي منها الاستحقاق لكل عينٍ إنساناً.
ولما كان جامع جراح المعمور بذكر الله تعالى مما أسس على التقوى، ووسم بأهل الزهد سمةً إذا ضعفت السمات تقوى، مجمع الصلحاء من كل ناحية، ومنتجع الفقراء: فنعم الجامع لهم ونعمت الزاوية!، ومفزع العظماء عند استدفاع حربٍ وكرب، ومطلعٌ لنور الهداة الذي أغرب فأطلع نجومهم من الغرب- تعين أن نختار له الخطباء والأئمة، وننتخب لمنصبه من أفاضل الأمة، وتتناسب حضار منبره بصاحب علومهم وأعلامهم وإمامهم، المسرورين به يوم يأتي كل أناسٍ بإمامهم.
فرسم بالأمر- لا زالت أعواد المنابر بذكره أرجة، وأعلامها كالألسنة بحمده لهجة- أن يفوض لفلان..................................... علماً باستحقاق شرفه لهذه الرتبة، وصعود هذه الذروة والهضبة، ولأنه الأولى بدرجات الرتب النفائس، والأجدر بجنى فروعها الموائس، والإمام على الحالين إذا قامت صفوف المساجد وإذا قعدت صفوف المدارس، والعربي الذي إذا رقى ذروة منبرٍ أطلقت عليه لفظة فارس، والورع الذي آثر في مناصبه الباقية على الفانية، ومنابر الحكم المضيئة على مراتب الحكم الماضية، وعلى مجالس الدعاوى مجالس الدعوات، وعلى مقام الصلات مقام الصلوات، وعلى القضاء الفرض، وعلى الرحبة المحل الأرقى ولو كمفحص القطاة من الأرض، وعلى عرض الدنيا القليل جوهر الفضل الكثير، وعلى كتاب أدب القاضي كتاب الجامع الصغير.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة: خطيباً تدرأ مواعظه الخطوب، واعظاً من قلبٍ تقيٍّ تصل هدايا تقاه إلى القلوب، فصيحاً تكاد المنابر تهتز طرباً ببيانه، نجيحاً تكاد أجنحة أعلامها تطير فرحاً بمكانه، شاملاً بنفحات فضله النواسم، كاملاً لو تقدم زمانه لم يقل: فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم؛ والله تعالى يسدد أقواله وأفعاله، ويرفع على المنابر والرتب والمراتب مقامه ومقاله، ويمتعه بهذه الرتبة التي أشبهت معنىً في الخلافة: فلم يكن يصلح إلا لها ولم تكن تصلح إلا له.
المرتبة الثالثة من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بحاضرة دمشق: ما يفتتح برسم بالأمر، وفيها وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بالتدريس بالجامع الأموي والإفتاء به، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها للشيخ فخر الدين المصري استمراراً بالمجلس العالي وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال لدولته الفخر على الإطلاق، والمن على الأعناق، والكرم لطالبي الإرفاد والإرفاق، والتكريم والتقديم لذوي التأهيل والاستحقاق، ولا برحت النعم الثابتة للساجعين بمدحه المطرب قائمةً مقام الأطواق- أن يستقر فلانٌ...................... نفع الله ببقائه، ورفع عيون الأنجم لدرجات ارتقائه، لفوائده التي شملت الورى، وعلت الذرا، وحمدت الأفهام عند صباحها السرى، وقعد بها مسبل ذيل الحياء وسار بذكره من لا يسير مشمراً، ومنزلته التي نصبت للهدى علماً، وألفاظه التي أعربت عن بدائع بهرت فما فتح بمثلها العلماء فماً، واستنباطه الذي يقول للأول: قال وقلتم، وأقام وزلتم، واحتياطه الذي يقول للسائلين: اهبطوا من انتساب حلقته مصراً فإن لكم ما سألتم؛ وأنه الفاضل الذي ما استنار بعلمه فتىً فتاه، والنافع الذي ما استطب بكلماته سقيم ذهنٍ فلما تحركت شفتاه شفتاه؛ كم جلس للأشغال فثنى أنفس المارة عن أشغالها!، ونصر العلم في حلقته المجندة فكان من أمرائها المنصور ولم يكن للأنداد من رجالها!، كم سلم لبيان بحثه الحقيقي والمجازي!، وكم سطرت لمناظرته المحمدية مع أهل الزيغ سيرٌ ومغازي!، وكم خلص دينار فهمه المصري على النقد فهيهات أن يروز مثله الرازي!؛ كم فخرت مصر بانتسابه؛ ودمشق بسقيا سحابه!، وكم قال الرازي: ليت لي هذا الفخر فأروي في الأول بفتى خطيبه وفي الآخر بفتي خطابه.
فليستمر- نفع الله به- على وظيفته المأثورة، وحلقته التي نصبت على مصايد كلماته المشهورة، ومائدة علمه المنصوبة وذيول منافعها في الآفاق مجرورة، وليواظب على جلوسه بالجامع المنشرح المشروح، ودرسه المتضمن فتح أبواب العلوم وغيره كما يقال: على المفتوح، سالكاً من نهج الإفادة مسالكه، مكاثراً بأجنحة فتاويه الطيارة ما يبسط لديه من أجنحة الملائكة، متصرفاً على عادة عبادته في مواطن العلم والعمل، مستنداً في جلسته إلى سارية يقول لها وقاره وحلمه: يا سارية الجبل الجبل، داعياً لهذه الدولة الشريفة: فإن دعاء العالم مثله طائرٌ لآفاق القبول من أوكار القبل؛ والله تعالى يمده بعونه ولطفه، ويحوط مجالس علمه بالملائكة المقربين من بين يديه ومن خلفه، بمنه وكرمه!.
وهذه نسخة توقيع بتدريس مدرسة القصاعين، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لفخر الدين أحمد بن الفصيح الحنفي المقري بالمجلس السامي، وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يقدم من العلماء أفخرهم ذكراً، وأحمدهم أمراً، وأفصحهم نسب فضائل وفضائل نسبٍ يقول الاستحقاق: كلاهما وتمراً- أن يرتب فلانٌ..................... لما شهر من علومه السنية، وفوائده السرية، ووجوه فضائله الحسنة، وعيون كلماته المتيقظة إذا كانت بعض العيون مستوسنة، ولأنه غريبٌ في الوصف والمكان، وصاحب علمٍ لا يكاد يوجد له شقيققٌ وإن كان منسوباً إلى النعمان، وإمام قراءاتٍ ثبتت له فيها على أبي علي الحجة، وتوضحت ببيانه المحجة، وتعين محله الأثير، وروى الطالب من علمه عن نافع ومن ذهنه في الفوائد عن ابن كثير، وأنه فخر الحنفية القائم في السمعة مقام رازيها، المطل بمنسر قلمه على المعاني إطلال بازيها، الأكمل الذي له من علوم صدره خزانة، الصدر الذي كل صدرٍ يشهد له بعلو المكانة.
فليباشر تدريس هذه المدرسة المباركة: حقيقاً بجلوس صدرها، خليقاً بتجديد شرفها وذكرها، مظهراً للخبايا النكت في زواياها، جديراً بأن يكون في خفايا المسائل ابن جلاها وطلاع ثناياها، يملأ ببيان بحوثه فكر الواعي وسمعه، ويشير ببنان قلم فتياه ما يتجدد له من رفعة، ويبسط إدلال الطلبة حتى يأكلوا في القصاعية معه في القصعة؛ والله تعالى يسره من مدارس الحنفية بهذه البداية، ويقره بما يتجدد من وظائفها التالية: وما نريهم من آية بمنه وكرمه!.
وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الطرخانية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي جمال الدين يوسف الحنفي بنزولٍ من والده؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت مواطن العلم مكملةً بذكره، مبجلةً بأمره، مؤهلةً لكل يوسفي الجمال يذكر عزيز شامه عزيز مصره- أن يستقر فلانٌ في كذا، بحكم ما قرره مجلس الحكم العزيز الشافعي، ونعم المالك لمذهب شافع، واتباعاً لما حرره الجناب الشريف التقوي ذو النسب الصحابي الذي كل أمرٍ لأمره تابع، وعملاً بما رآه رأيه الكريم الذي إذا كان الجمال شافعاً كان هو للجمال شافع، وإذا أنشأ من أبنا العلماء فروعاً لا تميل عليهم الأيام ميلة، وإذا وقفت في طريقهم الأنداد قال اقتصار نسبه الأنصاري: يأبي الله ذاك وبنو قيلة، وقبولاً لنزول هذا الوالد الذي أعرقت في آفاق العلم مطالعه، وإقبالاً على هذا الولد الذي نجحت في استحقاق التقديم مطامعه، وعلماً بنجابة هذا الفاضل الذي طاب أصلاً وفرعاً، وقدم نفسه ووالده وتراً وشفعاً، وهذا البادي الشبيبة الذي يأمر بفضائله على الشيب وينهى، وهذا الواضح الدلالة على مفاخر قومه: فحبذا الدعوى وبينتها منها، وهذا النجيب الذي قدمه أبو منجباً، وذكاؤه معجباً، وقلمه في الأوراق معشباً، واشتغاله: إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت من محفوظات كتبي ما يقارب أحد عشر كوكباً، وإذا درس كان لطلبته ملاذاً، وإذا عانده معاندٌ قال برفيع همته: يوسف أعرض عن هذا، وإذا قرأ كتب فصاحته أذهل ذوي الألباب، وإذا فتح لتفسير كتاب الله فاتحةً، عوذ بفضل: {ألم * ذلك الكتاب}، وإذا روى الأحاديث أطربت حقيقته السماع، وإذا أخذ في دقائق النقل والعقل علم وعقل أن الفكرة صناع.
فليباشر هذه المدرسة المباركة ببيان عربيٍّ وإن كان نسبها طرخانياً، وعلم روضيٍّ لا يعرف العلماء شقيقه وإن كان مذهبه نعمانياً، ومباحث تذكي نار قريحته: فكم طبخ لأنداده من أصحاب القدوري قدراً، ولزوم درسٍ يسر أباه بمذهبه: فإنه القاضي أبو يوسف خبراً في الحقيقة وخبراً؛ والله تعالى يصون شبيبته المقبلة من طوارق الحدثان، وينفع بعلوم بيته التي من شك منها في الحق فكأه من الحدثان.
وهذه نسخة توقيع بتصدير الجامع الأموي، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لشمس الدين بن الخطيب؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت نعمه ظاهرة الفضل كالشمس، طاهرة الوضوح من دنس اللبس، وافرة النمو فيومها قاصرٌ عن الغد زائدٌ على الأمس- أن يرتب فلانٌ في كذا ويرتب له كذا على المصالح؛ فكم للمسلمين في جامع علمه مصالح، وفي منافع قصده منجح، وفي فوائده نصيب، وفي طرق هداه معالم: ولا تنكر المعالم لابن الخطيب، ليتنأول هذا الراتب المستقر من أحل الجهات وأجلها، وتكون شمسه المباركة خير شمسٍ تجري لمستقرٍّ لها، عوضاً عما نزل عنه من تدريس الحلقة المعدوقة بصاحب حمص وتصديراً بالجامع الأموي يبسط به أنواره الشمسية، وينقل اسمه إلى إمرة العلم بدمشق عوضاً عن الحلقة الحمصية؛ فليعتمد ما رسم به، ولا يتحول عما قضى العدل والإحسان بموجبه.
الضرب الثاني من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بالشام: ما يكتب به لمن هو بأعمال دمشق:
وهو على مرتبتين:
المرتبة الأولى: ما يفتتح بأما بعد حمد الله، وفيها وظائف:
توقيعٌ بتدريس المدرسة النورية بحمص من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للقاضي زين الدين عمر البلفياني بالمجلس العالي؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي جعل لوجوه العلم زيناً وأي زين، وأقر لأماكنها عيناً بمن يكون التنبيه على فضل مانته فرض عين، ونشر أحاديثها بمن إذا حدث عن يد تمكنه في العقل والنقل قيل: صدق ذو اليدين، وأحيا مذاهبها بمن إذا عقدت الخناصر على أمثاله العلماء كان أول العقد وثاني الغيث وثالث العمرين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله الذي أوضح تبيين الهدى وسنه، وأرهف شبا الحق وسنه، وعلى آله وصحبه الذين منهم علي مفتاح مدينة العلم وعمر سراج أهل الجنة، ما جرت أقلام العلم والجود في هذه الأيام الصالحية طلقة العنان مطلقة الأعنة- فإن أولى العلماء بمدارس علمٍ لا خلت، ومجالس فهمٍ عزت بأهلها فلا تعزلت، ومشاهد عقلٍ ونقلٍ لا عقلت ألسنتها بعد مستحقيها ولا انتقلت- من أضاءت مشكاتها النورية بمصابيح كلمه، وفتحت كمائمها النورية عن زهرات الهدى بقطرات قلمه، وتذكرت بأوقاته الأخيرة عهود أهلها من هداة الإسلام وأوقات ذي سلمه.
ولما كان فلانٌ هو المقصود بخلاصة هذا المعنى، والممدود إليه نظر هذا الوصف الأسنى، والعالم الذي تشبث بأسباب محاسنه بلد الهرمين، والسابق وإن خلا وقته الطاهر خلف وقت إمام الحرمين؛ كم اجتنى ثمر الفوائد من أصلٍ وفرع!، وكم بات قلمه من ورق فتاويه وإسكات مناويه بين وصلٍ وقطع!؛ كم صدق برق بديهته الأفكار حين شامت!، وكم نبهت عند ليالي المشكلات عمر ثم نامت!، وكم تهادت نظره كتب العلم حتى قال كتاب الأم: نعم الولد النجيب، وقال كتاب الروضة: نعم أخو الغائث الصائب على رياض القول المصيب، وقال الشامل من فضله: هذا لطلبته نهاية المطلب، وقال التنبيه على محاسنه: ليت النابغة رآه فدرى أي الرجال المهذب، وكانت المدرسة الشهيدية النورية بحمص المحروسة قد شهدت مع من شهد بفضله، وسعدت بنبله، ووسمت بعلم علمه، وسمت سمو الشهباء: هذه بمقر تدريسه وهذه بمجلس حكمه؛ ثم زار دمشق زورةً تشوقت إليه بعدها تلك المشاهد، وتشوفت إلى العود هاتيك المعاهد، وقضى الوفاء أن يعاد إليها أحسن إعادة، وأن يرجع إلى الأماكن الشهيدية الشاهدة ببره فتكون منه عادةً ومنها شهادة، واقتضى الاستحقاق أن يردها بالمعلوم المستقر وزيادة وأحسن ما ورد البحر في الزيادة.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- أعلاه الله وشرفه، وحلى بسيره الصالحة سمع الدهر وشنفه- أن يستقر فلانٌ في تدريس المدرسة النورية بحمص المحروسة على عادته، وعلى نهج إفاءته وإفادته، بالمعلوم المقرر له بمجلس الحكم العزيز الشافعي بدمشق المحروسة: رعايةً لتلك المعاهد النورية التي تتأرج بها الآصال والبكر، وأنوار القبول القائلة لوفدها الطارق: علي سلام الله يا عمر.
فليعد إلى هذه الوظيفة عود الحلي إلى العاطل، وليقبل على رتبته المرتقبة إقبال الغيث على الماحل، وليقل بلسان تقدمه لمعانديه: إن كان أعجبكم عامكم فعودوا إلى حمص في قابل، ولينصر بقاعها الحمصية بجلاد جداله فإنها من أول جند الإسلام، وليقم الآن في هذه الأوقات الشامية فإنه بركة الوقت والبركة في الشام، مثمراً من أقلام علومه أزكى الغروس، مظهراً من مباحثه النفائس مبهجاً من طلبته النفوس، عامراً لمعاهدها بدروسه: ويا عجباً لمعاهد تعمر بالدروس!، ذاكراً للوصايا الحسنة التي لا تقص عليه فهو أخبر بها، والتي من أولها وأولاها تقوى الله تعالى وهي بأفعاله أمسك من تفاعيل العروض بسببها، والله تعالى يعضده في رحلته ومقامه، ويمتع الرتب تارةً بمجالس دروسه وتارةً بمجالس أحكامه، ويروي صدى مصر والشام من موارد علمه، هذه بأوفى من نيلها وهذا بأوفر من غمامه.
المرتبة الثانية من تواقيع أرباب الوظائف الدينية بأعمال دمشق: ما يفتتح برسم بالأمر، وفيها وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بحسبة بعلبك: من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب بها لشهاب الدين بن أبي النور؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زالت شهب أوامره عالية السنا والسناء، وفيةً لذوي الاستحقاق بمزيد الاعتناء والاغتناء، جلية البر بمن شهد بحسن حسبته حتى لسان الميزان وفم الكيل وشفة الإناء- أن يستمر فلانٌ............................. لما ذكر من أوصافه التي ضاعفت فيه الرغبة، وحالفت به سمو الرتبة، وشهدت بها حسبته تلو الشهود: وحسبك من اجتمعت على فضله شهادة الفرض وشهادة الحسبة، ولما صح من كفاءته وتجريبه، ووضح في هذه الوظيفة من تدريبه التي تدري به، ولما تعين من استمرار شهابه في المنزلة التي تكتسي من أضوائه وتكتسب، وهذه الرتبة التي تعلو بمعرفته: وكفاه أنه يرزق من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب! وأنه فيها ذو الرأي الزائد، والنفع الوارد، والشهاب الذي نور هداه في وجه المريد وأثر كي حسبته في وجه المارد، وأنه وليها ولايةً لا تزال تذكر وتشكر، وعرف بوفائها وكان أوفى من أمر بمعروف أو نهى عن منكر، وأنه قام حق القيام حتى قال البلد: رعى الله زمانك، واجتهد حتى قال الاعتبار للميزان: لا تذكر الزيغ ولا تحرك به لسانك.
فليستمر في حسبته المباركة استمراراً يستحلى ذكره، ويستجلى في الاسم شهابه وفي السمة بدره، وليحتسب في نفع المسلمين حسبةً يحتسب بها عند المملكة ثناءه وعند الملائكة أجره، سالكاً على نهج العزم الجميل، جاعلاً أول نظره من أقوات الرعية في الدقيق والجليل، مستبيناً لما التبس من غش المطاعم والمشارب فلم يستبن، حاكماً- ولاسيما في قاعات بعلبك- برأيٍ يفرق بين الماء واللبن، حاثاً على بيع المآكل بخبرةٍ من ملإ بصره، حريصاً على أن لا ينشد لسان الداخل فيه ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، دافعاً ضرر المجتري البائع عن المشتري المسكين: ذكياً فيما يذكي فيذبح بسكين ويذبح متنأوله بغير سكين، قاضياً بالحق في كل ما يشترى ويباع، متكلماً في أنواع الملابس وغيرها بالباع والذراع، وازناً بالعدل في كل موزون ومكيول، رادعاً لكل عمالٍ مداهنٍ في كل مدهون ومعمول، حاملاً على الحال المستقيم كل حيٍّ لديه وكل من هو على آلةٍ حدباء محمول؛ ومن زاد في الإضرار فليمنع زائده، ومن زاد في الاشتطاط وتجبير الشراء فليقطع بالنكال زائده، ومن دنس في الأشربة فلا يلبث أن يغلظ التأديب وأن يريقه، ومن سقى الضعفاء منها كما يقال: سقيةً فليسقه من السوط ما يكاد ينثر جسمه على الحقيقة، ومن عانى صناعةً ليس له فيها يدٌ فليلزمه بما بسط في إفساده اليدين، ومن حكم في صناعة الطب بما لم يسغ في المسائل فليصرفه منها بخفي حنين، ومن تمرد في معاملته فليرده بالقهر إلى صالح مرده، ومن عدا وعتا فليعامله بما يخرجه من الترح لا من الفرح من جلده، مقداماً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا جزع، مستعيناً بالديوان فيما أهم: فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع، مجتهداً فيما يزيدتقدم سعيه المشكور، وصنعه المبرور، منيراً لآفاق منصبه وكيف لا وهو الشهاب بن أبي النور؟؛ وتقوى الله تعالى هي السبيل الأقوم فليكن لها منهاجاً، وليواظب على طريقة الحق: فكم شرٍّ عنها حاد وكم خيرٍ منها جا!.
توقيعٌ بنظر السبيل بدرب الحجاز، بالركب الشامي، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي قطب الدين السبكي؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يقر بالوظائف الدينية من يحبها وتحبه، ومن يتوارد على ذكره بادي الشكر وركبه، ومن إذا بدت مطالع الخير فهو نيره وإذا دار فلك الثناء فهو قطبه- أن يستقر.................... لما ذكر من وصفه الجميل، واستحقاقه الذي دل عليه البرهان في محفله وبرهن في موكبه الدليل، وديانته التي هي لمباني الأوصاف الرفيعة أساس، وكفاءته التي لها من نفسه نصٌّ ومن نفس قومه قياس، ومرباه في بيتٍ تقيٍّ صحت تجارب معدنه على السبك، ودلت مناقبه على استحقاق الرتب التي يقول بشيرها: قفا نبتسم! ويقول حاسدها: قلا نبك، ولما تقدم من تشوفه لهذه العزمة الناجحة، وتشوقه من هذه المبرة الشريفة الصالحية بسلوك تلك الفجاج الصالحة، ولأن الضعف عاقه عن الماضي فأطلقته الآن هذه القوة، وجعلت له بأوفى القادرين على الحسنات والإحسان أسوة، ومكنته في هذه الشقة الطويلة على سحب أذيال المعروف من منزل الكسوة إلى منازل ذات الكسوة.
فليباشر هذه الوظيفة المبرورة بعزمٍ يبير من الوجد ماكنه، وحزمٍ يثير من المدح المشكور كامنه، وسمعه على ألسنة التذكار يمضي وتبقى حتى تكاد تكون للكواكب السبعة ثامنة، متصرفاً في الإرفاد والإرفاق، بآراء يؤيد الله بها الذين هم رفاقٌ وأي رفاق، منفقاً في سبيل الله على يده أعدل إنفاق، حامياً عدله من لفظة نفاق، مخصباً بإنعام الدولة الشريفة في القفر الماحل، حاملاً للمنقطع على أنهض وأبرك الرواحل، مواصلاً لنقل الأزواد إقامته ومسيره، وبالماء والشراب الطيبين الطهورين ضعيفه وفقيره، وبأنواع الأدوية والعقاقير التي تعم متتابع الركب وعقيره، وتجبر على الحالين كسيره، وبوفاء جميع المستحقين تالياً عن لسان الدولة الشريفة: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة} داعياً بخلود ملكها في تلك المشاهد التي هي بقبول مصاعد الدعوات ونزول مواعد البركات جديرة؛ والله تعالى يتقبل دعاءه وسعيه، ويحسن كلاءته ورعيه، بمنه وكرمه!.
الصنف الثالث من التواقيع التي تكتب لأرباب الوظائف بدمشق: ما يكتب لأرباب الوظائف الديوانية:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: ما يكتب لمن بحاضرة دمشق منهم، وهو على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: ما يفتتح بالحمد لله، وفيها وظائف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيعٍ بكتابة الدست بدمشق، كتب به لتاج الدين عبد الوهاب ابن المنجا التنوخي، عوضاً عن شمس الدين محمد بن حميد بالوفاة؛ وهي: الحمد لله الذي جعل تاج الأولياء أينما حل حلى المراتب وزانها، وغدا على التحقيق كفأها ووازنها، وألبسها من براعته ويراعته عقوداً تزر دررها وجمانها، ومنح دستها العلي من ألفاظها المجيدة بيانها، وزادها بأصالته فخاراً يستصحب وقتها وزمانها، وارتقى ذروتها التي طالما زاد بالمعالي أركانها، فتبوأ بمزيد المجد مكانها.
نحمده على نعمه التي اجزلت إحسانها، وأجملت امتنانها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تشهد القلوب إيمانها، ويدخر القائل إلى يوم المخاف أمانها، ويتبوأ بها في الدار الآخرة من يخلص فيها جنانه جنانها، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله تعالى به الشريعة المطهرة وأبانها، وشرف هذه الأمة ورفع على جميع الأمم شانها، وبعثه رحمةً إلى كافة الخلق فأقام بمعجزاته دليل الهداية وبرهانها، وأطفأ بنور إرشاده شرر الضلالة ونيرانها، وأحمد بدينه القويم وصراطه المستقيم معتقدات طوائف الشرك وأديانها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من نزه نفسه النفيسة وصانها، وسلك في خدمته وصحبته الطريقة المثلى فأحسن إسرار أموره وإعلانها، صلاةً دائمةً باقيةً تحمد بالأجور اقترانها، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن أولى من جددنا رفعة تاجه، وسددنا قوله في مجلس عدلٍ ينشر فيه بكلمة الحق ما انطوى من أدراجه، وحددنا له محل سفارة يلحظ فيه حوائج السائل فيغنيه عن إلحاحه ولجاجه- من هو في السؤدد عريق، ولسانه في الفضائل طليق، وقلمه حلى الطروس بما يفوق زهر الرياض وهو لها شقيق؛ وكان فلانٌ هو الذي علا تاجه مفرق الرآسة، وجلا وصفه صور المحاسن والنفاسة.
فرسم بالأمر العالي- لا زال يولي جميلاً، ويولي المناصب الجليلة جليلاً- أن يستقر المشار إليه في وظيفة توقيع الدست الشريف بالشام المحروس، عوضاً عن فلانٍ بحكم وفاته إلى رحمة الله تعالى، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت.
فليباشر ذلك مباشرةً تشكر مدى الزمان، وتحمد كل وقتٍ وأوان، وليملأ بالأجور لنا صحفاً بما يؤديه عنا من خيرٍ وإحسان؛ والوصايا كثيرةٌ وأهمها التقوى؛ فليلازم عليها في السر والنجوى؛ والله تعالى يحرسه ويرعاه، ويتولاه فيمن تولاه؛ والاعتماد..........................
وهذه نسخة توقيع بنظر الخاص، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي بهاء الدين بن ريان؛ وهي: الحمد لله معلي رتب الأعيان، ومبقي أحباء السيادة على ممر الأحيان، ومبدي بهاء المناصب، بمن فضله الواضح والصبح سيان، ومنشي ثمرات المناقب، في منابت أهلها حيث الفرع باسقٌ والأصل ريان.
نحمده على أن يسر البيت المعلى بحسنه، وأقظ جفن الآمال من وسنه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تجمع لنا من خيري الدنيا والآخرة كرم المطلبين، وشرف المنصبين، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المشرق فضله على أهل المشرقين والمغربين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أصبح الثناء عليهم وقفاً، واشتمال الذكر عليهم عطفاً، صلاةً تضيء آفاق القبول بشمعة صبح لا تقط ولا تطفى، وسلم.
أما بعد، فإن للمناصب الدينية نسبةً ببيوت أهل الديانة، ولخاص الرتب تعلقاً بالخاص من ذوي الكفاءة والأمانة؛ والمنازل بكواكبها المتألقة، والحدائق بمغارسها المتأنقة، ونفوس الديار بسكان معاهدها المتشوفة المتشوقة.
ولما كان الخاص الشريف والوقف المنصوري لوجه المناصب الشامية بمنزلة حسن الشامتين، ولرائد الخصب من جهتي الدنيا والآخرة بمحل نفع الغمامتين؛ هذا على صنع البر الممدود مقصور، وهذا لسحاب الخير سفاحٌ لأنهر جهةٍ لمنصور؛ يعلو هذا بالناظر في دقائقه إلى أعلى الدرج، ويتلو هذا بلسان ميزانه المنفق على المارستان: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج} - لا يليق الجمع بين رتبتيهما إلا لمن يجمع بسعيه فضل الدارين، ومن يجيد بنان قلمه الحلبي حلب ضرعيهما الدارين، ومن نشأ في بيت سعادةٍ أذن الله لقدره أن يرفع، وأقلام بيته أن تنفع، ولمحاسن ذويه أن تشفع بجمالها إلى قلوب الأولياء فتشفع، ومن يسر برواية فضله وبرؤيته السمع والعين، ومن يفترض شرفه وشرف إخائه حب الحسن والحسين، ومن تبتهج جوانح المحاريب بتعبده، وتلهج ألسنة مصابيح المساجد بالثناء على تردده وتودده، وتستبق جياد عزمه: فبينما الكميت في الشهباء تابع أدبه إذا بابن أدهم رسيل تزهده، ومن تقول مناصب حلب: لله در بهائه المقتبل!، ومن ينشد ثبات وقاره مع لطافة خلقه: يا حبذا جبل الريان من جبل!، ومن تنفح أخباره منافح الأزهار، ومن يشهد بفضله جيش المحراب في الليل وبمباشرته جيش الحرب في النهار، ومن تأسى بلدةٌ فارقها فراق العين للوسن، ومن يروي صامت دمشق وغيرها من تدبيره عن عامرٍ وعن حسن.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال من ألقابه الشريفة صالح المؤمنين، وعماد الداعين لدولته القاهرة والمؤمنين- أن يفوض للجناب العالي........................... فإنه المعني بهذه الأوصاف المتقدمة، والمقصود بإفاضة حللها المعلمة، والموصوف الذي يحلو وصفه إذا كرر، ويستعبد الأوصاف والأسماع إذا حرر، والأحق برتبة عز في النظار مضى وأبقى ثناءه، ومكان نظرٍ إن لم يقل الدعاء اليوم: أدام الله عزه! قال: أدام الله بهاءه، واللائق بتقرير منصبٍ تقصر دونه المطامع، وتصدير ديوانٍ إن انقطعت روايته عن حمزة فقد اتصلت روايته عن نافع.
فليباشر هذين المنصبين المنجبين، مجتهداً في مصالح الخاص الشريف، والوقف الذي لا تحتاج همته فيه إلى توقيف، حتى يكون خير الخاص عاماً، وأمر الوقف تاماً، وريعهما بالبركات خير محفوف، والمنصوري من جهة المعاضدة قد أضحى وهو بالعضدين موصوف.
والوصايا متعددةٌ وهو أدرى وأدرب بها، وتقوى الله تعالى أولى وصيةٍ تمسك المرء بسببها، وشكر النعمة أدل على نبيه همم الرجال وعلى فضل مهذبها؛ والله تعالى يسدد قلمه، ويثبت في مطالع العز قدمه، بمنه وكرمه!.
توقيعٌ بنظر الخزانة العالية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي تقي الدين بن أبي الطيب بالجناب العالي؛ وهو: الحمد لله الذي له خزائن السموات والأرض، وبحكمته يهب منها ما يشاء لمن يشاء رضي المعاند أم لم يرض، وبمنته فضلت مراتب أهل التقى على الرتب كما فضل على النافلة الفرض، وبعنايته بنيت بيوت أهل السيادة على الطول وبقي صالح عملهم إلى العرض، وبهدايته سما إلى أعلى الخزائن من تقرضها أوصاف قلمه وقلم أبيه أحسن القرض.
نحمده على ما منح من خزائن فضله، ونشكره والشكر ضامن المزيد لأهله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يدخرها الإنسان لنيته وقوله وفعله، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي جمع بفيئه وفرق ببذله، وأعطى ما لم تنطو ضمائر الأكياس في صدور الخزائن على مثله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الساليكن سنن فضيلته وفضله، التابعين في الكرم والبأس قياس بيانه ونص نصله، ما أطلعت خزانة الوسمي آثار نقط الغيث كالدراهم، وخلعت على الدنيا خلع الروض متقلنسةً بمستدير الظلال مزورةً بمعقود الكمائم، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن الرتب ذخائر قومٍ في خزائن الاختيار، وأخاير أهلٍ تزكو نقود شيمهم على محك الاعتناء والاعتبار، وفروع خلفٍ تظهر مظاهر نصولها الزكية سابغة الظل رائقة الزهر فائقة الثمار؛ إذا احتيج منهم إلى ذخيرة نفعت، وإلى أخير وقتٍ أربى على عزائم الأول وما صنعت، وإلى فروع شجرةٍ سرت محامدها الضائعة: لا مما ضاعت بل مما تضوعت.
ولما كانت رتبة نظر الخزانة العالية بدمشق المحروسة أحق بمن هذا وصفه، وهذا نعته في مقدمة الذكر الجميل وهذا إليه عطفه؛ إذ هي مرتبة العلياء ومكانها، وزهرة سماء المملكة وميزانها، ومنشأ غيوث صلاتها الهامرة، ومنبت رياض خلعها الزاهرة، وأفق السعادة ومطلع نجمها المنير، وجنة أولياء الدولة ولباسهم فيها حرير، ومعنى شرف الاكتساء والاكتساب، ومأوى الفاضل- والحمد لله- الذي يحفظها التحصيل بحساب ويعطيها الجود بغير حساب.
وكان الجناب ممن تضم أعطافه أنوار السعادة، وتحف أطرافه والسيادة، وتنتقل جلسته: إما من تنفيذ الديوان لمرتبةٍ وإما من تدريس العلم لسجادة، ذو الفضل والفضائل حسن التجنيس والتطبيق، والكتابة: من حساب وإنشاءٍ زاكية النثر على التعليق، ونفحات البر من نفحات العيش أجود، والشبيبة فيها النهى فمكانه كما قال البحتري: نسبٌ أسود، والهمم التي حأولت منال الشهب الممتنعة ولات حين مناص، والكلمة التي لو عاين البصري فرائد نحرها لقال: كل هذه درة الغواص، والعزائم التي رامت المناصب فما قبلت من خزانتها سوى الرفيع وما رضيت من ديوانها سوى الخاص؛ كم نبهت منه المقاصد عمر ثم نامت!، وملأ الرباع خيراً وفياً!، وقيض الله للفقراء والأيتام حناناً من لدنه وزكاةً وكان تقياً.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا برح صالح الدهر كالزهر، مالك نفوس الأولياء والأعداء: هاتيك بالإنعام وهاتيك بالقهر- أن يفوض إليه نظر الخزانة العالية مضافاً إلى ما بيده من نظر الخاص الشريف: لأن مثله لا يصرف عن وظيفة بسناه تعترف، ومن نداه تغترف، وأن اجتماع العدل والمعرفة قاضٍ بأن عمر لا ينصرف، وأن الخاص لخاص الأولياء أمس مكانة، وأن الخزانة أنسب بمن عرف بالصيانة، وأن خزائن الأرض، وهي مصر لو نطق نظيرها لقال: ليس لي مثل هذه الخزانة، وأن عين الأعيان أولى بالنظر، وأن الأنظار لا بل الصحابة أحق بعمر؛ لما علم من سيرته النقية، وسريرته التقية، وصفاته التي يمتد فيها نفس القول حتى ينقطع وفي الأوصاف بعد بقيةٌ وبقية.
فليباشر ما فوض إليه من أعلى المراتب المنجبات، والوظائف المعجبات المعشبات، والجهات التي ما لها كبيته الطيبي: والطيبون للطيبات، مستجداً من نظر هذه الخزانة ثوب سعده الجديد، معملاً في مصارف الذهب والفضة بصر آرائه الحديد، منبهاً لها عزمه العمري ونعم من ينبه، مشبهاً في الكفاءة أباه المرحوم وما ظلم من أشبه، مقرراً من أحوالها أحسن مقرر، محرراً من أمورها أولى ما اعتمد والخزانة أولى بالمحرر، حافظاً لما لها بقلم التحصيل حتى ينفذ قلم الإطلاق، صائناً لوفرها حتى ينفقه الكرم خشية الإمساك بعد ما أمسكه الصون خشية الإنفاق، مستدعياً من أصنافها كل ما تنوع وتصنف، وتوشع وتفوف، مثبتاً كل ما خلع من ديوانها العزيز وتخلف، مؤلفاً للكساوى في رحلة كل صيفٍ وشتوة، مواصلاً للأحمال من دمشق على كل حال من جهة الكسوة، منهياً لإنعامها بقلم الإطلاق التام، متلقفاً بعصا قلمه في يده البيضاء ما تأفك عصا الأقلام، حريصاً على أن يكون بابها في الكرم كما قال: سهل الحجاب مؤدب الخدام، عاملاً بتقوى الله تعالى التي بها يبدأ الذكر الجميل ويختم، ويلبس بها في الدنيا والآخرة رداء الخير المعلم، غنياً عن تبيين بقايا الوصايا التي هو فيها بحرٌ، وابن بحرٍ بكتاب البيان والتبيين أعلم؛ والله تعالى يمده بفضله، ويحفظ عليه الفضل الذي هو من أهله، ويملأ آماله بغمام الخير الصيب، ويديم سعادة بيته الذي لا يرفع الشكر لطيبه إلا الكلم الطيب.
المرتبة الثانية من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق: ما يفتتح بأما بعد حمد الله:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بنظر الأسرى ونظر الأسوار، كتب بها لداودار الأمير سودون الطرنطاي كافل الشام، وإن كانت هي في الأصل ديوانية أو دينية؛ وهي:
أما بعد حمد الله الذي خص أولياءه بفضله الوافر، وعمهم بحسن نظره فأشرق صبح صباحهم السافر، وانتضى من عزائمهم لنصرة الدين سيفاً يسر المؤمن ويغيظ الكافر، واجتبى من الكفاة من يشيد معاقل الإسلام بفضله المتظافر، والصلاة والسلام الأتمين الأكملين على سيدنا محمدٍ الذي أضاء برسالته الوجود، وخصه الله تعالى بالصفات الفائقة والمآثر الحسنة والجود، وعلى آله وصحبه الذين حرسوا الملة الحنيفية من جهادهم بأمنع سور، وأوهنوا جانب الكفر وأنقذوا الأسير وجبروا المكسور، صلاةً دائمةً مدى الأيام والشهور، معليةً للأولياء علم النصر المنشور- فإن أولى من عدقنا به المناصب السنية، وفوضنا إليه جليل الوظائف الدينية، ونطنا به فك رقبة المسلم من أسره، وخلاصه من عدوه الذي لا يرثي لمسكنته ولا يرق لكسره، وأجرينا قلمه ببذل الفداء، وجعلنا مداده درياقاً لمرض الأسر الذي يعدل ألف داء، وأقمناه للعاني من شرك الشرك منقذاً، وللدافع في بيداء العدا بحسن إعانته منجداً، وللأسوار الممنعة بجميل نظره متفقداً- من أضحى فضله ظاهراً، وجلاله باهراً، وخلاله موصوفةً بالمحاسن أولاً وآخراً.
وكان فلانٌ هو الذي بهرت مآثره الأبصار وملأت الأسماع، وانعقدت على تفرده في عصره بالمفاخر كلمة الإجماع، وسارت الركبان بذكره الذي طاب وجوده الذي شاع، وصفت سريرته، فأضحى جميل الإعلان، وحمدت سفارته، فكانت عاقبة كل صعبٍ ببركتها أن لان.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال يولي جميلاً، ويولي في الوظائف جليلاً- أن يستقر المشار إليه في وظيفتي نظر الأسرى والأسوار بدمشق المحروسة، على أجمل عادة، وأكمل قاعدة، بالمعلوم الشاهد به ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت: وضعاً للشيء في محله، وتفويضاً لجميل النظر إلى أهله.
فليباشر ذلك مباشرةً تسر النفوس، وتزيد بها الغلال وتزكو بها الغروس، وليجر أحوال الوقف المبرور على مقتضى شرط الواقف والشرع الشريف، وليتصرف في تحصيل المال وإنفاقه أحسن تصريف، وليجتهد على تخليص المأسور، وإغاثة من ضرب بينه وبينه بسور، ويسارع إلى تشييد الأسوار الممنعة، وإتقان تحصينها ليتضاعف لمن حوته منا الأمن والدعة؛ والوصايا كثيرةٌ وملاكها تقوى الله تعالى وسلوك صراط الحق المستقيم: فليواظب عليها، وليصرف وجه عنايته إليها؛ والله تعالى يديم علاه، ويتولاه فيما تولاه، بمنه وكرمه.
توقيعٌ بصحابة ديوان الأسرى، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي شرف الدين سالم بن القلاقسي؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي جدد بطالع الشرف قواعد بيت السيادة، ومشاهد حوك السعادة، ومصاعد ذرا الأقلام التي قسمت مجاني قصبها للإفاءة والإفادة، ومعاهد القوم الذين سلكوا مسالك سلفهم الحسنى: ولو كان التمام يقبل هنا مزيداً قيل: وزيادة، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الذي شد الله برسالته أزر الحق وشاده، وعلى آله وصحبه ذوي الأقدار المستزادة المستجادة، ما اتصل بحديث الفضل سنده وأمن بيت التقوى سناده- فإن البيوت المنتظم فخارها، المأمون من عروض الأيام زحافها وانكسارها، أولى بأن تنتخب لهم المناصب كما تنتخب للبيوت المعاني، وتستقرى الوظائف العلية كما تستقرى لمواضع كلمها المباني، وتختار لنجل الأصحاب بينهم كل جهةٍ مأمونة الصحابة، موقورة السحابة، مجرورة ذيل الخيرات السحابة، مصونةٍ عن غير الأكفاء كما يصان للجهات حجباً، لائقةٍ بالأفاضل لأن لأوقاف الأسرى بالفاضل نسباً.
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يرتب في كذا: علماً بأنه الرئيس الذي إذا ولي وظيفةً كفاها، وإذا وعدها بصلاح التدبير وفاه وفاها، وإذا وصل نسبها بنسبه كان من إخوان صفائها لا من إخوان صفاها، والخبير الذي استوضح بيمن الرأي مذاهبه ومسالكه، والعالم الذي إذا مشى الأمور بسط جناح الرفق وإذا مشى بسطت له أنحتها الملائكة، والجليل الذي إذا نظر ذهنه في المشكلات دقق، والكاتب الذي تعينت أقلام علمه وكفاءته إلا أن كلها في الفصل محقق؛ هذا وخط عذاره ما كتب في الخد حواشيه، وليل صباه ما اكتمل، فكيف إذا أطلعت كواكب المشيب دياجيه؛ وكيف لا؟ وأبوه- أعلى الله تعالى جده- صاحب المجد الأثيل، والفضل الأصيل، ووكيل السلطنة الذي إذا تأملت محاسنه قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل.
فليباشر هذه الوظيفة برأيٍ يسهل- بمشيئة الله- عسيرها، ويفك- بعون الله- أسيرها، واجتهادٍ سنيٍّ يحسن قلمه في الأمور مسرى، واعتمادٍ سريٍّ لا يرى ديوان أسرى منه أسرى، مشبهاً أباه في عدله ومن أشبه أباه فما ظلم، وتوقد رأيه لدى طود حلمٍ وعلم فيالك من نارٍ على علم!، حتى يأمن ديوان مباشرته من ظلم الظالم، ويشعل ذكاءه حتى يقال: عجباً للمشعل ناراً وهو سالم!، ويثمر مال الجهة بتدبيره، ويشترك لفظ إطلاق الديوان في ماله وأسيره، وتنتقل الأسرى من ركوب الأداهم إلى ركوب الشهب والحمر من دراهمه ودنانيره، ويحمد على الإطلاق، وينفق خشية الإمساك إذا أمسك غيره خشية الإنفاق، ويمشي بتقوى الله- عز وجل- في الطريق اللاحب، وينسب إلى ديوانه وقومه فيقال: صاحبٌ طالما انتسب من سلفه لصاحب؛ والله تعالى ينجح لكواكب رأيه مسيراً، ويجبر به من ضعف الحال كسيراً، ويكافيء سادات بيته الذين يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً.
المرتبة الثالثة من تواقيع أرباب الوظائف الديوانية بحاضرة دمشق: ما يفتتح برسم بالأمر الشريف:
وهذه نسخ تواقيع من ذلك:
نسخة توقيع............................................................................ من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي علاء الدين بن شرف الدين بن الشهاب محمود عند موت أبيه وهو صغير؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال يجبر ببره مصاب الأبناء بآبائهم، ويسرهم بما يتجدد في كواكب الشرف من علائهم، ويعتق قلوبهم من إسار الحزن حتى ينشأوا من الصغر على أنساب عفتهم وولائهم- أن يستقر.............................. اعتماداً على نجابته الشاهدة، ومخايل همته السائدة، واستناداً إلى أصالته التي لا يبدي فرعها إلا زكي الثمر، ولا يهدي بحرها إلا أنفس الدرر، ولا يخلف أفقهها إلا كبيراً تستصغر الأبصار رؤيته: والذنب للطرف لا للكوكب في الصغر، وعلماً أنه من أسرةٍ شهابية لا يهتدى في الإنشاء إلا بنورهم، ولا يتحدث بالعجائب إلا عن بحورهم، ولا ينبت أقلام البلاغة إلا عشبهم، ولا تعشب روضات الصحائف إلا سحبهم، ولا تثبت أفلاك الكتابة إلا كتبهم، صغيرهم في صدور الإنشاء كبير، وملقن آيات فضلهم يروي أعداد الفوائد عن ابن كثير، وعليهم بعد أبي بكر تقول المحامد لسلفه وخلفه: منا أميرٌ ومنكم أمير؛ وأنه اليوم لا سيف إلا ذو الفقار من أذهانهم، ولا فتىً إلا علي من ولدانهم، وأن فرخ البط سابح، وسعد القوم للأنداد ذابح، وخواتم صحف الجمع الظاهر أشبه بالفواتح، والبلاغة في الدنيا كنوزٌ والأقلام في أيديهم مفاتح، وأن الكلام حليته وسمته، وأنه إذا خدم دولةً بعد مخلفه قيل للذاهب: لقد أوشحنا وجهه وللقادم: لقد آنستنا خدمته.
فليأخذ في هذه الوظيفة بقوةٍ في كتابه، وليتنأول باليمن واليمين قلم جده كما تنأول راية مجده عرابة، وليتقلد بقلائد هذه النعم عقيب ما نزع التمائم، وليجهد في إمرار كلمه الحلو الذي أول سمائه قطرٌ ثم صوب الغمائم، مجوداً خطه ولفظه حتى تتناسب عقده، ناشئاً عن كتم السر حتى كأن الفؤاد قبره والجنب لحده، مهتدياً بالعلم الشهاب في بر أخيه الأكبر فإنه من بوارق المزن، مبتدياً مع أخيه الآخر السرور إذ ينزع عنهما لباسهما من الحزن؛ والله تعالى يزيد في فضله، ويتم عليه النعمة كما أتمها على أبيه من قبله، ويفقهه في السيادة حتى يحسن في الفخار رد الفرع إلى أصله.
توقيعٌ بنظر مطابخ السكر، من إنشاء ابن نباتة، كتب به للقاضي شرف الدين بن عمرون؛ وهو: رسم.......................... - لا زالت سمة المناصب في دولته الشريفة مشرفة، وأقلام الكفاة مصرفة، وألفاظ الشكر ثابتةً عند ذوي الاستحقاق ومصنفة، والنعماء المنصفة لأمثالهم حلوة المذاقين من نوعٍ ومن صفة- أن يستقر................... لما عرف من شيمه المستجادة، وهممه المستزادة، وكفاءته اللائق بها حسن النظر الثابت بفضلها رقم الشهادة، وأصالته التي نهض أولها بمهمات الدول فلو رآه معاوية- رضي الله عنه- لقال: يا عمرون أنت عمرٌو وزيادة، ولما ألف من مباشرته المنيفة خبراً وخبراً، وأنظاره السامية إلى معالي الأمور نظراً، ووظائفه التي لا يكاد يبلغ العشر منها ذوو الهمم العلية، وجهاته التي عرف بها سلفه وخلفه فلا غرو أن لبس عمامة مفاخره بيضاء وسكرية.
فليباشر هذه الوظيفة الحلوة معنىً ومذاقاً، الحلية عقداً ونطاقاً، المحسوبة على مطالع الشرف وفقاً وآفاقاً، جاعلاً شكر النعمة من أوفى وأوفر مزاياه، وصلف الهمة من أولى وأول وصاياه، حافظاً للمطابخ وإن كان عادة آبائه بذلها، مدخراً للجفان وإن كانت سمة قراهم إزالتها ونقلها، حريصاً على أن لا يجعل لأيدي الأقلام الخائنة مطمحاً، وعلى أن ينشد كل يومٍ للتدبير لا للتبذير: لنا الجفنات العز يلمعن في الضحى محرراً لحساب درهمها ومحمولها، ومصروفها ومحصولها، محترزاً على مباشرته من الخلل في هذين المكانين، حذراً من كفتها وقبانها فإنها تتكلم في الحمد أو في الذم بلسانين، بل تعلن- إن شاء الله- بحمده المقرر، وتكرر الأحاديث الحلوة عنه فمن عندها خرج حديث الحلو المكرر؛ والله تعالى يمد مساعيه بالنجح الوفي، ويلهم همته أن تنشد: ما أبعد العيب والنقصان من شرفي!.
توقيعٌ بنظر دار الطراز، من إنشاء ابن نباتة؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت سيره بمرقوم المحامد مطرزة، ودولته بمحاسن التأييد والتأبيد معززة، ونعمه ونقمه: هذه على الأعداء مجهزة وهذه إلى الأولياء مجهزة- أن يرتب فلانٌ: لكتابته التي رقمت الطروس، وطرزت بالظلماء أردية الشموس، وأثمرت أقلامه بمحاسن التدبير فكانت في جهات الدول نعم الغروس، وحسابه الذي ناقش ونقش، ورقم الأوراق ورقش، واعتزامه الذي علم رشداً، وسلك طريقاً في الخدمة جدداً، وقوي اسمه وتكاثرت أوصافه فما كان من أنداده أضعف ناصراً وأقل عدداً؛ وأنه الكافي الذي إذا قدم نهض، وإذا سدد سهم قلمه أصاب الغرض، والسامي إلى سماء رتبه بالقلب والطرف، والمنزه لقلمه الحر من أن يستعبد على حرف.
فليباشر هذه الوظيفة بكفاءةٍ عليها المعول، وأقلامٍ إذا تمشت في دار الطراز على الورق قيل: شم الأنوف من الطراز الأول، مستدعياً لأصنافها ومالها، عادلاً في قسمة رجائها ورجالها، معملاً راحته بالقلم فإن كتابتها متعبة، مهتدياً في طرق حسابها فإنها متشعبة، ماشياً على نهج الاحتراز، ساعياً إلى الرتب بإرهاف عزمٍ كالسيف الجراز، سعيد السعي- إن شاء الله تعالى- حتى يقول سناء الملك المستنهض له: هذا القاضي السعيد وهذه دار الطراز؛ والله تعالى يوفقه في جميع أحواله، ويؤيد مساعي قلمه الذي تنسج أقلام الكفاة على منواله.
توقيعٌ بنظر الرباع، من إنشاء الشيخ صلاح الدين الصفدي، باسم القاضي نجم الدين أحمد بن نجم الدين محمد بن أبي الطيب؛ وهو: رسم بالأمر العالي- لا زال نجم آلائه يتقد نوراً، وخاطر أوليائه يتحد بالآمال سروراً- أن يرتب المجلس السامي القضائي- أدام الله تعالى علوه- في نظر الرباع الديوانية، ومباشرة الأيتام- حرسهم الله تعالى- على عادة من تقدمه وقاعدته، بالمعلوم الذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت: لأنه النجم الذي بزغ في أفق الرآسة، وجمل ما آثره قبيله وأناسه، والأصيل الذي شاد الفضل مجده، وأحكم الفخر عقده، والرئيس الذي يصدق التفرس في شمائله، ويحكم الظن الصائب في أثناء مخايله.
فليباشر ذلك مباشرةً هي معروفةٌ من هذا البيت، مألوفةٌ من كبيرهم وصغيرهم: فإنهم لا لو فيهم ولا ليت، معتمداً على سلوك طريقة أخيه وأبيه، مجتهداً على اتباع اعتمادهما في توخيه الصواب أو تأبيه، حتى يقال: هذا صنو ذلك الغصن الناضر، وهذا شبل ذلك الليث الخادر، وتصبح الرباع بحسن نظره آهلةً بالأهلة، كاملةً بالمحاسن التي تمسي الأقمار منها مستهلة، وتعود الأيتام بمشارفته كأنهم لم يفقدوا بر والدهم، ولم يحتاجوا مع تدبيره إلى مساعدهم. والوصايا كثيرةٌ وأهمها تقوى الله عز وجل فإنها الحصن الأوقى، والمعقل المنيع المرقى؛ فليتخذها لعينيه نصباً، وليشغل بها ضميره حتى يكون بها صباً؛ والله تعالى ينمي غصنه الناضر، ويقر بكماله القلب والناظر؛ والخط الكريم أعلاه الله تعالى أعلاه، حجةٌ في ثبوت العمل بما اقتضاه؛ والله الموفق بمنه وكرمه!.
توقيعٌ باستيفاء المقابلة واستيفاء الجيش؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زالت المناقب في دولته الشريفة شمسية الأنوار، قرشية الفخار، مشتقة المحامد من الأسماء والآثار، محصلة بأقلام اليمين ما يبذله الكرم من أقسام اليسار- أن يستقر..................... حسب الاستحقاق المقتضى، والاختيار المرتضى، وعين الرأي الذي ما بينه وبين الرائي حاجب، وتقدم السنة القديمة فإن التقديم لقريش واجب، ولأن الصفات الشمسية أولى بشرف آفاقها، ومنازل إشرافها وإشراقها، ومطالع سعدها المنزهة عن اللبس، وجلائل قلمها العطاردي في يد الشمس، ولأن المشار إليه أحق بمصاعد المرتقين، ولأنه تربى في بيت التقى فكان الله معه إن الله مع المتقين.
فليباشر هاتين الوظيفتين على العادة المعروفة بعزمه السديد، ومدات قلمه التي بحرها في السبع بسيطٌ وظلها في النفع مديد، وليتمثل بديوان مقابلة فريداً لا يرهب مماثلة، وليجبر أحوالها بضبطه حتى يجمع بين الجبر والمقابلة، وليمد لجيوش المنصورة من أوراقه بأعلامه، ومن قصبات السبق برماحٍ تعرف بأقلامه، وليسترفع من الحسبانات ما يمحو بإيضاحه وتكميله من مقدمات ظلم وإظلام، وليجمع بين ضرتي الدنيا والآخرة في شريعة الإسلام، والله تعالى يمد قرشيته بأنصار من العزم، وتابعين بإحسانٍ من نوافذ نوافل الحزم.
توقيعٌ بصحابة ديوان الأسواق، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو: رسم بالأمر- لا زالت أسواق نعمه قائمة، وأجلاب كرمه دائمة، ولا برحت المناصب مكملةً بكفاة أيامه الذين يحققون ظنونها السامية ويرعون أحوالها السائمة- أن يرتب فلانٌ..................... علماً بكتابته التي وسمت الدفاتر أحسن سمة، واستبقت إلى صنع الخير المسومة، وكفاءته التي لا تزال تنمو لديه وتنتمي، ويراعته التي إذا سئل عنها السوق قال: هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي، ودرايته التي تعين المملكة على المير، ويشهد تيمنها أن الخيل في نواصيها الخير، وتحقق فيه الظن والأمل، وتحوط السوق عن الخائن حتى يقول: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وأنه الكافي الذي إن قال أو فعل كان مسدداً، وإن ضبط ديوان الشد السعيد كان على الزائغين من الكتبة حرفاً مشدداً.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة متمكن الأسباب، مالك الحزم والرفق حتى تكثر لديه الجلاب، معيناً لبيت المال على الإنفاق، قائماً بحقوق ذوي الاستحقاق، عالماً أنه متولي أكثر جهات الخير المطلق فليكن بها مشكوراً على الإطلاق، مجتهداً في رضا المطالبين حتى يتبعوا سنن المرسلين في هذه الصفة يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، مواظباً على الديوان الذي هو بصحابته معدوق، سالكاً سبل الصيانة والكفاءة فكلاهما نعم السبيل المطروق، محترزاً من ذي خيانةٍ إن غفل عنه طفق مسحاً بالسوق؛ والله تعالى يوفق عزائمه التي هي أشهر من علم، وهمته التي قاسمت أبا الطيب: والخيل تشهد والقرطاس والقلم.
نسخة توقيعٍ بشهادة الخزانة العالية، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لجمال الدين عبد الله بن العماد الشيرازي؛ وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زالت سمة المناصب في دولته بأسماء الكفاة مجملة، وخلع المفاخر على بيوت السيادة مكملة، وخزائن الملك بين نقيضين من جنسٍ واحدٍ: فبينما هي بأقلام الكفاة محتفظةٌ إذا هي بأقلام الكفاة مبذلة- أن يستقر المجلس السامي...............................: علماً بمحاسنه التي وضح جمالها، وتفسح في العلياء مجالها، ونجح في منابت الفضل أصلها، وشرف بكواكب اليمن اتصالها، ومعاليه التي تهلل بها وجه الأصالة، وكمل بيت الرآسة والجلالة، ومساعيه التي استوفى بها أجناس الفضل وتوريثه فما أخذها عن كلالٍ ولا ورثها عن كلالة، وسيرته التي تطوي فخار الأقران حين تنشر، وهمته التي أنشدت السعادة فرعها الكريم: مباديك في العلياء غاية معشر، ومكانته من بيت السيادة الرفيع عماده، البيدع سنده المنيع سناده، المديد من تلقاء المجرة طنبه الثابتة من حيز النجوم أوتاده، وأنه نجل السراة الذين أخذوا من الفضل في كل وادٍ، واستشهدوا على مناقبهم كل عدوٍّ وكل واد، وحملوا من صناعاتهم راياتٍ عباسيةً سارت بها رماح أقلامهم تحت أبدع سواد، وملأوا قديم الأوطان بشرف الأخير: فسواءٌ على شيراز محاسن ابن العميد ومحاسن ابن العماد، وتبينت مناقبهم بهذا النجل السعيد طرق المراتب كيف تسلك، وإحراز المناصب كيف يكون لها يد أرباب البيوت أملك، ودرجات الوظائف كيف تسر الوالد بالولد حتى يقول: لا أبالي هي اليوم لي أم لك!؛ كم استنهض والده لجليل فكفى، وجميل قصدٍ فوفى، وأوقاتٍ علت حتى أضحت إلى علاه تنتسب، ومناصب رزق- بتقواه فيها- من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب؛ وجاء هذا الولد ذخيرة والده فحسنت للخزانة الذخيرة، وعضدت الأولة من السيادة بالأخيرة.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً هي أعلى منها وأشرف سيرة، مجتهداً فيما يبيض وجه علمه ونسبه، عارفاً قدر هذه الرتبة من أوائل رتبه، متيقظ الأفكار والطرف، متأرج المعرفة إذا ذكروا العرف، زاكياً تبر شهادته على التعليق فلا ينتقد عليه في متحصل ولا صرف، حتى تقول الخزانة: نعم العزم الشاهد! وحتى يشهد بوفاء فضله المضمون، وحتى يعلم بأمانته أن عبد الله هو المأمون؛ وتقوى الله تعالى في الوصايا أول وأولى ما تمسك به، واستقام على شرف مذهبه؛ والله تعالى يسر الإسلام بتنبيه قدره ويقر الأوصاف بمهذبه!.
توقيعٌ بشهادة الأسوار؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يمد على الإسلام من عنايته سوراً، ويجدد للأولياء براً ميسوراً، ويسعدهم بكل توقيع يكون بالحساب يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً- أن يرتب المجلس.......................: علماً بعزمه الساهد، وحزمه الشاهد، وكفاءته وأمانته التي ما كان وصفهما حديثاً يفترى، ونظراً لحاله وحال الأسوار: فيا لها شهادةً كان أصلها نظراً.
فليباشر هذه الرتبة المباركة كما عهد منه مباشرةً حسنة الآثار، مشرقة الأنوار، جاعلةً تلك العمائر حليةً لدمشق: فبينما هي سورٌ إذا هي سوار، ضابطاً لمتحصلها ومصروفها، محرراً لوقفها من وقوفها، جارياً على جميل عادته، زاكياً بكرم الله تعالى على التوفيق تبر شهادته، حتى تشهد هذه الوظيفة بهمته المتمكنة الأسباب، ويضرب بين المدينة وبين من كادها بسورٍ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب؛ والله تعالى يسدده في كل أمر، ويحفظ همته وبركته ليوم كريهةٍ وسداد ثغر.
توقيعٌ بمشارفة خزائن السلاح، لمن لقبه جمال الدين إبراهيم؛ وهو: رسم بالأمر العالي- أعلى الله تعالى أعلام حمده، وجعل أحكام المقادير من جنده، ولا زالت أفلاك الشهب من خزائن سلاح سعده- أن يرتب.........................: حملاً على حكم النزول الشرعي، والطلوع إلى رتب الاستحقاق المرعي، وعلماً بكفايته التي بلغته آمالاًن وجعلت للوظائف بذكره جمالاً، وثمرت بقلمه للجهات مالاً، وأوصلته على رغم الأنداد لما لا، واعتماداً على أمانته التي أعدها ملاذاً، واكتفى بها سلاح عزمه نفاذاً، وصيانته التي طالما اعترض لها عرض الدنيا فقالت: يا إبراهيم أعرض عن هذا، واستناداً إلى نشأته في بيتٍ علت في المناصب أعلامه، وصدقت في المراتب حلومه وأحلامه، وتناسبت الآن تصرفاته السعيدة: فإما في تدبير الجيوش وإما في تثمير السلاح أقلامه.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بعزمٍ بادي النجا والنجاح، وقلمٍ على حالتي وظيفته وهمته ماضي عزم السلاح، مقرراً لعملها ومعمولها، ضابطاً لواصلها ومحمولها، حتى يذهب لسان سيفها بشكره، وتطلع أهله قسيها بيمامن ذكره، وتكون كعوب رماحها كلها كعبٌ مباركٌ بمباشرته وبشره؛ والله تعالى يسدد قلمه في وظيفته تسديد سهامها، ويوفر له من أنصباء المراشد وسهامها.
قلت: وهذا توقيعٌ بوظيفةٍ بكتابة ديوانية لسامري، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال قلم أوامره الفضي يظهر ثمره، مسمعاً حديث الإنعام الشامل حتى سمره- أن يرتب فلانٌ في كذا: علماً بكفايته التي يعذر بها في قومه على سلوك التيه، وحذق حسابه الذي هو ألذ من السلوى لمجتنيه ومجتبيه، وقريحته التي إذا اختارها اختيار قوم موسى فاز من العمل بمطلوبه، وإذا قيل: يا سامري ما قدمك على القرناء في الحساب؟ قال: بصرت بما لم يبصروا به، وأمانته التي حاطت حياطة الصعدة السمراء، ورفعت رايته على الأنداد قائلةً: ما حاط البيضاء والصفراء كصاحب الحمراء!، واعتماداً على كتابته التي شهدت بها من حسباناته الأسفار المبينة، وإقراءً لصناعاته التي سحرت الفكر حتى قيل: هذا من شعب القرايين والكهنة.
فليباشر هذا الاستيفاء لأوفى منه مترقياً، ولكلمات الاختيار متلقياً، ناهضاً بالخدمه، مجدداً باعتزامه الإسرائيلي ذكر النعمة، عارفاً قدر الإنعام الذي رعى وشمل كل ذمة، سالكاً من الاجتهاد في خدمة حسابه كل طريقة، غائظاً للحساد من أهل ملته: فيعبدون العجل مجازاً وحقيقة، مجتهداً في استنزال المن لا المنع، معوذاً آلاف الحواصل بعشر كلماتٍ راتبةٍ منه في السمع، معلقاً على جميعها هيكلاً من أمانته فهو أدرى في الهيكل بشرط الجمع، صائناً لنفسه من عدوان الخيانة حتى لا يعدو في سبتٍ ولا في أحد، متنزهاً عن أكل المال مع الخونة حتى يقال: نعم السامري الذي لا يأكل مع أحد.
الضرب الثاني من الوظائف الديوانية بالشام: ما هو خارجٌ عن حاضرة دمشق:
وغالب ما يكتب فيها من التواقيع مفتتح برسم.
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بنظر غزة؛ وهي: رسم بالأمر- لا زال النصر المكرر، يحلو بذكره، والسعد المقرر، يجلو وجوه الآمال بدهره، ولا برح سراج الخدم مضيئاً عند ليالي نهيه الحالك وأمره- أن يستقر فلانٌ..................: لما عرف في المناصب من نهوضه الذي راق وراج، وفي المهمات من رأيه الذي يمشي أحوال الجهات المستقيمة بسراج، ولما شهر له في الأنظار المتعددة من علو الهمم، وفي الوظائف المترددة من العزمات التي يقول السداد: نبه لها عمراً ثم نم، ولما وصف من أمانته ودرايته وهما المراد من مثله، ورآسة خلقه وخلقه المشيدين عن حسن الثناء وسهله، وآثاره الحميدة المنتقلات وكيف لا؟ وهو المنتسب إلى سلفٍ يحمد لسان الإسلام أثر عقله ونقله.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة على العادة مباشرةً يحمد أثرها، ويسند عن صحيح عزمه خبرها وخبرها، ويورق بغصون الأقلام ورق حسابها ويروق ثمرها، مجتهداً فهو من نسل المجتهدين في عوائد التحصين والتحصيل، والتأثير والتأثيل، ملياً بما يجبر كسر هذه البلاد بالصحة ويأسو جرحها بعد التعديل، حريصاً على أن يحيي- بمشيئة الله تعالى وتدبيره- عملها الذي لم يبق الموت من ذمائه غير القليل، سالكاً من النزاهة والصيانة طريقته المثلى، ومن الكفاءة والأمانة عادته التي ترفع درجته- إن شاء الله- إلى ما هو أعلى وأغلى، مسترفعاً للحساب ولقدره في الخدمة، شاكراً: فإن الشكر ضمينٌ لازدياد النعمة بعد النعمة، سراجاً وهاج الذكاء على المنار ولا ظلم مع وجوده ولا ظلمة؛ والله تعالى يعلي قدره، ولا يطفيء ذكره.
توقيعٌ بصحابة ديوان الحرمين، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه شمس الدين؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زالت أوامره نافذةً في الآفاق، عاطفةً عطف النسق على ذوي الاستحقاق، مطلعةً شمس التقى والعلم في منازل الإشراق- أن يستقر المجلس...............................: علماً باستحقاقه لما هو أكثر وأكبر، وأوفى وأوفر، وإطلاعاً لشمسه وإن اعترضها غم غيم في مطالع شرفها الأنور، وإعلاماً بأنه غيمٌ يزور ويزول، ونقصٌ لا يقيم إلا كما يذهب عارضٌ من أفول، واعتماداً على ما عرف من وفاء صحابته، وألف من سناء درايته ودرابته، ووصف من أيام ديونته بعد أيام حكمه بعد أيام خطابته!، واستناداً إلى نشأته في بيت العلم المستفاد، والحكم المستجاد، والفضل المستزاد، وتربية الوالد الذي كان الاختيار يحلف بالفخر أنه ما يرى أظهر من ذات العماد.
فليباشر صحابة ديوان هذين الحرمين الشريفين بأملٍ مبسوط، وحالٍ بينما هو منحوس حظٍّ إذا هو- إن شاء الله- مغبوط، واجتهادٍ مضمونٍ لجدواه فضل الزيادة، وسيرٍ لا يزال بشمسه حتى تجري لمستقر لها من منازل السعادة، ومباشرةٍ لأوقافها تعان وتعاد أجمل إعانةٍ وأكمل إعادة، وصحابة يتنوع في نفعها ويتعين حتى تكون منه عادةً ومنها شهادة.
توقيعٌ بنظر الشعرا وبانياس، من إنشاء ابن نباتة، لمن لقبه صدر الدين واسمه أحمد بالعود؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت صدور الكفاة منشرحةً في أيامه، [منسرح]ة الآمال في إنعامه، ولا برح عوده أحمد إلى المناصب في ظلال سيوفه وأقلامه.
ومنه: فليباشر هذه الوظيفة الشاكرة له أولاً وآخراً، وليجتهد فيما يزيده منن الاعتناء والاغتناء باطناً وظاهراً، وليستزد بشكره من النعمة فما أخلف وعد المزيد شاكراً، وليحرص على أن يرى أبداً في المراتب صدراً ولا يرى عن ورود الإحسان صادراً.
توقيعٌ بنظر حمص، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لابن البدر ناظر حمص بالنزول من أبيه عندما أسن؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال حسن النظر من مواهبه، ويمن الظفر من مراكبه؛ وسقي البلاد صوب العدل من سحائبه، ولا برح سنا البدر من خدمه فإذا أحس بالسرار ألقى الخدمة إلى أزهر كواكبه- أن يستقر المجلس.................................: لما علم من رأيه الأسد، وعزمه الأشد، ومربى والده حتى يبين عظم الهناء بالشبل عندما وهن عظم الأسد، وركوناً إلى نجابته التي سمت أصلاً وفرعاً، وقدمت غناءً ونفعاً، وتبسمت كمائم أصلها المستأنفة حيث كاد الزمان ينعى منه ينعاً، واستناداً إلى أن الصناعة شابة، ونسمات التمكين هابة، وإلى أن أغصان العزائم نضرة، وإلى أن مع القدرة قدرة، وإلى أن كوكب العز في المنزلة قد خلف بدره، واعتماداً على سهام تنفيذه الصائبة، وأحكام هممه الواجبة، وأقلام يده التي تحسن إخراج الأمل فيه وكيف لا؟ وهي الحاسبة الكاتبة.
فليباشر هذا النظر المفوض إليه سامياً نظره، زاكياً في الخدمة خبره وخبره، شاكراً هذا الإنعام الذي بر أباه وأسعد جده ومزيد الإنعام مضمون المزيد لمن شكره، عالماً أن هذه المملكة الحمصية من أقدم ذخائر الأيام، وأكرم ما أفاء الله من غنيمتها وظلها على جند الإسلام، وأنها من مراكز الرماح كما شهر فليمدها من تدبيره برماح الأقلام، وليواظب بحسن نظره على تقرير أحوالها، وتقريب آمالها، وتأثير المصالح في أعمالها، ولا يحمص أمرها في التضييق فكفى ما حمصتهاالأيام على تعاقب أحوالها، بل يجتهد في إزاحة أعذارها بسداد الرأي الرابح، وإشاعة الذكر الحسن مع كل غادٍ ورائح، ورفع الأيدي بالأدعية الصالحة في تلك المشاهد للملك الظاهر في هذا الوقت والملك الصالح، حتى يشهد سيف الله خالد بمضاء سيف حزمه وعزمه، وحتى يتوفر من غرض الخير والحمد نصيب سهمه؛ وتقوى الله تعالى أول الوصايا وآخرها فلتكن أبداً في همة فهمه.
توقيعٌ بنظر الرحبة من إنشاء ابن نباتة لمن لقبه تاج الدين؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال مليء السحاب، بسقيا الآمال الواردة، مملوء الرحاب بكفاة الأعمال السائدة، مخدوم الممالك والأيام بأقلام الدواوين الحاسبة وأقلام الدواوين الحامدة- أن يستقر.........................: لكفاءته التي وافق خبرها الخبر، ونشر ذكرها نشر الحبر، وصناعة حسابه التي لو عاش أبو القاسم المعري لم يكن له فيها قسيماً، ولو عاصرها ابن الجراح بقدمه وإقدامه لانقلب عنها جريح الفكر هزيماً؛ بل لو ناوأه الشديد الماعز لذبح بغير سكين، والتاج الطويل لرجع عن هذا التاج الطائل رجوع المسكين.
فليباشر ما فوض من هذه الوظيفة إليه، ونبه الاختبار فيها نظره الجميل وناظريه، جارياً على عوائد هممه الوثيقة، ماشياً على أنجح طريق من آرائه وأوضح طريقة، نازلاً منزلة العين من هذه الجهة التي لو صورت بشراً لكان ناظرها على الحقيقة؛ مفرجاً لمضايقها حتى تكون كما يقال رحبة، مقتحماً من حزون أحوالها العقبة وما أدراك ما العقبة؟، فك من رقاب السفار المعوقين رقبة، وأطعم أرباب الاستحقاقات في يومٍ ذي مسغبة، وساعف بتيسير المعلوم كل كاتبٍ ذي متربة، حريصاً على أن يغني الديوان بوفره، وتغني حداة التجار بشكره، وعلى أن يقوم رجال الاستخدام في المهمات بنصره، وعلى أن تساق بفضي قلمه الأموال أحسن سوق، وعلى أن يكون لأهل الرحبة من إحسانه مالكٌ ومن جدوى تدبيره طوق؛ والله تعالى يوضح في المصالح منهاجه، ويعلي على رؤوس الأوصاف تاجه.
توقيعٌ بنظر جعبر قبل أن تنقل إلى عمل حلب، من إنشاء ابن نباتة، كتب به لهبة الله بن النفيس؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت المناصب في دولته الشريفة تستقبل هبة الله بشكرها، ونتائج الذكر النفيس بمقدمات نشرها وبشرها- أن يرتب.................................................: لكفاءته التي اشتهرت، وأمانته التي طهرت فظهرت، ومباشرته التي ضاهت نجوم السماء إذا زهرت، ونجوم الأرض إذا أزهرت، وأنه الذي جرب عزمه فزكا على التجريب، ورقي في مطالع التدريج والتدريب، ونص حديث اجتهاده المقرب فكان سابقاً على النص والتقريب، وأن هذه البقعة المباركة ممن أطاب التاريخ خبرها، وقص سيرها، وحمد صاحبها العقيلي من قديمٍ أثرها، وعرف بركتها لما استسقى بها من السماء على لسان بعض الحيوان مطرها.
فليباشر هذا الثغر المحروس بكفاءة باسمة، وعزمةٍ كالحسام لأدواء الأمور حاسمة، ورأيٍ للنجاح حسن الاستصحاب، وتثميرٍ كما ملأ الرحبة فليملأ بمضاعفته الرحاب، موفراً العدد للحواصل وحواصل العداد، فاتحاً لأفواه القفول بذكره الجميل في التهائم والنجاد، ماشياً فيما يأتي ويذر على سداد الطرق وطرق السداد.
توقيعٌ بنظر البقاع، من إنشاء ابن نباتة؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يهنيء للكفاة رزقاً، ويهيء لتجديد المناصب مستحقاً، ولا برحت البقاع بأيامه الكريمة تسعد كما تسعد الرجال ولا تشقى- أن يرتب........................... حسب ما تضمنته مكاتبة الجناب الفلاني: منبهاً على قدر هذا الناظر المهذب وصفه، المرتب على نحو الثناء نعته وعطفه، المشهور بمباشرته انتفاع الوظائف وارتفاعها، الشاهد بكفاءته وأمانته مسالك الأعمال وبقاعها، واعتماداً على مباشرته الزكية، وكتابته التي لا يداهنها المداهنون وهي نعم البعلبكية.
فليباشر هذه الوظيفة المتيمنة بمطالع رشده، ومطالب سدده، عالماً أن البقاع كالرجال تسعد وتشقى: فليكن سعدها على قلمه ويده، مجتهداً فيما يبيض وجه شاكره، حريصاً على ازدياد الصفات التي كانت في عقد حساب العمل محل بنانه فجعلته الآن محل ناظره، مثمراً لأموال النواحي وغلالها، واضعاً عن أرباب الاستحقاقات ما عليها من سوء التدبير: من إصرها وأغلالها، محتاطاً لنفسه في الحوطات حتى لا يذكر إلا بخير، ولا يعرف قلمه إلا بمير، ناثراً حب حبه حتى تهوي إليه ألفاظ الثناء هوي الطير، جاعلاً تقوى الله مقصده: فإنها السبيل إلى فوز الدارين لاغير.
الصنف الرابع مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام: تواقيع مشايخ الخوانق:
وهي على ضربين:
الضرب الأول: ما هو بحاضرة دمشق، وهو على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: ما يفتتح بالحمد لله:
وهو توقيع شيخ الشيوخ بدمشق: وهي مشيخة الخانقاه الصلاحية المعروفة بالشميصاتية، وقد تقدم أنها يكتب بها أيضاً من الأبواب السلطانية. ثم هي تفرد تارةً عن كتابة السر بالشام، وتارة تضاف إليها.
توقيعٌ بمشيخة الشيوخ بالشام، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للشيخ علاء الدين علي مفردة عن كتابة السر؛ وهو: الحمد لله الذي جعل شرف أوليائه علياً، وفضله الجليل جلياً، واتصال علائهم كاتصال كوكب الشرف بإيلاء الخيرات ملياً، وحاضر أفقهم كغائبه إذا سطرت دعواته واستمطرت هباته كان على كلا الحالين ولياً.
نحمده على توالي النعم الأنيقة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تستمر بأصلها فروع الحقيقة، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أجدر الخلق بكرم الخليقة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا بهداه أحسن طريق وسلكوا في أحسن طريقة، صلاةً دائمةً لا تزال بها عقائد الإخلاص موثقة وألسنة الذكر طليقة، وتحيةً إذا بدت في حضرة الإدكار كانت للأعين من النور نهاره وكانت للأنجم من القدر شقيقه.
أما بعد، فإن أولى المراتب الدينية بتقديم العناية، وتفخيم الرعاية، وتكريم التولية ولاسيما إذا كانت منتسبة إلى أهل الولاية- مرتبة مشيخة الشيوخ التي يجمع عباد الله الصالحين نطاقها، ويضمهم رواقها، وتطلعهم مطالع كواكب الهدى آفاقها المنيرة وأوفاقها.
ولما خلت الآن هذه الرتبة بالشام المحروس من شيخ تدور هذه الطائفة على قطبه، وتجتمع على مائدة قرباته وقربه، وتمشي على قدمه وتناجي صلاح أحوالها عن قلبه- تعين أن نختار لها من كملت بالله أداته، وصفت في مشاهد الحق ذاته، وزكت في علمي الإبانة والأمانة شهادته المفصحة ومشاهداته، وأجمع الناس على فوائد تسليكه واسلاك قلمه حيث بدت في وجوه الحسن حسناته، ووجوه الشام شاماته، لما شهر من معرفته وعرفانه، ولما دعي له ببقاء نوح لما فاض في العلم من طوفانه، ولما قام في الأذهان من طبقة قدره الموصوف، ولما سار من رسالة أخباره فإذا قالت الآثار: هذا السري قال الإيثار: وفضله معروف.
فليباشر هذه المشيخة المباركة بصدرٍ للسالكين رحيب، وبر للسائلين مجيب، وفضلٍ يقول الرائد والمريد بدار إقامته: قفا نبك من ذكر منزلٍ وحبيب، وبشر وبشر يملآن عين المجتلي ويد المجتدي، وعطفٍ ولطفٍ إذا قال الذاكر لمن مضى: راح مالكي! قال المعاين: وجاء سيدي؛ وليراع أمور الخوانق الشامية ما غاب منها وما حضر، وما سمع منها وما نظر، وليهذب قلوب ساكنيها حتى يعود كإخوان الصفاء من المودة قومٌ كانوا إخوان الصفا من الحجر، قائماً بحقوق الرتبة قيام مثله من أئمة العلم والعمل، داعياً لهذه الدولة العادلة فإنه أقصى دواعي الأمل، معرباً- لأن العربية من علومه- عن الإيضاح غنياً عن تفصيل الجمل؛ وهو المسلك فما يحتاج لتسليك درر الوصايا، المخبوء لمثل هذه الزوايا المبرورة: فنعم الزوايا المحبوة بنعم الخبايا؛ والله تعالى يعيد على الأمة بركاته، ويمتعهم باستسقاء الغيوث: إما ببسطها عند بره، وإما ببسطها عند دعواته.
وهذه نسخة توقيع بمشيخة الشيوخ بالشام أيضاً، مضافةً إلى كتابة السر به، كتب بها للقاضي ناصر الدين محمد بن أبي الطيب كتب السر بالشام بالمقر الشريف؛ وهي: الحمد لله الذي شرح صدور أوليائه بمعرفة الحق واتباعه، وجعلهم خواصه الذين غدوا من أتباع الحبيب وأشياعه، ورفع ذكرهم على رؤوس الأشهاد وآواهم إلى مقام الأنس في محل القرب بالتسليك المحمدي الذي أوصل إليه مزيده بانقطاعه، وخصهم ببركات من حضهم على الأعمال الصالحة بقصده الجميل وعلمه الغزير واتضاعه، ومنحهم بمن أوضح لهم الطريق المستقيم بإبدائه الحق وإبدار إبداعه، وغذاهم بالحكمة فنشأوا بالمعرفة وصار لهم العقل السليم بالتحفظ من الأهوية الردية فسلمت لهم الطيبة على قانون الصحة بحسن تركيبه وأوضاعه، وأفاض عليهم من بحر علمه ما نالوا به الرشد فصاروا أولياء بملازمة أوراده ومتابعة أوزاعه.
نحمده على ما ألهمنا من وضع الشيء في محله، وإيصال الحق إلى أهله، وإجابة سؤال الفقراء وإعانتهم بمن أغناهم عن السؤال بفضائله وفضله، حمداً يعيد كشاف الكرب على مريديه وطلبته، ويرفع مقام من قام بشعار الدين بتعظيم قدره وعلو درجته، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي من تقرب منه ذراعاً، تقرب منه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة وإذا تقرب إليه عبده بالنوافل أحبه، وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبة، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أضاءت الأكوان من نور هديه فاهتدت به أصحاب المعارف المسلمون لموجدهم الأمر والإرادة ومن هو روح الوجود الذي أحيا كل موجود وسلك طريق سنته الموصلة إلى عالم الغيب والشهادة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين صفت قلوبهم من الأكدار وإلى التقوى سبقوا، وصدقوا في المحبة فاستحقوا ثناء مولاهم: من المؤمنين رجالٌ صدقوا؛ فمنهم من شمت من فيه رائحة كبدٍ مشوية من خشية الله، ومنهم من حدث بما شاهده ببصره وبصيرته على البعد ورآه، ومنهم من أحيا ليله واستحيت منه ملائكة السماء، ومنهم من اتخذه أخاً إذ هو باب مدينة العلم وركن العلماء، صلاةً دائمةً تطيب أوقات المحبين، وتطرب بسماعها قلوب المتقين أهل اليقين؛ وسلم تسليماً.
أما بعد، فإن أولى من قدمناه إلى أهل الصلاح، ورفعناه إلى محل القرب وروح الأرواح، وحكماه على أهل الخير، ومكناه في حزب الله الذي غلب لما اجتهدوا على إخراج حزب الشيطان من قلوبهم وزحفوا على قراره بجيش التقوى وسمتهم الزهد وحسن السير، ووليناه أجل المناصب الذي تجتمع فيه قلوب الأولياء على الطاعة، وأحللناه أرفع المراتب الذي خطبه منهم خيار الجمع لجلوة عروس الجمال في الخلوة بعقد ميثاق سنة المحبة وشهادة قلوب الجماعة- من جمله صورةً ومعنى، وافتخر به أحاد ومثنى، وباشره على أحسن الوجوه، وبلغ كلاً من مريديه وطلبته من فضائله وفضله ما يؤمله ويرجوه، ومد موائد علومه المحتوية على أنواع الفضائل المغذية للقلوب، وجلس في حلل الرضا فكسا القوم الذين لا يشقى بهم الجليس ملابس التقوى المطهرة من العيوب، وظهر في محفلهم للهداية كالبدر وهم حوله هالة، وكان دليلهم إلى الحق فغدوا بتسليكه من مشايخ الرسالة، وجاهد في بيان معاني القرآن العظيم حتى قيل لما فسره: هذا مجاهد، واستدل على تنزيه من تكلم به- سبحانه- عن التشبيه والتعليل وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل على أنه واحد، ونقل الحديث المحمدي الذي هو موطأ لتفهيم الغريب منه وميز صحيحه لكل مسلمٍ فأطرب بسماعه الوفود، وأفاد العباد تنبيه الغافلين فقاموا في الخدمة فأصبحوا تعرفهم بسيماهم: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود}، وخفض جناحه الذي عبر به الشعرى العبور والنسر الطائر، وسار إحسانه إلى طوائف الفقراء فصار مثلاً فحبذا المثل السائر.
وكان فلانٌ- أعاد الله تعالى من بركاته وأسبغ ظلاله- هو الذي أقامه الله تعالى لهذه الطائفة المباركة مرةً بعد مرة، وذكرت صفاته الجميلة فكان مثله للعيون قرة، واتصف بهذه الصفات التي ملأت الأفواه والمسامع كما ملأت مرءآته المقل، وحصل البشر بمعروفه الذي تتبعه السري أبو يزيد فجرى على عادة القوم الكرام ووصل، ونبعت عناصر فضائله فكانت شراب الذين صفت قلوبهم من كدرها، وأمطرت سحائب علومه الإلهية الدارة من سماء الحقيقة فسالت أوديةٌ بقدرها، وظهرت لمعة أنوار شمس معارفه عند التجلي على المريد، وساق نفوس القائمين لما عز مطلبهم بأصله الذي شرح طلاسم قلب الفاني بذكر الباقي فغرقوا في بحار المحبة {وجاءت كل نفسٍ معها سائقٌ وشهيد}.
فلذلك رسم بالأمر العالي- لا زال يرفع أهل العلم والعمل إلى أعلى مقام، ويبني لهم في جنات القرب قصور الرضا: {لهم ما يشاءون فيها} ومزيدهم الإكرام- أن تفوض إليه مشيخة الشيوخ بالشام المحروس: وظيفته التي خرجت عنه، المرسوم الآن إعادتها عليه، عوضاً عمن كانت بيده، بمعلومي النظر والمشيخة الشاهد بهما ديوان الوقف المبرور إلى آخر وقت، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، تفويضاً نظمت بالقبول عقوده، ودامت في دار السعادة سعوده، وفي درج المعالي صعوده.
فليتلق ذلك بالقبول، وليبلغ الفقراء من إقباله الجم الذي ألجم عدوه المنى والسول، وليعامل المريدين بالشفقة المعروفة من رحمة دينه وإفضاله، وليشمل كلاً منهم بعنايته ولطفه فإن الخلق عيال الله وأحبهم إليه أشفقهم على عياله، وليأمرهم بملازمة إقامة الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل، وإذا مالوا- والعياء بالله تعالى- يوماً إلى منافسةٍ بينهم فليقل: اتقوا الله مااستطعتم وكونوا عباد الله إخواناً ولا تميلوا كل الميل، وليفسح لهم حرم الخير الذي وقفوا فيه تجاه قصر تعبده الذي علا بالجوهر الفرد وقوة الإخلاص، وليدخلهم منه جنة إقبال فوائده التي فيها من أبكار معانيه حورٌ مقصوراتٌ في خيام أداته لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ وأعجز قصره العالي وجوهره الغالي كل بناءٍ وغواص، وليجعلهم له على جبل اعتماده ومروة مروءته إخوان الصاف، وليقمهم في ركن مقام المناجاة إذا زمزم مطرب حيهم تلقاء أهل الوفا، وليقدم السابقين بمعرفة حقهم ونجدتهم بالورع الذي يغلبون به الشيطان فإن حزب الله هم الغالبون، وليداو قلوبهم المرضى بشراب المحبة وتركيب أدوية الامتلاء من الدنيا ليغتذوا وقت السحر بحديث هل من تائب، ولا يسقهم كاساتٍ تضعف عنها قوتهم حتى ينقوا من بردة الهوى المضرة ويغتسلوا بحار مجاري دموع الخشوع ويلبسوا جديد ملابس التقى ويغدوا من الحبائب. ومنه تعرف الوصايا، وعنه تنقل المزايا، وكرم الأخلاق والسجايا؛ وليأمر السالكين بمداومة الأعمال التي قامت بحسن العقائد واستقلت، وليحض المريدين أوائل التسليك على ذلك فإن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلت، وليعرفهم المحبة بذكر الله لئلا يقوموا على قدم الهيام، وليبين لهم المعنى إذا لم يعرفوا المعنى ليقطعوا الهواجر في طلب الصيام، وليفرق بين الواردات بملازمة الأوراد لئلا يقعوا من الاشتباه في حيرة، وليأمرهم بادخار العمل الصالح لتكون التقوى لقلوبهم قوتاً والزهد ميرة، وليقمع أهل البدع، وليرفع من اتضع، وليتفقد أحوال أوقافهم بجميع الخوانق والربط والزوايا بالجميل من النظر، وليزد في الأجور بما يؤثر فيها نظره الذي ما زال لهم منه أوفر نصيبٍ فحبذا العين والأثر؛ والوصايا وإن كثرت فهو مفيدها وعنده منبعها، وتقوى الله الذي هو شيخها ومريدها في بيته المبارك حلاوة ذوقها ومجمعها؛ والله تعالى يكلؤه في الليل والنهار بآياته البينات، ويرفعه بها ويرقيه إلى أعلى الدرجات.
المرتبة الثانية من تواقيع مشايخ الأمكنة بحاضرة دمشق: ما يفتتح بأما بعد حمد الله:
وفيها وظائف:
نسخة توقيع بمشيخة إقراء القرآن، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب بالمجلس العالي؛ وهي: أما بعد حمد الله رافع شهب الهدى أعلاماً، وجاعل رتب أفضلها أعلى ما، ومحل أحمدها من مدارس الآيات منازل بدرٍ إذا محا المحاق من هذا اسماً أثبت من سمو هذا قمراً تماماً، ومسكنه من مواطن الذكر جنات قومٍ بارتقائهم وبقاء ذكرهم خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ أرفع من اتخذ القرآن إماماً، وأنفع من عقد استحقاق النبوة على حمده خنصراً وجلا الحق بهداه إبهاماً، وعلى آله وصحبه أمنع من لبس بسرد الآيات درعاً واقتسم من بركتها سهاماً- فإن وظيفةً يكون القرآن الكريم، ربيع فصلها وفضلها، ورتبةً يكون الذكر الحكيم، مداوي قلوب جفلها، ومشيخةً يكون مريد الآيات البينات وارد زوايا أهلها- لأحق أن تتخير لها الأكفاء من ذوي الفضل الأثير، والأدلاء على أشرف نتاج الهداية من ذوي الحلم الساكن والعزم المثير.
ولما كانت مشيخة إقراء القرآن بالتربة المعروفة بأم الصالح بدمشق المحروسة، هي كما يقال: أم العلم وأبوه، وأخوه وحموه، وصاحبته وأهل الخلوات والآيات من بركته وتلاوته بالشمس وضحاها والقمر إذا تلاها، وكان فلانٌ هو الذخيرة المخبوءة لهذا الأمر، وذو السيرة المحبوة بهذا الشرف الغمر، وصاحب القراءة والبيان الذي لا يعوز زمان طلبته أبو عمر ولا أبو عمرو، والجامع لعلوم كتاب الله تعالى جمع سلامةٍ في فنه، وصحةٍ في شرف ذهنه، وجواز أمرٍ يشهد أن البحر يخرج لدى المشكلات من صدره ويدخل عند عقد الحبا في ردنه، والقاريء الذي إذا قال مبيناً قال الذي عنده علم الكتاب، والتالي الذي إذا قصر أو مد، مد إلى سموات العلى بأسبب، والمشير إلى علمه المرسوم بمصحفه فلا عدم إشارته ومرسومه أولو الألباب، والمجلي وإن سماه العرف تالياً، والمنقب عن غوامض التفسير: وابن النقيب أولى بسند التفسير عالياً، والإمام السني وإن سماه الشرع الإمام الحاكم دهراً وأقام له في أفق كل فضل داعياً، والسامي الذي يسلك بفخره على العراقي أوضح محجة، والعربي الذي ما للفارسي دخولٌ في باب تيقنه وإن جاء بحجة، وذو الروايات المروية سحائبه، وخلف العلماء الأبيض فما خلفٌ الأحمر مما يقاربه، ولا ثعلبٌ مما تضج لديه ثعالبه، ولا ابن خروفٍ مما يدانيه وهو الليث ومن الأقلام مخالبه، وبقية السادة القراء المنشد قول الحماسي:
وإني من القوم الذين هم هم ** إذا مات منهم سيدٌ قام صاحبه!

بدور سماءٍ كلما غاب كوكبٌ ** بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكبه!

تعين أن يخطب لهذه المشيخة خطبة الفتى لاقتبال مجده والشيخ لتوقيره، ويطلب لهذه الرتبة طلباً يقضي الأمل فيه بعنوان تيسيره.
فرسم بالأمر الشريف أن يستقر...............................: وضعاً للأشياء في محلها، ورفعاً لأقدار الأفاضل إلى أعلى رتب الفضل وأجلها، وعلماً بمقدار هذا العالم السابق في أفق الهدى شهاباً، المدفق على رياض العلم سحاباً، الناقل إلى مجالس الاشتغال خطاً يقول لها المؤمن بالإكرام والكافر بالإرغام: {يا ليتني كنت تراباً}.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله من ذوي الأناة والإفادة، وكفاة المناصب الذين على سعيهم الحسنى وعلى الدولة تصل الزيادة، وليسلك في الأشغال عادة نطقه الأحسن، وليعامل طلبته في المباحث بغير ما ألفوا من الخلق الأخشن، وليعلم أنه قد جمع بين بره وتربة الأم كي تقر عينها ولا تحزن؛ فليسرها بنبله، وليبرها بفضله، وليوفر السعي إليها كل وقت في المسير، وليفسر أحلام أملها فيه فمن مفردات علومه التفسير، وليحسن لتلامذته الجمع، وليحم حمى رواياتهم من الخطإ ولا عجب أن يحمى حمى السبع! تالياً كلام ربه كما أنزل وحسبه، داعياً بنسب قراءته إلى ابن كعبٍ فحبذا نسبه المبارك وكعبه، ناصباً بمنظر شخصه أشخاص أمثاله الأول بعد ما ضمهم صفيح اللحد وتربه، حتى يميس الكسائي في برد مسرته الفاخر، ويفتح عيون حمزة على زهرات روضٍ عبق المباخر، ويترنم ورشان ورشٍ في الأوراق على بحره الزاخر، ويظهر بفضله ذكر الشاطبي فيكون القاضي الفاضل رحمه الله قد أظهره في الزمن الأول والقاضي الفاضل أجله الله قد أظهره في الزمن الآخر؛ وتقوى الله تعالى كما علم ختام الوصايا البيض فليتنأول مسكها الذي هو بشذا المسك ساخر، والله تعالى ينفع بعلوم صدره الذي ما ضاق عن السؤال فمله، ويمتع بعلو قدره الذي إن لم يكن هو لفضل الثناء فمن له.
المرتبة الثالثة من تواقيع مشايخ الأماكن بحاضرة دمشق: ما يفتتح برسم بالأمر:
توقيعٌ بمشيخة الجواليقية، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زال حسن اعتقاده يستنزل النصر فينصر، ويستبصر مطالع الفوز فيبصر، ويستجلب الأدعية الصالحة من كل زاهدٍ إذا حام في أفق العبادة حلق وما قصر- أن يستقر................: حملاً على الوصية التامة الحكم والأساس؛ وعلماً بأنه ممن حل في مشيخته لباس بلاس، ونزع في الزهد عما عد زينةً في الناس، وسرح شعره حقيقة التسريح فأطلقه، ومحا رق سواده وبياضه فأعتقه، ولازم طريق مشايخه فما، وشكر الحال فجعل في منبت كل شعرةٍ لساناً للشكر وفماً، وسر طائفةً وردوا على آثاره مناهل الوفا، وصفت قلوبهم ووجوههم فدارت عليهم كؤوس إخوان الصفا، حتى مشوا إلى مطالب الخير مشي الرخاخ، وفاخروا أقواماً دنسوا عزة رتبتهم فلولا أدبهم لأنشدوهم: عقول مردٍ ولحى أشياخ.
فليقم في مشيخته قياماً يحيي القوم بأنفاسه، ويبهجهم بكرامة الكشف من قلبه وتكريم الكشف من راسه، سالكاً بهم في طرائق الخير مستبشرين، آمراً بتقصير الملابس ورعاً حتى يدخل بهم إلى النسك محلقين ومقصرين؛ والله تعالى ينفع به، ويغني حاله بمذهب مذهبه.
الضرب الثاني من تواقيع مشيخة الأماكن: ما هو بأعمال دمشق، وفيه مرتبة واحدة وهي الافتتاح برسم.
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بمشيخة الحرم الخليلي، من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، كتب به للشيخ شمس الدين بن البرهان الجعبري بالمجلس؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- أعلاه الله تعالى، وبسط عدله الذي لا يبلغه الواصف ولو تغالى، وسرى لأولياء بني الأولياء ببره الذي تسنن بسنة الغيث ثم توالى- أن يستقر......................... - أدام الله تعالى ببركته الانتفاع، وباقتداء سلفه الارتفاع، وأعاد من بركات بيته الذي قام البرهان بفضله وقال بوضوح شمسه الإجماع- في مشيخة حرم سيدنا الخليل صلوات الله عليه وسلامه، على عادته القديمة المقدمة، ومستقر قاعدته المعلومة المعلمة، بعد إبطال ما كتب به لغيره فإن هذا الولي أولى، ولأن الحق معه وباع الحق أطول على المعنيين إطالةً وطولاً، وضعاً للشيء في محله الفاخر، وحملاً على ما بيده من تواقيع شريفة توارث بركتها ملوك البسيطة في الأول والآخر، وعلماً أنه بقية العلم المشيد، والزهد العتيد، وخليفة السلف الصالح وما منهم إلا من هو أمين العزم رشيد، وأنه الشيخ وكل من عرفه في بقائه ولقائه مريد، والقائم بالمقام الخليلي- صلوات الله تعالى على ساكنه- مقاماً مجتبى، والمنتسب إلى خدمة الحرم الإبراهيمي مخدوماً صلى الله عليه ونسباً، والقديم الهجرة فلا تتركه الأوطان ولا تهجره، والمقيم بالبلد الخليلي على إقامة الخير: فما ضره أن العدو يشكوه إذا كان الخليل يشكره؛ وقد سبقت له مباشراتٌ في هذا الحرم الشريف فكان عزمها تماماً، وشكرها لزاماًن وكانت على الصادرين كتلك النار النبوية برداً وسلاماً.
فليعد إلى مباشرة وظائفه المذكورة في التواقيع الشريفة التي بيده، وليكن يومه في الفضل زائداً على أمسه مقصراً عن غده، بثناء يتلقى أضياف أبي الأضياف، بأليف أحوال الداخلين إليه شتاءً وصيفاً وإن لم تكن رحلة إيلاف، جارياً في بركة التدبير والتثمير على عادته وعادة سلفه فنعم الخلف ونعم الأسلاف، مواظباً على عادة تقواه ورفع الأدعية لهذه الدولة الشريفة، جاعلاً ذلك منه أول وآخر كل وظيفة؛ والله تعالى ينفع ببركات سلفه وبه، ويكافيء عن الأضياف بسط راحته بالخيرات وفضل تعبه.
توقيعٌ بمشيخة الزاوية الأمينية بالقدس ونظرها، كتب به للقاضي برهان الدين بن الموصلي بالجناب العالي؛ وهو: رسم............. - لا زال يجري الأولياء في مقاصدهم على أجمل عادة، ويختار منهم لمواطن الخير من يرعاها بنظرٍ يثمر لها السعادة- أن يحمل فلانٌ في وظيفتي النظر والمشيخة بالزاوية الأمينية بالقدس الشريف، على حكم النزول والتقرير الشرعيين المستمر حكمهما إلى آخر وقت، واستمراره في الوظيفتين المذكورتين بمقتضاهما، ومنع المنازع بغير حكم الشرع الشريف.
فليباشر ذلك بما يقتدى به من تسليكه وتأديبه، وتسرع رغبته في هذا المقام ومن عناية تهذيبه؛ والوصايا كثيرةٌ ولكن لا تقال لمثله إذ هو معلمها، وتقوى الله سبحانه أهمها وأعظمها؛ والله تعالى المسؤول أن يرشدنا إليها، وأن يجعل في كل الأمور اعتمادنا عليها، بمنه وكرمه!.
الصنف الخامس مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام: تواقيع العربان:
والذي وقفت عليه من ذلك مرسومٌ مكتتب بربع تقدمة بني مهدي بالمجلس السامي بغير ياء، كتب به لموسى بن حناس مفتتحاً بأما بعد؛ وهو: أما بعد حمد الله تعالى الذي جمع على الطاعة الشريفة كل قبيلة، وبسط على ذوي الإخلاص ظلال نعمه الظليلة، والشهادة بأنه الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة أتخذها للتوحيد دليله، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ ورسوله الذي اتخذه الله تعالى حبيبه وخليله، وآتاه الدرجة الرفيعة والوسيلة، وعلى آله وصحبه صلاةً مباركةً أصيلة- فإن الأولى لتزكية القوم ترعى، وذا الإخلاص ينجح له كل مسعى، والجدير بالنعم من يجب بالطاعة حين يدعى، من سلك في الخدمة الشريفة مسلك الأسلاف، وتجنب ما يفضي إلى الشقاق والخلاف؛ فعند ذلك رفعنا مراتبه، وضاعفنا مواهبه، وأنرنا بالإقبال الشريف كواكبه، وأجملنا مكاسبه، وبسطنا في ربع تقدمة بني مهدي كلامه، ونفذنا أمره على طائفته: قوله وإبرامه، من أضحى مشكوراً من كل جانب، مجتهداً في المصالح وبلوغ المآرب، من عرف بالأمانة فسلكها، واشتهر بالصيانة فملكها، وحاز أوصافاً حسنة، وسيرةً نطقت بها الألسنة، وكان فلانٌ هو الذي أضحى على عربانه مقدماً، ومن أكابرهم معظماً.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت مراسمه الشريفة عاليةً نافذة، وأوامره بصلة الأرزاق عائدة- أن يستقر........................... على عادته وقاعدته: حملاً على ما بيده من التوقيع الكريم.
فليباشر هذه الإمرة مع شركائه مباشرةً حسنة، وليسر فيها سيراً تشكره عليه الألسنة، وليظهر السداد، وليبذل الطاعة والاجتهاد، وليسلك المسالك الحسنة؛ والله تعالى يجعله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والوصايا كثيرةٌ وملاكها تقوى الله تعالى؛ والله تعالى يجعل إحساننا إليه يتوالى.
قلت: وقد تقدم أنه يكتب بإمرة بني مهدي من الأبواب السلطانية أيضاً. على أن هذا التوقيع من التواقيع الملفقة، ليس فيه مطابقة للتواقيع، وليس برائق اللفظ، ولا مونق المعنى.
الصنف السادس مما يكتب لأرباب الوظائف بالشام: تواقيع زعماء أهل الذمة من اليهود والنصارى:
وهذه نسخة توقيعٍ لبطرك النصارى مفتتحاً بأما بعد كتب به للبطرك ميخائيل وهي: أما بعد حمد الله الذي جعلنا نشمل كل طائفةٍ بمزيد الإحسان، ونفيض من دولتنا الشريفة على كل بلدٍ اطمئناناً لكل ملةٍ وأمان، ونقر عليهم من اختاروه ونراعيهم بمزايا الفضل والامتنان، والشهادة بأنه الله الذي لا إله إلا هو الواحد الذي ليس في وحدانيته قولان، والفرد المنزه عن الجوهر والأقنوم والوالد والولد والحلول والحدثان، شهادةً أظهر إقرارها اللسان، وعملت بها الجوارح والأركان، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ عبده ورسوله المبعوث إلى كافة الملل والإنس والجان، الذي بشر به عيسى وآمن به موسى وأنزل عموم رسالته في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فصح النقل بنبوته وآدم في الماء والطين وأوضح ذلك البرهان، وعلى آله وصحبه الذين سادوا بإخلاص الوحدانية، وشادوا أركان الملة المحمدية، وأعزوا الإيمان وأذلوا الطغيان، صلاةً ينفح طيبها، ويفصح خطيبها، ويفرح بها الرحمن- فإن أولى من أقمناه بطريكاً على طائفة النصارى الملكية، على ما يقتضيه دين النصرانية والملة العيسوية، حاكماً لهم في أمورهم، مفصحاً عما كمن في صدورهم- من هو أهلٌ لهذه البطريكية، وعارف بالملة المسيحية، أخذه لها أهل طائفته، لما يعلمون من خبرته ومعرفته، وكفايته ودربته، وندب إلى ولايةٍ يستحقها على أبناء جنسه، ورغب في سلوكه لها مع إطابة نفسه، مع ماله من معرفةٍ سرت أخبارها، وظهرت بين النصارى آثارها، وكان فلانٌ- أدام الله تعالى بهجته- هو من النصارى الملكية بالمعرفة مذكور، ومسيره بينهم مشكور، القائم فيهم بالسيرة الحسنة، والسالك في مذاهبهم سيراً تشكره عليها الألسنة.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه العميم لكل طائفةٍ شاملاً، وبره الجسيم لسائر الملك بالفضل متواصلاً- أن يستقر بطركاً على الناصرى المليكة بالشام وأعماله، على عادة من تقدمه في ذلك، وتقوية يده على أهل ملته، من تقادم السنين بحكم رضاهم، ومنع من يعارضه في ذلك: حملاً على ما بيده من التوقيع الكريم المستمر حكمه إلى آخر وقت.
فليباشر هذه البطركية مباشرةً محمودة العواقب، مشكورةً لما تحلت به من جميل المناقب، وليحكم بينهم بمقتضى مذهبه، وليسر فيهم سيراً جميلاً ليحصل لهم غاية قصده ومأربه، ولينظر في أحوالهم بالرحمة، وليعمل في تعلقاتهم بصدق القصد والهمة، وليسلك الطريق الواضحة الجلية، وليتخلق بالأخلاق المرضية، وليفصل بينهم بحكم مذهبه في موارثهم وأنكحتهم، وليعتمد الزهد في أموالهم وأمتعتهم، حتى يكون كل كبيرً وصغير ممتثلاً لأمره، واقفاً عندما يقدم به إليه في سره وجهره، منتصبين لإقامة حرمته، وتنفيذ أمره وكلمته؛ وليحسن النظر فيمن عنده من الرهبان، وليرفق بذوي الحاجات والضعفاء: من النساء والصبيان، والأساقفة والمطارنة والقسيسين زيادةً للإحسان، إحساناً جارياً في المساء والصباح، والغدو والرواح.
فليمتثلوا أمره بالطاعة والإذعان، وليجيبوا نهيه من غير خلاف ولا توان؛ ولا يمكن النصارى في الكنائس من دق الناقسو، ورفع أصواتهم بالضجيج ولا سيما عند أوقات الأذان لإقامة الناموس، وليتقدم إلى جميع النصارى بأن كلاً منهم يلزم زيه، وما جاءت به الشروط العمرية لتكون أحوالهم في جميع البلاد مرعية، وليخش عالم الخفيات، وليستعمل الأناة والصبر في جميع الحالات؛ والوصايا كثيرةٌ وهو بها عارف، والله تعالى يلهمه الرشد والمعارف.
قلت: وهذا التوقيع فيه ألفاظٌ ومعانٍ غير مستحسنةٍ، وألفاظٌ ومعانٍ منكرةٌ، أفحشها قوله: مفصحاً عما كمن في صدورهم. فإنه لا يعلم ما تخفي الصدور وتكنه إلا الله تعالى.
واعلم أنه ربما افتتح توقيع البطريرك عندهم برسم بالأمر.
توقيع لبطرك النصارى بالشام أيضاً، كتب به للبطريرك داود الخوري بالبطرك المحتشم؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال يعز بالالتجاء إلى حرمه من يأوي إليه، ويقصد عدله من أهل الملل ويعتمد عليه- أن يستقر فلانٌ- وفقه الله تعالى- بطريرك الملكية، بالمملكة الشريفة الشامية المحروسة، حسب ما اختاره أهل ملته المقيمون بالشام المحروس ورغبوا فيه، وكتبوا خطوطهم به، وسألوا تقريره في ذلك دون غيره؛ إذ هو كبير أهل ملته، والحاكم عليهم ما امتد في مدته، وإليه مرجعهم في التحريم والتحليل، وفي الحكم بينهم بما أنزل الله تعالى في التوراة ولم ينسخ في الإنجيل؛ وشرعته مبنية على المسامحة والاحتمال، والصبر على الأذى وعدم الاكتراث به والاحتفال.
فخذ نفسك في الأول بهذه الآداب، واعلم بأن لك في المدخل إلى شريعتك طريقاً إلى الباب؛ فتخلق من الأخلاق بكل جميل، ولا تستكثر من متاع الدنيا فإنه قليل، وقدم المصالحة بين المتحاكمين إليك قبل الفصل البت فإن الصلح كما قيل: سيد الأحكام، وهو قاعدة دينك المسيحي ولم تخالف فيه المحمدية الغراء دين الإسلام، ونظف صدور إخوانك من الغل ولا تقنع بما ينظفه ماء المعمودية من الأجسام؛ وإليك الأمر في البيع، وأنت رأس جماعتك والكل لك تبع؛ فإياك أن تتخذها لك تجارةً مربحة، أو تقتطع بها مال نصراني تقربه فإنه ما يكون قد قربه إلى المذبح وإنما ذبحه؛ وكذلك الديارات والقلالي، يتعين عليه أن يتفقد فيها كل أمر في الأيام والليالي، وليجتهد في إجراء أمورها على ما فيه رفع الشبهات، وليعلم أنهم إنما اعتزلوا فيها للتعبد فلا يدعها تتخذ متنزهات؛ فهم إنما أحدثوا هذه الرهبانية للتقلل في هذه الدنيا والتعفف عن الفروج، وحبسوا فيها أنفسهم حتى إن أكثرهم إذا دخل إليها ما يعود يبقى له خروج؛ فليحذرهم من عملها مصيدةً للمال، أو خلوةً له ولكن بالنساء حراماً ويكون إنما تنزه عن الحلال؛ وإياه ثم إياه أن يؤوي إليه من الغرباء القادمين عليه من يريب، أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمرٍ ورد عليه من بعيدٍ أو قريب؛ ثم الحذر الحذر من إخفاء كتاب يرد إليه من أحدٍ من الملوك، ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السلوك؛ وليتجنب البحر وإياه من اقتحامه فإنه يغرق، أو تلقي ما يلقيه إليه جناح غربا منه فإنه بالبين ينعق؛ والتقوى مأمور بها أهل كل ملة، وكل موافقٍ ومخالفٍ في القبلة؛ فليكن عمله بها وفي الكتابة ما يغني عن التصريح، وفيها رضا الله تعالى وبها أمر المسيح.
توقيعٌ برآسة اليهود بالشام، جاء مفتتحاً برسم من إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة، وهو:
رسم بالأمر- لا زال جوده في كل ملة، وغمام كرمه على الخلق كأنه ظلة، وذمام نعمه يبلغ المسلم والذمي من الاستحقاق محله، أن يستقر الحكيم فلان.
ومنه: - وأن يعاملهم على ما ألفوه من الأحكام، وينصف صاحب حقهم من متطلبهم: حتى لا يعدو أحدٌ في سبتٍ ولا في سائر الأيام، ويهذب وحشي جاهلهم بإيناسه، ويعالج سقم كاهلهم حتى تطلع الصفراء من راسه.
فليقم مقاماً في هذه الطائفة القديمة، وليعبر من أسفارٍ عبرانية عن عوائد قضاياهم النظيمة، مفرحاً بمعرفته كل حران، جامعاً كل شعثٍ على عدلٍ عنده وإحسان، شاكراً لظلل النعمة، عارفاً بالعوارف التي ترعى يمينها كل ذمة.
النيابة الثانية من النيابات التي يكتب عن نوابها بالولايات: نيابة حلب:
وهي على نحوٍ من نمط دمشق فيما يكتب عن نائبها؛ فيكتب عن نائبها أيضاً بالتواقيع لأرباب الوظائف بحاضرة حلب وأعمالها: من أرباب السيوف، وأرباب الأقلام الدينية، وأرباب الأقلام الديوانية، ومشايخ الأماكن وغيرهم، مرتبةً على المراتب الثلاث: من الافتتاح بالحمد لله، والافتتاح بأما بعد حمد الله، والافتتاح برسم بالأمر.
وهذه نسخ تواقيع مما كتب به لأرباب السيوف بحاضرة حلب وأعمالها، يستضاء بها في ذلك: توقيعٌ بنقابة الأشراف، كتب به للشريف عز الدين أحمد بن أحمد الحسيني بالمقر العالي؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي خلد السيادة في بيوت الشريف أحمد تخليد، وقلد تقاليد السعادة، لأهل الإفادة، أسعد تقليد، وجدد الوفادة، لحرم العبادة، بعز العصابة المحمدية آكد تجديد، والصلاة والسلام على سيد الخلق الذي عقد العهدين لأمته، بالثقلين: من كتاب الله وعترته، وسر النفوس المؤمنة هداه بكل أبي من أسرته، وأقر العيون المراقبة بكل سريٍّ من أهل بيته تبرق أنوار النبوة من أسرته، وعلى آله حبل النجاة للمتمسك، وسبل الهداة للمتنسك، وصحبه نجوم الهدى، ورجوم العدا، وأئمة الخير لمن بهم اقتدى، صلاةً وسلاماً، يتعاقبان دواماً، ويتلازمان على الألسنة مدى المدى لزاماً، ما حلا بعين وطف، وما علا علويٌّ ذرا شرف- فإن أهم ما اعتنى به ولاة أمور الإسلام، وأعم ما اقتنى منه رعاةٌ أجور الحكام- رعاية مصالح أهل البيت، وانتهاز الفرصة في موالاتهم حتى لا يقال لفواتها: ليت، وتعظيم ما عظم الله تعالى من حقوقهم، وتكريم ما كرم رسوله من برهم واجتناب عقوقهم، وتقديم أحقهم بالتقديم لا حق سباقهم إلى غايات الغلوات وسبوقهم، والتعبد بالتعب والاجتهاد في نفعهم، ونصب النفوس للنصب لتجر ذيول الفخر بموالاتهم، وإعلائهم على الرؤوس ورفعهم، اختياراً لرأي من زاد في العناية بالعترة الطاهرة واربى، وأتماراً بقوله تعالى: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى خصوصاً نقابة الأشراف، والنظر فيما لهم من الأوقاف؛ فهي شاملة جمعهم، وجامعة شملهم، وواصلة نفعهم، ونافعة كلهم، وبفضل مباشرها تسبغ عليهم النعمة، وتستدر ببركة إجماعهم عليه سحب الرحمة، وبكفالته تجمع المنة لمراتبهم وأحسابهم، وبإيالته تدفع الظنة عن مناقبهم وأنسابهم؛ وهو القائم عن ولاة الأمور من خدمهم بفروض الكفاية، والدائم الدأب لمرآة أدبهم لتحسن لهم الرعاية، فوجب الاحتفال باختيار من يحلي هذا المنصب الشريف، وتعين الابتهال في امتياز من يسبغ عليه هذا الظل الوريف، ممن قدم في هذه السيادة بيته، وارتفع بخفض العيش لقرابته بعفافه وديانته صيته، وتنزه عن كل ما يشين وتبرا، واكتسى حلل الفخار العلية ومن أعراض الدنيا الدنية تعرى.
وكان فلان بن فلانٍ- أسبغ الله تعالى ظلالهم، وضاعف بمعالي الشرف جلالهم- ممن حاز في هذه الخلال المنازع، وجاز نهاية هذه الخصال بلا منازع، وورد من حياض المناقب الجميلة أعذب المشارع، ودرى المراقي إلى المجد ودرب، وبلغت نفوس محبيه من مخايل سعوده الأرب، وقرت عيون أقاربه بما حصل له من القرب، ونشأ في حجر السعادة، وارتضع لبان الإفادة، ولحق بالسابقين الأولين من أهل بيته في الزهادة، وتبتل بالإخلاص فظهرت على وجهه أنوار العبادة، وانقطع على العمل، وبلغ من العلوم الأمل: قؤوم تشبث بالمجرة وهو شامة في شامه المنسوب:
ورث السيادة كابراً عن كابرٍ ** كالرمح أنبوبٌ على أنبوب

أصل فخارٍ سما، وفرع نجارٍ نما، وغيث فضلٍ همى، أثبت في أعلى المعالي قدماً، وناسب قدره سيعه كرماً، وجلت صفات محاسنه اللائقة، وحلت الأفواه مدائح سجاياه الرائقة، وتملت الألسن وما ملت ما تملي عنه بالخير كل ناطقة.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت أوامره ببر آل موالاته ماضية، ونواهيه بقهر أهل معاداته قاضية- أن يستقر................... استقراراً يقر عين العلا، ويسر نفوس أهل الولا، ويضع الأشياء في محلها، ويسند الأمور إلى أهلها، ويستجلب الأدعية، ويحمل بالولاء الجميل ألوية، ويشرح خواطر الأشراف ويطيب نفوسهم، ويرفع بعد سجود الشكر بالدعاء رؤوسهم.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً يقفو بها آثار بيته الطاهر، بعزمٍ كريم: لكل مصلح بالخير غامر، ولكل مفسدٍ بالضير قاهر، وحزم حليم: لكل حقٍّ ناصر، ولكل كسرٍ جابر، وليصل بالبر رحمه، وليلن للضعيف كلمه، وليقم بأعباء هذه الوظيفة قيام عمه الشريف وأبيه، وليصم عن أموال الأوقاف صياماً يقربه الله تعالى به ويجتبيه، ليحمد، هذا المنصب الجليل، في بيته الأصيل، عوده على أحمد؛ ولينفع قرابته بتثمير أموالهم، وليشفع النهضة بالمعرفة في تثمير غلالهم، لتدر بركته أخلاف أرزاقهم، وتقر خواطرهم بمضاعفة أرزاقهم وإطلاقهم، ويخصب في جنابه مرعاهم، ويقرب في بابه مسعاهم، وتنطق بشكره ألسنتهم الشريفة، وتنطبق على صحبته ظلال بيوتهم الوريفة، وليعتبر ويختبر أشغالهم وليمنع شبانهم من الاحتراف بحرف الأدنياء، وليأمر الآباء بتعهد تربية الأبناء، وليأمرهم من العمل بما يناسب معاليهم، وليجبرهم بتدبيره السديد جبراً يميزهم بحسن السمت من أوليائهم: وكلنا من مواليهم.
والوصايا كثيرة، وعين علومه بتعدادها بصيرة؛ وتقوى الله تعالى لا يهمل النص عليها، والإشارة بحسن البيان وحسن البنان إليها؛ فلتكن ركن استناده، ورأس مال اعتماده؛ والله تعالى يديمه في صعود درج السعود مدة حياته، ويجمع له خير الدنيا والآخرة برفع درجاته.
وهذه نسخة توقيع بنقابة الجيوش بحلب، كتب به لناصر الدين بن أيتبك بالسامي بغير ياء؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال أمره الشريف يعضد الجيوش بأعضد ناصر، ويرشد أولياء الخدمة إلى ارتقاء رتب المعالي فكل إنسانٍ عن إدراك محلها قاصر- أن يستقر فلانٌ- أدام الله توفيقه، وجعل اليمن والسعد قرينه ورفيقه-......... استقراراً يظهر ما لم يخف من نهضته وكفايته، ويشهر معلن سر يقظته ودرايته؛ لأنه الفارس الذي أعز كل راجلٍ بشجاعته، والممارس الذي خبر الوقائع بحسن دربته ودراية صناعته، والعارف الذي اتصف بالخبرة وحسن الصفة، وعرف في أموره بالعدل والمعرفة، والهمام الذي علت همته فوق كل همة، وكشف بجزيل مروءته من الكربات كل غمة، وسار في الجيوش سيرة والده، فشهد كل بما حواه من طارف الفضل وتالده.
فليباشر ذلك: سائراً في الجنود أحسن سيرة، مراقباً الله تعالى فيما يبديه من القول والفعل والعلانية والسريرة، ملازماً ما يلزمه من حقوق هذه الوظيفة، قائماً بما يجب من أداء الخدمة الشريفة، ولينفذ ما يؤمر به من الأوامر، عالماً بما يتعين من حقوق المأمور والآمر، وليجتهد في جمع العساكر وإعلامهم بالمهمات، وليتفقد أحوال الجند في سائر الأوقات، وليسفر النقاب عن الوجوه بالحلية يوم العرض، وليسبل حجاب الستر على من أدركه العجز عن أداء الفرض؛ والوصايا كثيرةٌ لا تحتاج إلى التعداد، وتقوى الله تعالى هي العمدة في كل الأمور وعليها الاعتماد.
توقيعٌ بالمهمندارية بحلب، كتب به لغرس الدين الطناحي بالجناب العالي؛ وهو:
رسم بالأمر الشريف- لا زالت عزائمه تندب للمهمات من غرست برياض وليه أدواح الهمم فزكا غرساً، وتقرر لها من شاب فوده في إفادة الوفود فأجاب قصداً وأطاب نفساً، ولا برحت عنايته تشمل من أولياء خدمها كل شهم إذا سل عضباً أزال نفساً وأسال نفساً، وتعين من أعيانهم كل جميلٍ يود المنافس لو شاهده ولا تبخس يد الرقي منه نفساً- أن يستقر...................... لأنه ذو الهمم التي لا تلحق جيادها، ولا تسبق جودةً جيادها، لا منتهى لصغار هممه فأنى تدرك كبارها، ولا تدرك سوابقه فأنى تقتفى آثارها؛ له قدم إقدامٍ في الثرى لا يزال راسخاً، وهامة همةٍ لم يزل شرفها على الثريا باذخاً، ولأنه الفارس الذي تفرست في مخايله الشجاعة، وتبضع الشهامة في الحروب فكانت أربح بضاعة؛ كم أزرت سمر رماحه بهيف القدود، وأخجلت بيض صفاحه كل خودٍ أملود، وكم جردت من مطربات قسيه الأوتار فتراقصت الرؤوس، وشربت الرماح خمر الدماء فعربدت على النفوس:
له هممٌ تعلو السحائب رفعةً ** وكم جاد منها بالنفائس والنفس!

وتجنى ثمار الفضل من دوح غرسه! ** ولا غرو أن تجنى الثمار من الغرس!

فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً تحمده فيها الوارد، وتشكره بالقصد ألسنة القصاد، وتذكره البريدية بالخير في كل وادٍ، وليهيء لهم من القرى ما يهيئه المضيف، وليحصل لهم التالد منه والطريف، وليتلقهم بوجه الإقبال، وليبدأهم بالخير ليحسن له المآل، وليجعل التقوى إمامه في كل أمرٍ ذي بال، وليتصف بالإنصاف فهو أحمد الأوصاف في جميع الأحوال.
توقيعٌ بتدقمة البريدية بحلب، كتب به لعماد الدين إسماعيل بالمجلس العالي؛ وهو: رسم بالأمر الشريف- لا زالت عنايته الكريمة تقدم إلى الرتب العلية من بنى أس إقدامه من المروءة على أشرف عماد، وتعين للمهمات الشريفة من امتطى من جياد العزم أسبق جواد، وتندب لها من أولياء خدمه كل ندبٍ لم يزل ساعد سعده مبنياً على السداد، وتصعد إلى أفقها من ذوي الشهامة من فاقت بيمينه الصعاد- أن يستقر..................................: لأنه ذو الهمم التي سامى بها الفراقد، والكفء الذي نشط إلى القيام بالعزائم إذا قعد عنها من ذوي الهمم ألف راقد، والمقدم الذي قدمه الإقدام على قضاء الأمور المعضلات، وحلى أجياد ذوي المآرب إذ حل لهم منها بيمن عزمه المشكلات؛ ما علا جواد بريدٍ إلا وسابق الطرف بل الطرف إلى المراد، ولا ندب إلى مهم للحكم فيه نيلاً لأملٍ إلا قدح من رأيه في فضائه أورى زناد، والفارس الذي تمايلت بكفه العوامل عجباً من رأيه في فضائه أورى زناد، والفارس الذي تمايلت بكفه العوامل عجباً فأخجلت الأغصان، وحلت إذ حلت بقلوب الأعداء وإن كانت من المران، والشهم الذي سبق السهم إلى الغرض، والشجاع الذي ما أعرض عن محاربة الأقران: فصفى جوهر شجاعته من العرض، واليقظ الذي لم يكن يناظره إنسان، ولا انطبق على أسيافه المسهدة بيمينه أجفان.
فليباشر هذه التقدمة مباشرةً يشهد الحاسد له فيها بالتقديم، ويقر الجاحد أنه أهدي لما أسدي إليه إلى صراط عزمٍ مستقيم، وليطر إلى قضاء المهمات الشريفة بأجنحة السداد، وليمتط من جواد الجواد أسبق جواد، وليسو بين البريدية في الأشغال، وليقبل عليهم فيما يرومونه من حسن السفارة بوجه الإقبال، وليسلك سنن الصدق والتقوى وليجعلهما له أحسن سنة، وليلبس سوابغ الإنصاف فإنها من سهام الخلل جنة.
نسخة توقيع بنيابة عينتاب، كتب به لناصر الدين محمد بن شعبان بالمجلس العالي عوضاً عمن كان بها؛ وهي: رسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه العميم، يرفع لناصر الدين قدراً، وامتنانه الجسيم، ينفذ له في حفظ الممالك المنصورة أمراً، ويولي أمر الرعية من حسنت سيرته سراً وجهراً- أن يستقر.......................................: لأنه شهمٌ سهم عرفانه مصيب، وفارسٌ ربع خبره وخبره خصيب، له مناقب جليلة، وسيرةٌ محمودةٌ جميلة، تنقل في المراتب تنقل البدر في سعوده، وارتقى ذروة السيادة ارتقاء الكوكب في منازل صعوده؛ ما باشر مباشرةً إلا ونشرت له بها أعلام شكره، ولا علا منزلةً إلا تليت بها سور حمده وذكره؛ لم يزل متبعاً للحق في أحكامه، سالكاً سبل الصواب في نقضه وإبرامه؛ فتح له إقبالنا الكريم بابه، فلذلك قدم على غيره في هذه النيابة.
فليباشرها مقتفياً آثار العفاف، مرتدياً أردية العدل والإنصاف، مقيماً منار الشرع الشريف، منصفاً من القوي الضعيف؛ والله تعالى يوفقه للصواب فيما تولاه؛ والخط الكريم شاهد أعلاه.
قلت: وعلى نيابة عينتاب هذه يقاس ما في معناها من نيابات العشرات، فيجري الحكم في تواقيعها كذلك. أما الطبلخانات فقد تقدم أن الأصل أنه لا يولى فيها إلا من الأبواب السلطانية.
وهذه نسخة مرسومٍ بإمارة الركب الحلبي المتوجه إلى الحجاز الشريف، كتب به لشهاب الدين أحمد بن الطنبغا بالجناب الكريم. والبياض فيه وصلٌ واحد؛ وهي: رسم بالأمر العالي- لا زال يمنح وفد الله تعالى بمن لم يزل شهاب هممه في أفق الصيانة منيراً، ويسند أمرهم إلى كل ندبٍ لا يزال على الحق ظاهراً وعلى ذوي الباطل ظهيراً- أن يستقر فلان من أعيان الموالي الأمراء الطبلخانات بحلب المحروسة- أعز الله تعالى نصرته- أميراً على ركب الحاج الحلبي في هذا العام المقبل، على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، حسب ما رسم به، استقراراً يحمد به الوفد عند صباح هممه السرى، ويبلغ بهم قرى الغفران بأم القرى، وينال به طيب العيش بطيبة وطابة، ويدرك بجياد فضله آرابه، ويمنح به زيارة سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام، ويفوق به مسهم إصابته من البشر إلى مرامي المرام، ويشهد به بين قبره ومنبره روضةً من رياض الجنة، ويلبس به سوابغ القبول لتكون له من سهام الذنوب أوقى جنة، ويتردى به برود التقى حين ينزع محرمات الإحرام، ويقبل به على ذكر الله تعالى في الوهاد والبقاع والآكام، ويستقبل به حرم بيت الله الحرام، ويشب له الهنا حين دخوله المسجد من باب بني شيبة، ويتعاطى به أسباب التوبة، لينال من العفو من الله الكريم سيبه، ولا يقتصر به عن التطأول إلى الدعاء إلى الله تعالى لتعمه الرحمة بفضله وطوله، ويدخل به حرماً آمناً يتخطف الناس من حوله، ويفتح به إلى المقام باباً من الأمن إلى يوم القيامة مقيم، ويذكر بوقوفه بعرفاتٍ وقوفه {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم}.
فليباشر هذه الإمرة المباركة مباشرةً يتيقظ منها لهجر المنام، وليصرف وجه سهامه إليها في المسير والمقام، ولينفق على الحاج من كنوز معدلته، وليجعل القيام بمصالحهم من أكبر همته، وليسع بالصفا في حراستهم من أهل الفساد، وليعتمد صونهم من ذوي العناد، وليعاملهم بالإرفاد والإرفاق، وليقطع من بينهم شقة الشقاق، وليجعل تقوى الله إمامه في القول والعمل.
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بحلب: توقيعٌ بقضاء القضاة، كتب به لقاضي القضاة جمال الدين إبراهيم بن أبي جرادة قاضي قضاة حلب المحروسة الشهير بابن العديم من إنشاء.............................. الحنفي بالمقر الكريم؛ وهو: الحمد لله الذي رفع مرابت المناصب العلية وكساها من ملابس أهلها حلل الجمال، وجمع شملها فاقترنت بإلفها اقتران النيرين: شمس الضحى وبيت الكمال، ورفع عنها يد المتطأول والمتنأول فأصبح رقم طرازها الموشى منتسجاً على أحسن منوال، وقطع الأطماع عن إدراك شأوها فلا يصل إليها إلا كل فحلٍ من الرجال.
نحمده على نعمه التي اعترف من اغترف من بحرها الوافر بالخير الكامل والفضل المديد، واقترف من اقتطف ثمار جودها جميل النوال المفيد، وجزيل الإحسان العديد، حمداً يوافي نعمه ويكافي مزيده، ويعم بالإنعام الشامل نائله ومريده، ونشكره على مننه التي يقصر لسان الإطناب عن حصرها وتعدادها، وتعجز بنات الفكر عن إدراك وصفها وتردادها، شكراً ينال به العبد رضا المعبود، ويبلغ به من مقاصد الكرم والجود غاية المقصود، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد، ولا والد له ولا ولد ولا ند، شهادةً تبيض وجه قائلها عند العرض، وينطق بها لسان التوحيد يوم تبدل الأرض غير الأرض، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله به الحق وأعلنه، وبهر بحقائق معجزاته العقول فاعترف كل بصحة ما عرفه وبينه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نصر الله بهم الإسلام وأبد أحكامه، وأحكم بهم مباني الإيمان المنيرة وأيد إحكامه، صلاةً تتعطر بنفحات عرفها أرجاء المدارس، وينادي لسان فضلها لرائد فرائد المعالي على طول المدارس، وسلم ومجد وكرم، وشرف وبجل وعظم.
وبعد: فإن أولى من لحظته عين العناية والقبول، وأجدر من بلغ من مقاصد المناصب العلية غاية القصد والسول، وأعز من رقي ذرا المعالي وارتقى، وأجل من وصف بالأوصاف الجميلة ونعت بالديانة والتقى- من سارت سيرة فضله في الآفاق، ودل على صفاء السريرة منه حسن الأخلاق، واشتهر بالعلوم الجزيلة، والمناقب الجليلة، وعرف في الإنصاف بالأوصاف المحمودة والخصال الجميلة، وأظهر من العلوم الشريفة، ما حير العقول، وحقق من المسائل اللطيفة، ما جمع فيه بين المنقول والمعقول، ودقق المباحث حتى اعترف بفضله الخاص والعام، وفرق بين الحقيقة والمجاز فلا يبحتاج إلى استعارة إذا تشبه الأخصام، وحكم بما أراه الله فأحكامه مرضية، وقضاياه في الجملة قد أنتجت فهي مقدمةٌ في كل قضية، وثابر على إلقاء الدروس في وقتها وأوانها، وقرر كل مسألةٍ في محلها ومكانها، وأفاد طلاب العلم الشريف من فوائده الجمة، وكشف لهم عن غوامض المباحث فجلا عن القلوب كل غمة، وجال في ميادين الدروس فحير الأبطال، وحاز قصب السبق في حلبة اللقاء فرد متأسفاً كل بطال، ونظر في أمور الأوقاف بما أراه الله فأتقن بحسن النظر وجه ضبطها، وأجرى أمور الواقفين على القواعد المرضية فوافق المشروط في شرطها، وجمع ما تفرق من شملها فأجمل وفصل، وحفظ أموالها فحصل وأصل؛ فهو الحاكم المشهور بالعدل والمعرفة، والناظر الذي حمدت الأمور تصرفه، والإمام الذي ائتم الأنام بأقواله وأفعاله، والعالم الذي يحمد الطالب إليه شد رحاله، والمدرس الذي أفاد بفقهه المفيد النافع، وترفع في البداية والنهاية فهو المختار في المنافع، وسلك منهاج الهداية، فنال من العلوم الغاية؛ فبدائع ألفاظه لعقائد الدين منظومة، وكنز عرفانه عزيز المطلب ومحاسنه المشتملة على الكمال معلومة.
ولما كان فلانٌ- أعز الله تعالى أحكامه، وقرن بالتوفيق والسداد نقضه وإبرامه، هو المشار إليه بالأوصاف والنعوت، والمعول عليه إذا نطق بالفضائل والحاضرون سكوت، والمشكور أثر بيته المشهور، والمنشور علم علمه من السنة والشهور؛ يا له من بيتٍ لم يزل معموراً بالتقوى والصلاح، محمياً بأسلحة أهله: فمن أحكامهم السيوف ومن أقلامهم الرماح؛ فهو العديم المثل وبيته العديم، وحرم فضلٍ يحج إليه الراحل والمقيم؛ فاستحق أن تقابل مقاصده بالإقبال، ويقابل بما يؤمله مقابلة مثله ولا كسائر الأمثال.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت مراسمه المطاعة تقر الحق في يد مستحقه، وترد الأمر إلى وليه ومالك رقه، وتسوق هدي الإحسان إلى محله، وتضع الاستحقاق في يد مستحقه والحق وضع الشيء في محله- أن يستقر........................... بحكم ظهور الحق بيده المباركة، وخفاء الباطل الذي ليس له في الحق مشاركة، استقراراً مباركاً ميموناً، بالخير والسعد مقروناً؛ لأنه الأحق بأمر وظائفه، والطائف حول حرمها الممنوع طائفه، وأولى من عقلت عليه عقيلته، وردت إليه فريدته، وباشر بنفسه الكريمة ما عهد إليه سلفه، وانفرد به فلا يناله- إن شاء الله- إلا خلفه؛ طالما ألفت منه الأوقاف من الشفقة والخير، وحفظ جهاتها المحمية عن تطأول يد الغير، ونعم بحسن نظره من المدارس كل دارس، وفازت منه الدروس بالعالم العارف والبطل الممارس.
فليباشر ذلك على ما تقدم له من حسن المباشرة، وليجتهد- على عوائده- في تحصيل ريعه مثابراً على الأجور أشد مثابرة، وليصرف أموال الأوقاف في مصارفها، بعد العمارة والتثمير المبدأين في شرط واقفها، وليسو- على مقتضى معدلته- بين القوي والضعيف، والشاب الصغير والشيخ النحيف، على قدر تفاوتهم في العلم الشريف، وليطلق لسانه في إلقاء الدروس على عادته، وليمهد للمشتغلين طريق الفهم لينالوا من إفادته؛ وهو بحمد الله تعالى أولى من أدى الأمور على الوجه المستقيم، ووفى المناصب حقها فإن الوفاء جديرٌ بإبراهيم.
والوصايا كثيرةٌ وإليه مرجوعها، ومن بحار علمه ودينه المتين ينبوعها؛ والله تعالى يؤيد به المناصب، ويرفع بعلو رتبته المراتب.
نسخة توقيع بخطابة جامع، كتب به لقاضي القضاة كمال الدين عمر ابن قاضي القضاة جمال الدين إبراهيم بن أبي جرادة الحنفي، الشهير بابن العديم بالمقر الشريف وهي:
رسم بالأمر الشريف- لا زالت عنايته ترقي في منازل المجد من تتأثل بفضله بهجةً وكمالاً، وتذلل جيادها لفرسان الفضائل فتجيد لهم في ميدان البلاغة مجالاً، وتسلم رايتها إلى من صدق بارق سعده، ووهب من العلم ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده- أن يستقر..................... لأنه الإمام الذي لو تقدم عصره لكان أحد أئمة الاجتهاد، والعارف الذي بلغ بولايته مريد الفضل غاية المراد، والعالم الذي وجدت أخبار علومه نسبة يطابقها في الخارج صالح العمل، واتبع سنن الكتاب والسنة فلم يتخلل طريقته المثلى خلل، والمحقق الذي وجد إلى كنه الحقيقة أكمل مجاز، والمفوه الذي بلغ من البلاغة في كلام البشر حد الإعجاز؛ إن خطب شنف بدرر مواعظه الأسماع، وشرف بغرر فرائده الأسجاع، واهتزت أعواد المنابر طرباً لكلمه الطيب، وروى أوام القلوب سح فضله الصيب، وإن قرأ في محرابه أقر بفضله الجمع الجامع، واستقل ابن كثير حين وجد الكسائي عارياً مما لديه وفضله الجم أكمل نافع:
خطيبٌ إذا الصادي تصدى لفضله ** ليروى فأنواء العلوم تغيثه!

وإن يروا للجلاس أخبار أحمدٍ ** فخير جليسٍ لا يمل حديثه!

وهو الكامل الذي أدرك درجات الكمال في البداية فأمن في النهاية وهو قاضٍ من النقص، وسارت عيس الطلاب إلى حضرته الكريمة واحدةً ولكن بالنص، والصاحب الذي استصحب يسار العفاة باليمين، وأزال ظن قاصده في بره الشامل باليقين؛ كم أطلق بأقلامه المفيدة مكرمةً بصلة الأرزاق، ونسخ بمحقق فضله رقاع الأول بالعطاء على الإطلاق، ولو نظر الملكان: هاروت وماروت ما ملكه من كتابته الساحرة لأقرا أنه السحر الحلال، ولو قابله ابن هلالٍ لانخسف بدر فضله عند الكمال:
ففي كفه الأقلام تهزأ بالقنا ** وتخشى سطاها الأسد في غاب غابها!

يروع سيوف الهند وري يراعه ** وقد طار من خوفٍ حديد ذبابها!

فليباشر هذه الخطابة مباشرةً ترشف منها كؤوس كلمه الأسماع، وليكشف لها عن وجوه فضائله القناع، ولينثر عليهم من درر بلاغته ما تلتقطه أفواه المسامع، ولينشر من طي لسانه علم علمه الذي لا يقاس عليه غيره أبى الله والفارق الجامع، وليطرب بمواصيل أسجاعه القاطعة بفضائله المكملة، وليظهر ما جمعه من محاسنه التي هي الجمع الذي لا نظير له، ولينفق على الجمع يوم الجمعة مما آتاه الله تعالى من كنوز الفضائل، وليبلغهم من بلاغته التي أخملت ذكر قس وسحبان وائل؛ وأنت- أسبغ الله تعالى ظلالك- معدن الفضائل فأنى تهدى إليك الوصايا؟، والمتصف بصفات الكمال فكيف تعرض عليك المزايا؟؛ ولكن الوصية بتقوى الله تعالى من شعائر الإسلام، والله تعالى يديمك غرةً في جبهة الأيام.
وهذه نسهة توقيعٍ بتدريسٍ بالجامع المذكور، كتب به للقاضي علاء الدين علي الصرخدي الشافعي، نائب الحكم العزيز بحلب بالمقر العالي؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت صدقاته تمنح دروس العلم الشريف بعلي العلوم، وتندب لها من ذوي الاجتهاد من ساير بهممه البرق وسائر النجوم، وتقرر للطلبة من أولي العناية من حقق الفضائل واطلع على سرها المكتوم، وتدير عليهم من مشرب فوائده ما يخال أنه الرحيق المختوم- أن يستقر فلانٌ.............................. استقراراً تقربه أعين الطلاب، وتلمح من صوب فضله عين الصواب، ويشيد به دارس الدروس، ويطلع به في سماء الفضائل أنور شموس، وتنشر به أعلام العلوم من طي الألسنة، ويذهب من كل الطلبة في تحصيل العلم الشريف وسنه، لأنه الحبر الذي شهدت بفضله الأسفار، ورحلت إلى فوائده الجمة السفار، والبحر الذي جرت سفن الأذهان به فلم تدرك غاية قراره، وعجزت الأمثال عن خوض تياره، والعالم الذي أقر بعلمه الأعلام، وشهدت بإحكام أحكامه الأحكام؛ ما برز في موطن بحث إلا وبرز على الأقران، ولا جاراه مجتهدٌ إلا وكانا كفرسي رهان، ولا نطق بمنطقٍ إلا وأنتجت مقدمات هممه العلية واجتهاده على فضله أكمل برهان، ولا أجرى جياد علومه إلى غايةٍ إلا مطلقة العنان، ولا رآه من أخبر عن فضله إلا تمثل له: ليس الخبر كالعيان؛ إن تصدر للفوائد التقطت الأسماع در علمه النفيس، وإن درس تخال الطلبة أنه ابن إدريس؛ فهو طود فضلٍ لا يسامى علواً ورفعة، ولا ينوي مناوأته مناويءٌ ولو كان ابن رفعة:
إمامٌ غدا للسالكين مسلكاً ** عليمٌ وكم أولى الفضائل من ولي!

علا فأسال البحر من فيض علمه! ** وذلك سيلٌ جاء بالفضل من علي!

فليباشر هذا التدريس المبارك مباشرةً يثبت بها فوائده، وينثر بها فرائده، ويطرب الطلاب بطريف العلم وتالده، ويجمع لهم من صلة الفضل وعائده، وليلازم المباشرة ملازمةً لا ينفك عنها أيام الدروس، ولينر القلوب بمصابيح الكتاب والسنة ويسر النفوس.
وأنت- أمتع الله بفوائدك- من نورك الوصايا تقتبس، وكم آنس الطالب نار فضلك فأتى منها بأنور قبس؛ والله تعالى يبقيك للعلوم كنزاً لا تفنى مواهبه، ويديمك للطلاب بحراً لا تنقضي عجائبه.
وهذه نسخة توقيع بتدريس بالجامع المذكور لحنفي، كتب به للشيخ شمس الدين محمد القرمي الحنفي، بالجناب العالي؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت عنايته الكريمة تطلع شمس الدين للهداية في أفق المدارس، وتشيد بالعلماء الأعلام من ربوعها كل دارس، وتمنح الفقهاء بمن إذا تصدى للإفادة جادت نفسه بالدرر النفائس، وتندب لها من أولي البلاغة من إذا ألف فصلاً وجدت غصون أقلامه في روضات الطروس أحسن موائس- أن يستقر فلانٌ: استقراراً تجمل به الدروس بالفوائد، وتمنح الطلبة منها بالصلة والعائد، ويمد لهم من مواد العلوم أشرف موائد، ويوردهم من مناهلها أعذب موارد، لأنه شمس العلوم ومصباحها، وقمر ليل المشكلات وصباحها، وساعد الفتاوى الطائرة بفضائله في الآفاق وجناحها، وروح كؤوس العلوم وراحها، وطليعة الحقائق وعنوانها، وعين الدقائق وإنسانها، والإمام الذي أئتم به الطلاب فاستحق الإمامة، والعالم الذي اجتهد على فضل العلوم فاستوجب أن ينعت بالعلامة، والفاضل الذي ضبطت أقواله للاطلاع على سرها المكتوم، فاختص فعل علمه المتعدي باللزوم لاتصافه بالعموم؛ كم التقطت من دروسه الجواهر، وتمثل لأبكار فوائده: كم ترك الأول للآخر؛ قابلته الأسفار عن وجوه فوائدها بالإسفار، وأظهرت لذكاء ذكائه ما ضمته أحشاؤها من الإضمار؛ فهو المختار لهذا التدريس: إذ درر فوائده منظومة، والمجتبى للإفادة بسلوكه طرق الهداية إلى دقائقها المكتومة، وكم استنارت الطلبة من سمر فضله حتى كاد أن يكون ثالث القمرين، وجمع في صدره بحري المنقول والمعقول حتى قيل: هذا مجمع البحرين:
هو البحر إلا أن فيه عجائباً ** ووافر فضلٍ ليس يوجد في البحر!

بلاغته السحر الحلال وإنما ** بديع معانيها يجل عن السحر!

فليباشر هذا التدريس ناثراً درر فرائده، ناشراً غرر فوائده، جائداً بجياد فضائله السابقة إلى الغايات، عائداً بصلات حقائقه لتكمل للطلبة به المسرات، وليلازم أيام الدروس ما أسدي إليه من هذه الوظيفة، وليرتق من درج التقوى لغرف المعارف الشريفة.
وهذه نسخة توقيعٍ بإمامةٍ وتصديرٍ بجامع منكلي بغا الشمسي بحلب، كتب به للشيخ شمس الدين محمد الإمام، بالجناب العالي؛ وهي: رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تطلع شمس الدين في أفق المعالي، وترفع من أوليائه خدمة من جيده بالفضل حالي، وتمنح برها من أعربت عن لحنه الطيب وتشنفت من فيه باللآلي، وتسفح غيث جودها على من أجمع على طيب مسامرته ورفع أدعيته الأسماع والليالي أن يستقر فلانٌ- أدام الله تعالى ضياء شمسه، وبنى له ربع السعد من جوده على أسه........... لأنه الإمام الذي شهدت بحسن قراءته المحاريب، والآتي من فضل فضائله بالأغاريب، والفاضل الذي سلك طرق الفضائل أحسن سلوك، وشهد بسبق جياد جوده في حلبة الاختبار كل حتى الملوك، والكامل الذي كملت أوصافه المحمودة فأمن النقائص، واختص بجميل الشيم وحسن الخصائص؛ ما أم إلا وشهد بفضله كل مأموم، وأقروا أن أسماعهم ارتشفت رحيق فضائله من كأسها المختوم، وما سامر الخواص إلا وشهد العوام بحسن صفاته، ولا حدث إلا وكانت الملوك من رواته.
فليباشر هذه الوظائف المباركة مباشرةً تقر بها النواظر، وتجتمع الألسنة على أنه أكرم إنسان وخير ناظر، وليتصدر لإلقاء الفوائد، وليكسب الأسماع من علمه بالطريف والتالد، وليتنأول معلومه أوان الوجود والاستحقاق، هنياً ميسراً من غير تقييد على الإطلاق، وليتق الله فيما أسدي إليه من ذلك، وليسلك من سنن التقوى- بقدم الصدق- أحسن المسالك.
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الأقلام الديوانية بحلب وما معها: توقيعٌ بكتابة الدست بحلب، كتب به لبهاء الدين بن الفرفور ونظر بيت المال بحلب، بالجناب العالي؛ وهو: رسم بالأمر- لا زال ينظم عقود الإحسان في أجياد أوليائه، ويجزل لهم بوافر نظره وافي عطائه، ويجري بهاء الدين على أحسن نظام فينجز له عدة وفائه- أن يستقر.................... استقراراً يبلغ به وجوه الآمال، ويكسو الدواوين ملابس البهاء والكمال، ويزيدها رفعةً بما يفضله من ذلك الجمال؛ لأنه الفاضل الذي إذا قصد المعاني أصاب، وإذا سئل عن كل معنى لطيفٍ أجاد وأجاب، والفصيح الذي إذا تكلم أجزل وأوجز، وأسكت كل ذي لسنٍ بفصاحته وأعجز، والبليغ الذي أبدع في مكاتباته بمنثوره ومنظومه، واللبيب الذي أطلع من أزهار كلمه المسموعة في رياض الطروس ما يخجل الروض إذا افتخرت بمشمومه، والكاتب الذي قطعت بمعرفته الأقلام، والحاسب الذي عقدت على خبرته خناصر الأنام، والأديب الذي جمع بين قلم الإنشاء الشريف، وحاز ما في ذلك من تالدٍ وطريف؛ فلله دره من كاتبٍ زين الطروس بحسن كتابته، وجمل الألفاظ والمعاني بجميل درايته وفصاحته.
فليباشر ما عدق به من ذلك مباشرةً مقرونةً بالسداد، مشكورة المساعي والاعتماد، مظهراً براعة يراعه، باسطاً يد إيداعه الجميل وإبداعه، مفوفاً حواشي القصص بتوقيعاته، موشياً برود الطروس بترصيعاته وتوشيعاته، ناظراً على اعتماد مصالح بيت المال المعمور، وتحصيل حواصله على الوجه المشهور والطريق المشكور، عاملاً بتقوى الله عز وجل في ضبط مصالح ديوان الجيوش المنصورة، سالكاً من حسن الاعتماد طرقاً على السداد والتوفيق مقصورة؛ والوصايا كثيرةٌ وتقوى الله تعالى عمادها، فليجعلها عمدته فيما يتم به للنفس المطمئنة مرادها؛ وليتنأول معلومه المستقر لذلك أوان وجوبه؛ والله تعالى يبلغه غاية قصده ومطلوبه.
توقيعٌ بصحابة ديوان الأموال بحلب، من إنشاء ابن الشهاب محمود، كتب به للقاضي شمس الدين محمد بن محمد، أحد كتاب الدست بحلب، بالمجلس العالي؛ وهو: رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تسر نفوساً، وتطلع في هالات الوظائف السنية عوض الشمس شموساً، وتسقي غرس نعمائها الهبات الهنية فتزهي أغصاناً يانعةً وغروساً- أن يستقر..........................: لأنه الأوحد الكامل، والرئيس الفاضل، ولأنه حاز قصب السبق في المباشرات، والمناصب الجليلة والمراتب السنيات؛ طالما بذل جهده في خدمة الدول، وسلك بجميل مباشرته طريق السلف وسبيل الأول، فأدرك بحسن سيرته ويمن طريقته نهاية السول وغاية الأمل، وأتى الأمور على قدرٍ ولا يقال: على عجل، ولأنه الأمين في صنعة الإنشاء، والتابع في فنه فنون الأدباء؛ إن رقم الطروس طرز، وإن بارز الأقران في مواطن الافتخار برز، وإن بسط الجرائد، تغار من حسنهن الخرائد؛ طالما نطق بالحكم، واشتهر بين أصحابه مثل اشتهار النار على علم؛ نظم المحاسن في نثره البديع، وجمع بين الأضداد فيما يبديه من الإنشاء ويحليه من التصريع؛ قدمت هجرته في الخدمة الشريفة، واقتطف من زهر الصدقات الشريفة أحسن منصب وأجمل وظيفة، وتحلى جيده بالقلائد، وحصل بسعيه مجموع الفرائد، فعادت عليه الصدقات الشريفة بأجمل العوائد؛ قد استحق التقديم، واستوجب من الصدقات العميمة نهاية التكريم.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً حسنة الآثار، جميلة الإيراد والإصدار، ناظماً بقلمه الحساب على أنواعه، محكماً له على سداد أوضاعه، وليطلع شمسه في سماء هذه الوظيفة، وليجن من روضها الأريض كل يانعةٍ لطيفة، وليعلم أن هذه بوادر خيرٍ سرت إليه، وسوابغ نعمٍ خلعت عليه، وأن الصدقات العميمة لابد أن توليه بعد ذلك براً، وتترادف عليه تترى، وتعلي له بين رفاقه المرفقين قدراً؛ ومثله لا ينبه على وصية، لا دانيةٍ ولا قصية؛ لكن التقوى لابد منها، ولا يجوز أن يغفل عنها؛ فليجعلها اعتماده في كل الأمور، وليتنأول معلومه المقرر له على الوظيفة المذكورة في غرر الشهور؛ والله تعالى يضاعف له بمضاعفة الصدقات عليه أوقات السرور، ويقيه بلطفه كل محذور.
توقيع بنظر بهنسى، من عمل حلب، كتب به لفتح الدين صدقة بن زين الدين، عبد الرحيم المصري، بالمجلس السامي؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زالت صدقاته العميمة تفتح لأولياء خدمته أبواب الخيرات، ولا برحت تهدي إليهم أنواع المسرات- أن يستقر...................................... في وظيفة النظر بمدينة بهنسى المحروسة عوضاً عمن بها، بالمعلوم الذي يشهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت، على العادة في ذلك والقاعدة، استقراراً يسر خاطره، ويقر ناظره؛ لأنه الماهر في صناعته، والرابح في متاجر بضاعته.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً حسنة، لتصبح الألسنة بشكرها معلنة، وليصرف قلمه فيما يعود نفعه عليه، وليجتهد فيما يستجلب الأثنية إليه، وليقبض معلومه أوان وجوبه هنياً، وليتنأوله بيد استحقاقه مرياً؛ والوصايا كثيرةٌ وهو- بحمد الله تعالى- غير محتاج إليها، لأنه الفاعل لها والدال عليها؛ وتقوى الله تعالى عمادها، وبه قوامها وسنادها؛ فليتمسك بسببها في الحركات والسكنات، والله تعالى يهيء له أسباب المسرات.
توقيع بكتابة الإنشاء ونظر الجيش بدبركي، كتب به للقاضي شهاب الدين أحمد بن أبي الطيب العمري العثماني، بالجناب الكريم، وهو: رسم بالأمر- لا زال يجمل الثغور بمن تزهو برحيق كلمه الطيب المناصب، ويكمل محاسنها بمن لم تزل الصحف تقود من جياد فضله أجمل جنائب، وحباها بشهابٍ يهتدى إلى المقاصد بنجم رأيه الثاقب، وسرها بكل ندبٍ لم تزل كتبه ترد من الدعار الكتائب- أن يستقر............. في وظيفتي كتابة الإنشاء الشريف والجيش المنصور بدوركي المحروسة، عوضاً عن فلان، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقتٍ، لأنه من بيتٍ رفع علم قدره على السحائب، وانتصبت راية آرائهم بالتمييز في مواكب العزة عن المواكب، وأضيف إلى مجدهم شرف الكمال فانجر بالإضافة ذيل مجدهم على الكواكب، وجزم أولو الفضل بنسبتهم إلى المعالي فحازوا قصبها استحقاقاً وما زاحموا عليها بالمناكب، وأسس أصله على عماد شرف الفاروق وذي النورين فتفرع على أكمل تناسل بتناسب.
النيابة الثالثة مما يكتب من التواقيع بالولايات عن نواب السلطنة بها: نيابة طرابلس:
وهي على ما تقدم في دمشق: من تقسيمها إلى تواقيع أرباب السيوف، وتواقيع وظائف أرباب الأقلام الدينية، وتواقيع أرباب الوظائف الديوانية، وأرباب الوظائف بمشيخة الأماكن وغيرهم، وتقسيم ذلك إلى ما يفتتح بالحمد لله وما يفتتح بأما بعد حمد الله، وما يفتتح برسم بالأمر.
وهذه نسخ تواقيع من ذلك: نسخة توقيع بشد الدواوين بطرابلس، كتب به لصلاح الدين صلاح الحافظي، بالجناب الكريم؛ وهي: الحمد لله الذي أيد هذه الدولة وسددها بأنواع الصلاح، وعمر العالم بعدل سلطانها وجعل أيامه مقرونةً بالنجاح، وأقام لتدبير المملكة كل كفء كافٍ مشهور باليمن والفلاح.
نحمده على نعمه الغامرة في المساء والصباح، ونشكره على آلائه في كل غدوٍّ ورواح، ونشهد أن لا إله إلا اللله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً ضوئيةً كالمصباح، وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله أشرف من اصطفاه وأرسله بالدين الحنيفي فبشر وأنذر وحلل وحرم وحظر وأباح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً دائمةً مستمرةً ما حيعل الداعي إلى الفلاح.
وبعد، فإن أولى الأولياء بمضاعفة الإحسان، وأن يعلى له في المكان والإمكان- من عرف بأجل المباشرات في الفتوحات، واشتهر فيها بالكفاية والصيانة وجميل التدبير وحسن الصفات.
ولما كان فلانٌ هو المنفرد بهذه الصفات الحسنة، واتفقت على نعوته الجميلة الألسنة، والوحيد بهذه السجايا، الفريد بشرف المزايا، عقدت الخناصر عليه، واقتضت الآراء أن يسند تدبير المملكة إليه: فإنها لم تجد لها كفأً غيره، ولا من يجمع شمل شتات أقوالها ولم يفرط مثقال ذرة.
فلذلك رسم بالأمر- لا زال يندب لتدبير الممالك كل كفءٍ كاف، ويورد أولياءه من موارد إحسانه مورداً عذباً صاف- أن يفوض إلى الجناب الكريم- أدام الله علو قدره، وأيده بالمعونة في أمره- شد الدواوين المعمورة الطرابلسية، بالمعلوم المستقر، الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت، على عادة من تقدمه.
وهذه نسخة توقيعٍ بالاستمرار في شد الدواوين:
الحمد لله الذي قرن الشدة بالفرج وجبر بعد الانكسار، وامتحن عباده بأنواعٍ من المحن ليعلم الصادقين في الاصطبار، وأطلع في أفق العلا سعد السعود ساطعاً بالنور بعد ما غار، وجمع لمن انقطع به حبل الرجاء من الخلق فتوكل عليه بين نيل المطلوب وتمحيص الأوزار.
نحمده وفي محامده تطيب الآثار، ونشكره على ما أسبل من النعم الغزار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهٌ كشف الغم بعد ما غم القلوب وغطى على الأبصار، وفرج الهم، وقد كان ادلهم، وأظلمت منه النواجي والأقطار، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، سيد ولد آدم في الدنيا وسيدهم في دار القرار، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، ما أظلم ليلٌ وأضاء نهار.
وبعد، فإن الله تعالى لطف بهذه الدولة المعظمة في المقام والسير، فما مضى لأحدٍ معها يوم سرورٍ إلا والذي من بعده خير، ونصب خيام عدلها على الخلق وشرع أطنابها، ورغب العباد في فضلها العميم وفتح لهم بابها، وجعلها كاشفةً للكروب الموجبة للحزن والضيق، راشفة من خزائن ملكه ومعادن نصره كأس رحيق، تصل بقوته وتقطع، وتفرق بإرادته وتجمع؛ ثم جعل المال نظام ملكها القويم، وقوام سلكها النظيم؛ به تمضي أوامره ونواهيه، وتجري على السداد بما يحبه ويرضيه؛ فتعين إعداد من يقيم بعزمه عمده، ويقعد من أخذ منه بغير استحقاق ممن أقعد الدين زنده؛ وقدر الله تعالى في هذا الوقت ما قضاه، ونفذ حكمه فيمن خرج عن طاعته وأمضاه، فلم تبق مملكةٌ إلا ومسها وأهلها الإضرار، ولا بقعةٌ إلا ولحق أهلها بأس أولئك الفجار، فأدرك اللطف الإلهي ممالك الإسلام، وحل الركاب الشريف بأرض الشام، فكان برداً وسلام، ونجا المخلص وهلك الناكث الناكل بقدوم سلطان الإسلام، خلد الله ملكه ليقذف بالحق على الباطل، وأيد الله دولته الشريفة بعونه المتواصل.
وكان فلانٌ له مباشراتٌ عديدة، وتأثيراتٌ حميدة، وآخر ما كان في وظيفة شد الدواوين بطرابلس: فباشرها مباشرةً جميلة الأثر، مشكورة السير عند من ورد وصدر، ودبر مهماتٍ يعجز عن حصرها أولو العقول والفكر، وحصل للديوان المعمور أموالاً كالطوفان ولكن بلا غرق، واستعجب منها كيف حصرتها الأقلام أو وسعها الوراق!؟؛ والذي كان بوظيفة الشد الآن زاهدٌ عنها، ليس له رغبةٌ فيها ولا في شيءٍ منها.
فتعين إعادة الجناب الفلاني إليها، ورسم بالأمر- لا زالت أيام دولته الشريفة تصلح الشان، وتعيد الخير إلى ما كان- أن يستقر...........
فليعد إليها عود الحسام إلى غمده، والماء إلى منهل ورده، وليباشرها بمباشرته المعروفة، وعزائمه المألوفة، وهممه الموصوفة، مسترفعاً المتحصل ومصروفه، وليتحقق أن الله تعالى سيصل رزقه فلا يوجس في نفسه خيفة، وليجعل تقوى الله تعالى دأبه في كل قضية ثقيلةً كانت أو خفيفة، والله تعالى يمده بألطافه المطيفة، بمنه وكرمه.
وهذه نسخة توقيع بنقابة العساكر بطرابلس: الحمد لله الأول بلا آخر، الغني في ملكه عن الناصر، المنزه في سلطانه عن المؤازر، المتوحد بعدم الأشباه والنظائر، المبيد لكل مظاهر بالعناد مجاهر، العليم بما تكنه الأفكار وتجنه الضمائر، الرقيب على كل ما تردد من الأحوال بين سوادي القلب والناظر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً يرغم بها كل جاحدً وكافر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث والشرك مدلهم الدياجر، والرشد قد خيم عليه الضلال فما له من قوةٍ ولا ناصر، فأقام به الدين الحنيفي النير الزاهر، ورفع ذكره في سائر الأقطار والأمصار على رؤوس المنابر، صلى الله عليه وعلى آله أهل المكارم والمآثر، ما حمد السرى عند الصباح سائر، وخمد شرر الشر بكل مناضلٍ ومناظر، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن أولى من سيقت إليه وفود النعم، ومنح من الخيرات أجزل القسم، وعدقت الأمور بعزائمه، واعتمد على همته التي هي في المضاء كأسنته وصوارمه، ورعيت عهود ولائه التي لا تنكر، ووصفت مساعيه التي استحق أن يحمد بها ويشكر- من إذا عول عليه في المهمات كفاها، وإذا استطبت المعضلات به شفاها، وسارت أنباء مهابته غوراً ونجدا، واتصف بحسن التدبير الذي عليه من الإقبال أكمل إجدا.
ولما كان فلانٌ هو الذي تناقلت تباشير أخباره الركبان، وأثنى على شهامته السيف والسنان، وشرفت بمحاسنه الأقلام، وارتفع ذكره بالشجاعة على رؤوس الأعلام.
فلذلك رسم................................. - لا زال للدين الحنيفي ناصراً، وللأعداء قامعاً قاهراً، وللحق مؤيداً باطناً وظاهراً- أن يستقر بالجناب العالي المشار إليه أمير نقباء العساكر المنصورة الطرابلسية، عوضاً عمن كان بها، على عادته وقاعدته: لأنه الحبر الذي عقدت على خبرته الخناصر، وورث الشهامة كابراً عن كابر، وأضحى بتدبيره واضح الغرر، شاهداً له به العين والبصر؛ إن جال بين صفوف العساكر كان أسداً، وإن رتب جيوشها أحصاها حليةً وعدداً.
فليباشر هذه الوظيفة محرراً أحوال العساكر المنصورة، مقرراً لهم في منازلهم على أكمل عادةٍ وأجمل صورة، بمناصحةٍ ضمخ بمسكها، ومخالصةٍ قام مقام واسطة جوهر سلكها، وملازمة خدمةٍ تأزرت بها أعطافه، وصفاء طويةٍ شرفت بها أوصافه، ومحبة عدلٍ جمع فيها بين قوله وفعله، وأخلاص يحسن بالمرء أن يكون ملتحفاً بظله: لكي يتم الله النعم عليه كما أتمها على أبيه منن قبله؛ وليقصد رضا الله تعالى في هذا الأمر، لا رضا زيدٍ ولا عمرو؛ والله تعالى يتولاه فيما تولاه، والاعتماد في ذلك على الخط الكريم أعلاه، حجةٌ بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة توقيعٍ بنقابة الأشراف بطرابلس بالمجلس السامي بالياء؛ وكتب فيه القضائي على خلاف الأصل، وهي: رسم بالأمر- لا زال يرفع لذوي الأصالة الشريفة قدراً، وينقلهم إلى الرتب السنية ويعلي لهم ذكراً، ويشملهم من إحسانه بما يسر لهم قلباً ويشرح صدراً، ويبلغهم من المآرب أوفاها، ومن ملابس القبول أجملها وأسناها- أن يستقر فلانٌ- أدام الله نعمته- في نقابة السادة الأشراف بالمملكة الطرابلسية، على ما تقدم من عادته في ذلك: استقراراً جارياً فيه على أجمل العادات، واعتماداً على ما عهد من سلفه الشريف الذات، ورعايةً له في تجديد المسار، وترجيحاً لما اشتمل عليه من حسن الكفاية في كل إيرادٍ وإصدار، ورفعه ليده الباسطة على أبناء جنسه، وتقويةً يجد أثرها في معناه وحسه، رسماً بما يستوجب به النعم الجزيلة، وولايةً توليه من الكرم سوله، وعنايةً تصبح بها ربوع أنسه مأهولة، لأنه أولى أن يقر في هذه الوظيفة ويزاد، وأحق أن يرعى لما سبق له من السداد، وأجدر أن لا يضاع حقه حيث له إلى ركن الشرف المنيف استناد.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مبسوطاً أمله في المزيد، منوطاً رجاؤه في نعمنا باستئنافٍ وتجديد، محوطاً ما بيده من كرمنا العديد؛ وهو غنيٌّ أن نثني له الوصايا ونعيد، مليٌّ بحسن السجايا التي جبلت على التحقيق والتوفيق والتسديد؛ والله تعالى يطوق منن جودنا منه الجيد، ويغدق له سحائب رفدنا التي تجريه على ما ألف من فضلها العديد؛ والعلامة الشريفة- أعلاها الله تعالى- أعلاه، حجةٌ بمقتضاه.
وهذه نسخة توقيعٍ بشد الشواني بطرابلس، كتب به لعلاء الدين أيدغمش، وهي: رسم......... - لا زالت أيامه، قائمةً بالجهاد في سبيل الله عز وجل، وأعلامه، حائمةً على التقاط مهج العدا في البر والبحر بما يقرب لهم الأجل- أن يستقر فلانٌ في شد الشواني المعمورة المنصورة على العادة في ذلك، بهمته العلية، وعزمته التي هي ببلوغ المقاصد ملية، وشهامته التي ترهب العدا، وشجاعته التي تلبسهم أردية الردى، وبسالته التي تبسلهم في البحر فتصيرهم كالأسماك لا يسام لهم صدى.
فليجتهد في ذلك جد الاجتهاد، وليعمد فيه السداد والسداد، وليوقظ أجفان سيوفه من الغمض، وليرهب العدا بشدة وطأته التي لها الثبات في الأرض، وليلازم مواظبة الشواني ليلاً ونهاراً، وليكن هو ومن حوله لمن بها أنصاراً؛ والله تعالى يجزل له مباراً، ويرفع له مقداراً، بمنه وكرمه.
وهذه نسخة توقيعٍ بشد دار الضرب، كتب به لعلاء الدين الدوادار؛ وهي:
رسم........... - لا زال إحسانه يجود غماماً، وفضله الشامل على الأولياء المتقين إماماً، وسحائب بر كرمه هأمية على أوليائه، هاملةً على أصفيائه، فتراهم يخرون للأذقان سجداً وينتصبون قياماً- أن يستقر المشار إليه في شد دار الضرب: إعانةً له على الخدمة الشريفة، وإرفاداً له بمعلومها إذ هي ليست له بوظيفة، لأنه أكبر من ذلك قدراً، وأحق بكل منزلةٍ عليةٍ وأحرى؛ ولكن هذه الجهة هي قانون المعاملة، وسكتها بشعار الملك متصلة وبين الحق والباطل فاصلة، ومنها النقوش التي هي رستاق الأرزاق، وصدر كل إطلاق وفنداق؛ حكيمٌ ما أرسل في حاجةٍ إلا وأذن لها بالنجاح، ولا استؤمن عليه امرؤٌ بإذن الإمام إلا وحق له الاتصاف بالصلاح والفلاح؛ هذا وهو في الأصل مذموم، وطالبه محروم: لأنه مقسوم، والأجل محتوم، ولكن تطهيره من الدنس واجب، والحسبة في عياره حتى يغدو وبودق صفائه من الغش ناضب.
فليعتمد المشار إليه في شد هذه الجهة حسن التقوى ويلاحظ بعزمه أمورها لتكون على السداد، ويعتمد على السيد الناظر فإنه نعم العماد، ويفوض إليه كشف الروباص وحك العيار فهو به أدرى وأحرى وأدرب بإدحاض غش الفساد، وليتنأول معلومه المقرر له عند الوجوب والاستحقاق، هنياً ميسراً خالصاً من التنازع والشقاق، ومثله فلا يدل على صواب: إذ تقوى الله تعالى كلمة الفصل وفصل الخطاب، والله تعالى يجعلها لنا وله زاداً وحرزاً، وذخراً يوم المعاد وركزاً.
وهذه نسخة توقيع بشد البحر بمينا طرابلس؛ وهي: رسم بالأمر- لا زال سيفه قاطعاً من الأعداء نحراً، وأمره نافذاً براً وبحراً، وفعله صالحاً دنياً وأخرى- أن يستقر الجناب المشار إليه في شد مينا البحر بطرابلس.
فليباشر هذه الوظيفة شارحاً لها صدراً، فاتحاً لها بحسن مباشرته الجميلة بصراً وفكراً، باعثاً لها في الآفاق بمباشرته ذكراً جميلاً، باحثاً عما يتعلق بمتحصل المينا المعمورة بكرةً وأصيلاً، مسوياً بين الناس فيما رزق الله وفتح، وبعث من فضله ومنح، بحيث لا يقدم عزيزاً ولا يؤخر ذليلاً، ولا يراعي في ذلك صديقاً ولا خليلاً.
وليقدم خوف الله تعالى على خوف خلقه، وليسو بين الضعيف والقوي فيما بسط الله من رزقه؛ وآكد ما نوصيه به تقوى الله تعالى فيما هو بصدده؛ فليجعلها في أموره الباطنة والظاهرة من عدده؛ والله تعالى يقدمه في مباشرته لاقتناء محاسن المعروف وزبده، ويرزقه من الأجر على ما يعمله من الخير مع تجار هذا البحر بما هو أكثر من زبده.
توقيعٌ كريمٌ بنيابة اللاذقية، من إنشاء القاضي تاج الدين بن البارنباري، كتب به لشمس الدين ابن القاضي، بالجناب العالي؛ وهو: الحمد لله الذي زاد شمس الأولياء إشراقاً، ومنحه في هذه الدولة الشريفة إرفاداً وإرفاقاً، وصان الثغور المحروسة بعزماته التي سرت قلوباً واقرت أحداقاً، وجددت لأوليائها من مواهبها عطاءً وفاقاً.
نحمده على حكمه وفعله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تمنح قائلها مزيد فضله، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله بملائكته المقربين، وشد أزره من أصحابه بالآباء والبنين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمة الدين، صلاةً تمنح قائلها غرف الجنان {والعاقبة للمتقين} وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن من شيم هذه الدولة إذا بدأت تعود، وإذا نظرت تجود، وإذا قدمت ولياً لحظته بأعين السعود.
وكان الجناب العالي- أدام الله نعمته- عين القلادة، وبيت السيادة، ومعدن السعادة، وأهلاً أن يدبر الأمور، ويسد الثغور، ونيابة اللاذقية مجاورة البحور، وجزيرة العدو بينها وبينها نهارٌ فهي في أمرها له قاعدة في النحور، وقد رأيناه أهلاً أن يصون نحرها، ويتقلد أمرها، ويحفظ برها، ويدفع شرها.
فلذلك رسم بالأمر- أعلى الله تعالى شرفه- أن تفوض إليه نيابة اللاذقية المحروسة، على عادة من تقدمه.
فليسر إليها سير الشمس في أبراج شرفها، وليقبل عليها إقبال الدرة على الترائب بعد مفارقة صدفها؛ وأول ما نأمره به: إرهاب العدو بالعدة والعديد، وإظهار المهابة في القريب والبعيد، وتفقد الأيزاك بنفسه من غير اتكالٍ على سواه كما يفعل البطل الصنديد، وليخلع عنه ملابس الوشي ويلبس الحديد، وليهجر المضاجع ويتخذ ظهر جواده مستقره العتيد، حتى ينتشر له صيتٌ بين أهل التثليث كما انتشر صيته بين أهل التوحيد.
وابسط بساط العدل ليطأه الموالي والعبيد، واحكم بالحق فالحق مفيدٌ والباطل مبيد، ومتى تسامع التجار بعدلك جاءوا بالأصناف والمتجر الجديد، واركن إلى حكم الشرع الشريف فإنه يأوي إلى ركنٍ شديد، واتق الله تجده أمامك فيما تروم وتريد، تمسك بالسيرة الحسنة يزدك الله رفعةً وأنت أحق بالمزيد، وعقبها نستنجز لك تشريفاً شريفاً مقروناً بتقليدٍ أعظم من هذا التقليد؛ والخط الكريم أعلاه حجةٌ به، إن شاء الله تعالى.
توقيعٌ بنيابة قلعة حصن الأكراد، كتب به لشهاب الدين أحمد الناصري؛ وهو: الحمد لله الذي أطلع في سماء الدين شهاباً، وفتح لمن خافه واتقاه إلى الخيرات أبواباً، وحباه من إفضاله وألبسه من حلل إنعامه ونعمائه أثواباً.
نحمده على نعمه التي أجزل لنا بمزيد حمدها أنعماً وثواباً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نتخذها من النار حجاباً، ونعتد بها في الآخرة مفازاً حدائق وأعناباً، وكواعب أتراباً، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شرفه على الأنبياء منصباً ونصاباً، وسبى بطلعته وطليعته قلوباً وأحزاباً، وقربه إلى أن كان قاب قوسين وأسمعه من لذيذ كلامه خطاباً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه: أكرم به وبهم آلاً وأصحاباً، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن أولى من انتدب، لحفظ المعاقل الإسلامية وانتخب، وأحرى من لحظته عين عنايتنا فكان إليها من العين أقرب، وأحق من اعتمد على بسالته وإيالته بما سبر من الأنام والأيام وجرب- من عرف بشجاعةٍ أين منها عمرو بن معدي، وأمانةٍ كفت حين كفت كف التعدي، وعفةٍ جعلها في أحواله كلها نصب العين، وسياسةٍ ما زال يصلح بها بين ذوي المشاققة ذات البين؛ وكان فلانٌ هو الموصول المقدم، الموصوف بهذه الصفات التي سر الساحل بها فتبسم.
فلذلك رسم بالأمر- لا زال يطلع في آفاق الحصون المصونة شهاباً، ويرفع الأولياء بإحسانه الذي يؤكد لهم في جوده أسباباً- أن يستقر المجلس العالي نائباً بقلعة حصن الأكراد المحروس وأعمالها، على عادة من تقدمه ومستقر قاعدته.
فليباشر ما وليناه وأوليناه، مباشرةً تسفر عن حسن فطنته وذكائه، وتضيء الآفاق بنور شهابها وسنائه، وتظهر معروفها المعروف بعدم غيبته وخفائه، معتمداً على الله تعالى في إبدائه وإنهائه، شارحاً لكل قلبٍ ألانه إحسانه بعد غلظته وجفائه، مانحاً من بحر جوده وعدله بالدر لا بجفائه، مكرماً لمن بهذا المعقل: من أمرائه وأجناده وأغنيائه وفقرائه، مقيماً لمنار الشرع الشريف الذي لا تستقيم الأمور إلا بمتابعته وإبدائه، وليظهر من شجاعته وبسالته ما لا فائدة في خفائه، وليشهر سيفه، في وجه من أظهر حيفه، وعدم خوفه، من سطوة ربه وكرمائه.
وأعظم ما نوصيه به التقوى، فإنه بملازمتها يقوى، على دفع الشر وفعل الخير وإسدائه، والوصايا كثيرةٌ وهو المجرب بالعمل بها لمن يرغب في استيلائه؛ والله تعالى يحرق بشهاب عدله كل متمرد..................................
واعلم أنه ربما كتب توقيع نائب حصن الأكراد مفتتحاً بأما بعد حمد الله.
وهذه نسخة توقيعٍ بنيابة حصن الأكراد، كتب به باسم شهاب الدين الجاكي بالجناب العالي؛ وهي:
أما بعد حمد الله الذي جعل شهاب الدين يتنقل في مطالع سعده، وجدد أثواب النعماء لمن قدمت هجرته وظهر خيره فأنجز له الإقبال صادق وعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تبلغ قائلها إنالة قصده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله بنصرٍ من عنده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كانوا من أنصاره وجنده، صلاةً دائمةً يبلغ المؤمن بها غاية رشده، وسلم تسليماً كثيراً- فإن أولى من شمله إحسان هذه الدولة الشريفة ونوله مراده، وأجزل عليه النعم فكان أحق بها لحسن طويته فأجراه الله على أحسن عادة، وبلغه غاية القصد ومعدن السعادة- من سلك مسالك الأمناء الثقات، واشتهرت عنه العفة وحسن الصفات، فتعين تقديمه وتقريبه إلى أجل ولايات الفتوحات.
ولما كان فلانٌ- أدام الله عزه، وأنجح قصده- هو المنعوت بصفات السداد، المشهور بالنهضة والشجاعة في هذه البلاد، الذي حوى المكارم والإفضال، ووافق خبره خبره في سائر الأحوال.
فلذلك رسم بالأمر- لا زال شهاب فضله ساطعاً، ونور إحسانه لامعاً- أن يستقر المجلس العالي الشهابي المشار إليه في ولاية الأعمال الحصنية والمناصف عوضاً عمن بها، على عادته وقاعدته: لأنا وجدناه شمس أعيان الأماثل، وألفيناه قليل النظير والمضاهي والمماثل، وعليه عقدت الخناصر، واتفقت الآراء الثاقبة في الباطن والظاهر، ولما جمع من كرم الشيم وجميل الخلال، وحاز من النباهة الرفيعة الذرا المديدة الظلال.
فليتوجه إلى محل ولايته، وليظهر ما أكمنه من العدل والإنصاف في ضمائره بحسن سياسته، ولينصف المظلوم ممن جار عليه واعتدى، ويتبع في ذلك ما يوضح له من طريق منار الهدى، وليبسط المعدلة ويمد باعه، وليبد الظلم ويقصم ذراعه، وليصرف همته في عمارة البلاد، وتأمين العباد، وسلوك سبل الرشاد، وليجتهد في سد الخلال، وإصلاح ما فسد بغيره من الأحوال، وليجعل تقوى الله محجته، واتباع العدل حجته، وسلوك الحق عدته، فقد جاءت التقوى في التنزيل مؤكدة، ووردت في كثيرٍ من السور مرددة؛ والله تعالى يعينه على ما ولاه، ويحرسه ويتولاه، بعد الخط الكريم أعلاه.
وهذه نسخة توقيع بنيابة قلعة المرقب والولاية بها، كتب به لصلاح الدين خليل، بالجناب العالي؛ وهي: الحمد لله الذي جعل هذه الدولة الشريفة مقرونةً بالتأييد والنجاح، ووفق أولياءها إلى سلوك سبل السعادة وشيدها بالصلاح، وخولهم في أيامها المراتب العلية ليبتهلوا بأدعيتهم وبدوامها في المساء والصباح.
نحمده على نعمه التي لا يبرح مخلصها في ازديادٍ وارتياح، ونشكره على آلائه شكراً نستحق به المزيد كما أوضح في القرآن أكمل إيضاح، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً معلنةً بالفلاح، وأن محمداً عبده ورسوله الذي أنزل عليه في محكم كتابه العزيز: {الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الكرام الأشباح، ما ترنم طائرٌ على غصنٍ وحيعل الداعي إلى الفلاح، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن أولى من عدقت به نيابة أجل المعاقل والثغور وفوضت إليه، وعول في حفظها ومباشرتها الحسنة الجميلة عليه- من عقدت على حزمه الخناصر، وورث الشجاعة والشهامة كابراً عن كابر، وهو الذي نما فرعاً وزكا أصلاً، وفاق في المكارم على نظرائه قولاً وفعلاً، فأضحى وافر الثناء واضح الغرر، شاهداً له به العين والبصر.
ولما كان فلانٌ هو المنعوت بهذه الصفات، والموصوف في مواقف الحروب بما لديه من الثبات والوثبات، المشكورة خدمته، شاماً ومصراً، المشهورة بين الهمم همته، براً وبحراً.
فلذلك رسم..... لا زالت مراسيمه الشريفة مبثوثةً بالعدل والإحسان، ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كل إنسان- أن تفوض إليه نيابة قلعة المرقب المحروس، والولاية بالأعمال الشرقية، وما هو منسوب إليها، على العادة في ذلك ومسقتر القاعدة: إذ هو أحق بها وأهلها، وأكمل من يجمع شتات شملها.
فليباشر ما ندب إليه من هذه الجهات مباشرةً تقصر الأفكار عن توهمها، والأبصار عن توسمها، والخواطر عن تخيل مبناها، والأذهان عن تمثل صورتها ومعناها، وليكن لمصالحها متلمحاًن ولأحوال رجالها متصفحاً، ولأقدار جهاتها مربحاً، وللخواطر بأداء أحوالها على السداد مريحاًن ولوظائفها مقيماً، وللنظر في الكبير والصغير من مصالحها مديماً، ولحرمتها مضاعفاً، وعلى كل ما يتعين الاحتفال به من مهماتها واقفاً، ويعد للعدو المخذول عند تحركه العزم الشديد، ويهجر لبس الوشي ويتألف لبس الحديد، ويتخذ ظهر جواده مستقره العتيد، ويشمر للجهاد ذيلاً، ومعاذ الله أن يميل عنه ميلاً، ويبسط العدل للرعية، ويعاملهم المعاملة المرضية، ويحسن إلى الأمراء البحرية، ويلاحظ مصالحهم في كل قضية، ويتفقد الرجال، وأرباب الأدراك والشواني ويحذرهم من الإهمال، ويأمرهم باليقظة والاحتراز في الليل والنهار وسائر الأحوال، وليعمل ما يحتاج إليه من آلات الجهاد وليكن على حذر مما يتجدد كل يوم، وليوقع الرهبة في قلوب الأعداء بخيله في اليقظة وخياله في النوم، ويتفقد المواني في سائر الأوقات في الليل والنهار، وليحذر أمراء الأيزاك من الغفلة فإن الغافل لا يزال على شفا جرفٍ هارٍ.
وليتق الله في أقواله وافعاله. والوصايا كثيرةٌ وهو أدرب بها وأدرى، وأبواب الخيرات واسعةٌ وهو إليها أسرع وأجرى، وليشكر الله تعالى على ما ولاه، والاعتماد على الخط الكريم أعلاه.
وهذه نسخة توقيع بنيابة حصن عكار كتب به لناصر الدين الكردي، بالجناب العالي؛ وهي: الحمد لله الذي نصر هذا الدين الحنيفي بسيد البشر، وخص هذه الدولة الشريفة بالتأييد والظفر، ووافى الأولياء بجودها الذي لم يزل من ذمة الوفاء ينتظر.
نحمده على منه الذي طالما بدا في جبهات الأولياء بشره وظهر، ونشكره على جوده الذي أغنى عن التحجيل والغرر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي قائلها يوم الفزع الأكبر، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أقام الله بسيفه الإيمان فاشتهر، وكف به يد الطغيان وزجر، صلى الله عليه وعلى آله ما اتصلت عينٌ بنظر وأذنٌ بخبر، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن أولى الأولياء بالمناصب من رعيت له خدمٌ عديدة، وعرفت له في أجل الثغور مباشراتٌ سعيدة، واشتهرت شهامته وكفايته في الآفاق، وظهرت أمانته ظهور الشمس في الإشراق، وتقدم بذلك على نظرائه وفاق.
ولما كان الجناب العالي هو المنعوت بهذه الصفات الجميلة، والمحتوي على هذه المزايا الجليلة، الذي شاعت شجاعته مع طهارة يد- ولا عجب فإن هذا الشبل من ذاك الأسد- وسارت الركبان في الممالك بنهضتهما في المباشرات، وسد الخلل في المهمات المعضلات.
فلذلك رسم............. - لا زالت أيامه مبثوثةً بالعوارف والإحسان، ومعدلته تستدعي بدوام دولته الشريفة لسان كل إنسان- أن تفوض إليه نيابة قلعة حصن عكار المحروس، على عادة من تقدمه وقاعدته، بالمرتب الشاهد به الديوان المعمور.
فليقدم خيرة الله تعالى ويتوجه إليها، ويصرف وجه الإقبال عليها، وينظر في عمارتها ومصالحها، ويستدرك ما استهدم من بيوت حواصلها، وليصبح وجه هذا الثغر بحلوله به باسماً، وينشر له من حسن تدبيره وجميل تأثيره علماً، وليحسن إلى الأمراء البحرية، وينزلهم منازلهم على العادات المرضية، وليعدل في الرعية، وينصف المظلوم من الظالم في كل قضية، ويلزم أرباب الوظائف من المقدمين والرجالة بالخدمة بالنوبة على العادة، ويوصل إليهم معلومهم من جهاتهم المعتادة، ويتبع الحق المحض في كل أمر، لا يقتدي برأي زيد ولا عمرو، وليعلم أنه مطالبٌ بالعدل في وظيفته، فإن كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيته؛ والوصايا كثيرةٌ ومعظمها تقوى الله في سائر الأمور: فليتمسك بها يقوى فإنها السبب الأقوى؛ والله تعالى يتولاه في السر والنجوى؛ بعد الخط الكريم أعلاه.
وهذه نسخة توقيعٍ بنيابة بلاطنس بالجناب العالي؛ وهي: الحمد لله الذي أسبغ نعمه على أوليائه، وأجزل كرمه على أصفيائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجي قائلها من وبيل العذاب، وتجدد له أسباب السعادة في الدنيا ويوم الحساب، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالنور المبين، المخصوص بالدين المتين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأهله وأصفيائه وأترابه.
وبعد، فأن القلاع المنصورة مما يتعين الاحتفال بأمرها، والاهتمام بحفظ رجالها في سرها وجهرها؛ ومن أجل قلاع الساحل المحروس، وأجمل مساكن البحر المأنوس، قلعة بلاطنس.
فلذلك رسم............... - لا زالت صدقاته تشمل كل أوحد، وتجبر كل وليٍّ أمجد- أن يستقر............. إذ هو الخبير، الذي ليس لمعرفته نظير، والضابط الذي يحاقق على الجليل والحقير، والنقير والقطمير، والشجاع الذيهو في يوم النضال على أخذ العدو لقدير، والضرغام الذي أعطاه الله القوة والمعرفة التامة فهو بهما جدير.
فليسر إلى الثغر المحروس، ويعتمد في أموره ما هو فيه من الخبرة مغروس.
وهذه نسخة توقيع بتقدمة العسكر بجبلة، كتب به لصلاح الدين الحافظي، بالجناب العالي؛ وهي: الحمد لله الذي جعل هذه الدولة الشريفة تنقل كل وليٍّ إلى درجات سعده، وتؤكد أسباب الارتقاء لمن حمدت مآثره وحسنت سيرته في اليوم والذي من بعده، وتجدد أثواب النعماء لمن ظهر خيره وخبرته فأنجز له الإقبال صادق وعده.
نحمده على نعمه التي أجزلت لمستحقها مواهب رفده، ونشكره على مننه التي خصت كل كافٍ بتأثيل مجده، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يبلغ بها قائلها غاية قصده، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله تعالى بنصرٍ من عنده، وآمنه على وحي الرسالة فنصح الأمة غاية جهده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذي كانوا من أنصاره وجنده، صلاةً دائمةً باقيةً يبلغ بها المؤمن غاية رشده، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن الجناب العالي لما تقدمت له مباشرات، في أجل الولايات وأحسن النيابات، وهو يسير في كل منها أجمل سير، ويحسن إلى رعيتها فلا غرو أن يذكروه بكل خير؛ كم قام بمهمات من غير عسف أهل البلاد، وكم أعان الديوان المعمور من غير ضررٍ للعباد، وكم ميز أموالاً فكانت أيام مباشراته أعياد، وكم له من خدم سار بها الركاب وبلغ بها المراد، وكم أثنى عليه لسان القلم حتى نفد المداد، وكم وصفت هممه وحسن تأتيه في كل توقيع وتقليدٍ على أن الكاتب ما زاغ عن الحق ولا مال عن الصدق فيها ولا حاد.
فاقتضى محمود رأينا الذي ما برح بعون الله يصيب، وجميل فكرنا الذي ما دعوناه لأمرٍ إلا وبالإصابة بحمد الله يجيب، أن نعين له وظيفةً نريحه فيها من التعب، ونوفره من تبعات الطلب؛ وكان من تقدمة العسكر بجبله يعتريه ألمٌ يعوقه عن الركوب في الخدم الشريفة والنزول، سيما في هذا الوقت الذي فيه يتحرك العدو المخذول.
فلذلك رسم......... - لا زالت أيامه الشريفة تيسر أسباب النجاح، وعوارفه تطوى لها أرض البعد عن أوليائها كما تطوى لذي الصلاح- أن يستقر الجناب............................ في تقدمة العسكر المنصور بجبلة، على عادة من تقدمه وقاعدته.
فليباشرها مباشرةً تليق بشجاعته، وتعهد من حسن سياسته، وليكرم الشرع الشريف، وليردع من يحيد عن الحق أو يحيف، وليجمع الأمراء المقدمين والحلقة المنصورة على الركوب في الخدمة الشريفة، وليشكر نعمة الله تعالى المطيفة، وليتيقظ لردع العدو المخذول، وليعلم أننا استرعيناه أمر ذلك وكل راعٍ مسؤول، وليتحقق أن العدو المخذول طالبٌ للهالكين منهم بالثار، وهم قاصدون جبلة فلتكن عنده يقظةٌ واستبصار، وليرتب الأيزاك وليعمر المواني بالرجال، ويتفقدهم في الليل أكثر من النهار، وليهجر النوم في طلب الظفر والمنى فمن سهر لذلك ما خاب، ولا يأمن مكيدتهم ويغتر بهم فيقول: قد ضرب بينهم وبينها بسورٍ له باب؛ وباقي الوصايا فهو بها أعلم، ولم يبرح متلفعاً بثوبها المعلم؛ وملاكها تقوى الله تعالى فمن لم يعمل بها يأثم، ومن تركها يندم، ومن لزمها فهو في الدارين مقدم؛ والله تعالى يتولاه، والاعتماد على الخط الكريم أعلاه، إن شاء الله تعالى.
واعلم أنه ربما افتتح توقيع مقدم العسكر بجبلة بأما بعد حمد الله.
توقيعٌ بتقدمة العسكر بجبلة، مما كتب به لحسام الدين العلائي بالجناب العالي؛ وهو:
أما بعد حمد الله على نعمه التي تجزل لكل ولي من مواد فضلها إنعاماً، وتمنح من عوارفها أقساماً، وتبلغ من النجح لذوي الاستحقاق آمالاً وتجعل في نحور الباغين حساماً، والشهادة له بالوحدانية التي لم تزل للأولياء المتقين لزاماً، وترفع لهم في الجنات مقاماً، والصلاة على سيدنا محمدٍ الذي محا الله بنبوته عن الأمة المحمدية آثاماً، وشرفه على سائر خلقه وجعله للأنبياء ختاماً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ظافروه وبايعوه دهوراً وأعواماً، صلاةً دائمةً تزيد مرددها عزاً وإكراماً- فإن الاهتمام بكل جهةٍ هو على قدرها، والعناية بقطرها.
ولما كانت مدينة جبلة المحروسة مخصوصة بمقام بركات السيد السند الزاهد الذي ترك الدنيا والأهل والولد، والولي المبرز في عبادة الخالق، والمتوكل الذي لم يدخر قوت ساعةٍ لساعةٍ اعتماداً على الرزاق- تعين النظر في أمرها وحفظها من العدو المخذول، وإن كان بهذا السيد السند قد تبين حفظها، وكان فلانٌ ممن باشرها فأحسن فيها المباشرة، وكلأ حفظها بيقظته وعينه الساهرة- اقتضى رأينا أن نعيده إليها، ونسبغ ظله عليها.
فلذلك رسم بالأمر- لا زال حسامه قاطعاً من الأعداء نحراًن وفعله صالحاً دنيا وأخرى- أن يعاد المشار إليه إلى تقدمه العسكر المنصور بجبلة المحروسة، عوضاً عمن بها، وعلى عادته وقاعدته.
فليعد إليها عود الحسام إلى غمده، والماء إلى منهل ورده، وليقدم خيرة الله في المسير إليها، وليبسط العدل ليأمن أهلها بقدومه عليها، وليكرم من بها من العسكر المنصور، ويحسن إلى الرعية بها ليصبح خير مشكور، ولينصف المظلوم ممن ظلمه، وينشر للشرع الشريف علمه، وليخلص الحق من القوي والضعيف، والدني والشريف، وليلزم من بهذا الثغر بعمل اليزك المعتاد، والتيقظ لأمر العدو المخذول ومضاعفة الاجتهاد، وليلازم تقوى الله تعالى في الأقوال والأفعال، والله تعالى يمنحه من فضله ما يرجو من الآمال.
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الدينية بطرابلس.
توقيعٌ بنظر الحسبة بطرابلس، كتب به للقاضي ناصر الدين بن شيصة؛ وهو: الحمد لله مبشر الصابرين، وموصل الأرزاق على يد أصفيائه من العالمين، ومعيد كل وليٍّ إلى منصبه ولو بعد حين.
نحمده على فضله المبين، ونشكره على أن جعلنا من عباده المؤمنين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ندخرها ليوم الدين، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، الذي أرسله بواضح الحجج ومحكم البراهين، وأنزل عليه كتاباً عربياً مبين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر المحجلين، صلاةً مستمرةً على ممر الأيام والشهور والسنين، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فإن أولى من غزرنا مواد رفده، وأجزلنا له حظوظ سعده، وبلغناه من إقبالنا غاية قصده، وحمدنا تصرفه من قبل عندما رسم لما جدد من بعده، وأعدناه إلى رتبة ألفت منه حسن السياسة والتدبير، وعرف فيها بالكفاية والصيانة ويمن التأثير- من له ولسلفه في المباشرات الجليلة يد طولى، فكان بوظيفته أحق وأولى.
ولما كان المجلس العالي هو المتصف بصفات الكمال، المشكور في سائر الأحوال، فلذلك رسم بالأمر- أنفذه الله في الآفاق، وأجراه بصلة الأرزاق- أن يعاد فلانٌ- أدام الله نعمته- إلى نظر الحسبة الشريفة بالمملكة الطرابلسية على عادته وقاعدته، مضافاً إلى ما بيده من بيت المال المعمور: لأنه الفاضل الذي لا يجارى، والعالم بأحوال الرعية فلا يناظر في ذلك ولا يمارى، والفيلسوف الذي يظهر زيف كل مريب، والنحرير الذي بخبرته يسر كل حبيبٍ ولبيب.
فلينظر في الدقيق والجليل، والكثير والقليل، وما يحصر بالمقادير وما لا يحصر، وما يؤمر فيه بمعروفٍ أو ينهى عن منكر، وما يشترى ويباع، وما يقرب بتحريره إلى الجنة ويبعد عن النار ولو لم يكن قد بقي بينه وبينها إلا قدر باعٍ أو ذراع، وكل ما يعمل من المعايش في نهارٍ أو ليل، وما لا يعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلم فم الكيل؛ وليعمل لديه معدلاً لك عمل، وعياراً إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل، وليتفقد أكثر هذه الأسباب، ويحذر من الغش: فإن الداء أكثره من الطعام والشراب؛ وليتعرف الأسعار، ويستعلم الأخبار من كل سوقٍ من غير إعلام لأهله ولا إشعار؛ وليقم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النظر، ويطمئن به إن غاب أو حضر، ودار النقود والضرب التي منها تنبث، وقد يكون فيها من الزيف ما لا يظهر إلا بعد طول اللبث، فليتصد لمهمها بصدره الذي لا يحرج، وليعرض منها على المحك من رأيه ما لا يجوز عليه بهرج، وما يعلق من الذهب المكسور ويروبص من الفضة ويخرج، وليقم الضمان على العطارين والطرقية في بيع غرائب العقاقير إلا ممن لا يستراب فيه وهو معروف، وبخط طبيبٍ ماهرٍ لمريض معينٍ في دواء موصوف؛ والطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان، ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان، وكل إنسان سوءٍ من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطانٌ لا إنسان، فامنعهم كل المنع، واصدعهم مثل الزجاج حتى لا ينجبر لهم صدع، وصب عليهم النكال وإلا فما تجدي في تأديبهم ذات التأديب والصفع، ومن وجدته قد غش مسلماً، أو أكل بباطلٍ درهماً، أو أخبر مشترياً بزائد، أو خرج عن معهود العوائد، أشهره بالبلد، وأركب تلك الآلة قفاه حتى يضعف منه الجلد؛ وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب، وعالمات النساء وغيرهما من الأنواع ممن يخاف من ذئبه العائث في سرب الظباء والجآذر، ومن يقدم على ذلك أو مثله وما يحاذر، ارشقهم بسهامك، وزلزل أقدامهم بإقدامك، ولا تدع منهم إلا من اخترت أمانته، واختبرت صيانته؛ والنواب لا ترض منهم إلا من يحسن نفاذاً، ويحتسب لك أجر استنابته إذا قيل لك: من استنبت؟ فقلت: هذا؛ وتقوى الله هي نعم المسالك، وما لك في كل ما ذكرناه بل أكثره إلا إذا عملت فيه بمذهب مالك؛ والله تعالى يسددك ويرشدك ويوفقك إلى أحسن المسالك.
توقيعٌ بالخطابة والإمامة بالجامع المنصوري بطرابلس، كتب به للخطيب جمال الدين إبراهيم، بالمجلس السامي بغير ياء؛ وهو: رسم بالأمر الشريف- لا زال عود منابر الإسلام بماء إحسانه رطيباً، وبرد شعائر الدين الحنيفي في أيامه الزاهرة قشيباً، ومواهبه ومناقبه تقيم لممادحه في كل وادٍ شاعراً ولمحامده في كل نادٍ خطيباً- أن يرتب المجلس السامي، الإمام، العامل- رحم الله تعالى السلف، وزاد مجد الخلف- خطيباً وإماماً بالمسجد الجامع المعمور المنصوري بطرابلس المحروسة، عوضاً عن فلان، وعلى عادته وقاعدته، وبمعلومه الشاهد به الديوان المعمور المستقر باسمه، إلى آخر وقت: رعاية لأهليته الواضحة الدلائل، وفضيلته الناطقة الشواهد الصادقة المخايل، وأوصافه الجميلة التي بها تعرف من أبيه الشمائل، ولأنه الصدر ابن الصدر النجيب، والخطيب الإمام ابن الإمام الخطيب، والولد النجيب الذي حذا حذو والده في الصلاح ما خاب ولا يخيب، والنجل النبيه المهذب الذي أشبه أباه في الدين والورع: ومن أشبه أباه فما ظلم في النباهة والتهذيب.
فليباشر هذه الخطابة والإمامة التي هو ابن جلاها، وطلاع ثناياها، زائناً حلاها، زائداً علاها، وليرق ذروة هذا المنصب الذي هو أعلى المناصب الدينية، وليتلق نعم الله عز وجل بالشكر الذي يوجب المزيد ويكسب المزية، وليقم مقام والده في هذه الرتبة السنية، بإخلاص العمل وصدق النية، مجلياً في مضمار البيان الذي سلمت إليه أعنته، وألقيت إليه أزمته، محلياً بقلائد المواعظ وفرائد الأمثال أعواد المنبر الذي لو أمكنه لسعى إليه، مشنفاً الأسماع بجواهر الأوامر وزواهر الزواجر التي يصدع بها عليه.
وليسر كسيرة والده في الطريقة المثلى وسلوك المنهج الأسد، وليجتهد في إحياء رسومه في العبادة واقتفاء آثاره في العلم والزهادة حتى يقول الناس: هذا الشبل من ذاك الأسد، جارياً على أفضل العوائد في ديانته، سارياً بأجمل القواعد من صيانته، وليوصل إليه معلومه الشاهد به الديوان المعمور المستقر إلى آخر وقتٍ، على عادة من تقدمه وقاعدته: لاستقبال مباشرته أحيان الوجوب وأزمان الاستحقاق، رزقاً داراً، ساراً، هنياً، مرضياً، من غير تنغيص، ولا تنقيص؛ والاعتماد على العلامة الكريمة أعلاه، وثبوته إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة توقيعٍ بخطابةٍ، كتب به للشيخ صدر الدين الخأبوري، بالمجلس السامي بالياء؛ وهي: رسم............................... - لا زالت أيامه الشريفة تضع الأشياء في محلها، وتفوض المناصب المنيفة إلى أهلها، وتشرف صدور المحافل بصدر العلماء في حزنها وسهلها- أن تفوض إلى فلان الخطابة بالجامع الناصري المعروف بجامع التوبة بطرابلس المحروسة وجوباً وتعيناً، اقتضى في تقدم الفاضل على المفضول تيقناً وتبيناً، لأنه الحبر الذي لا يجارى في فضائله، والبحر الذي يجود فيجيد بفواضله، والصدرالذي ملئت بفوائده وفرائده بزمانه محافل صدوره وصدور محافله؛ كم نطقت ألسن الأقلام بأفواه المحابر بفضله في الأقاليم والآفاق، وكم من عبارة بفصاحةٍ وبلاغةٍ حققت أنه بها فات الفصحاء والبلغاء وفاق؛ لقد أصبح شمل هذا الجامع بهذا الفاضل الذي طال ارتقابه له جامعاً، وأمسى وقد ظفرت يمناه من اليمن به والبركة بما لم يكن بشيءٍ منه في مثل هذه الأيام طامعاً، فلذلك بادر منبره المنيف وحل له حقوته مسارعأً؛ ووطأ- لامتطائه إياه- صهوته، وغفر للدهر بهذه الحسنة الجميلة فيما سلف منه هفوته، وعلم أنه الخطيب الذي استقر يطالع المنابر من خطبته بما يفجر من العيون منابع المدامع، ويشوق إلى الآخرة من ألفاظٍ يشنف بها المسامع، وأن قساً لا يقاس به في خطبه وعظاته، وأن سحبان يود من خجله أن يسحب ذيله على مآثره المأثورة عنه ليعفي آثار فلتات كلماته ولفتات لفظاته.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة بالله تعالى مذكراً، ولما أمر عباده ونهاهم عنه على أسماعهم مكرراً، ويعلم أنه في المحراب مناجٍ لربه، واقفٌ بين يدي من يحول بين المرء وقلبه؛ فليعتصم بالله عز وجل في قوله وفعله، ويتيقن أن الكلمة إذا خرجت من قلبٍ لا تقع إلا في مثله.
وفي إحاطة علمه المشهور، وفضله المشهود المشكور، ما يغني عن وصيةٍ بها يتذكر، وتذكرة في صحيفة فكره ترقم وتسطر؛ وليوصل إليه معلومه على هذه الوظيفة الشاهد به الديوان المعمور، وليوفر خاطره من التبذل في تحصيل معلومه الجاري له وطلبه، وليعامل بما يليق من الإجلال والإعظام بوظيفته الشريفة والمحلالعالي الرفيع من منصبه؛ والعلامة الكريمة أعلاه، حجةٌ بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخ تواقيع لأرباب الوظائف الديوانية بطرابلس: نسخة توقيع بشهادة الجيوش بطرابلس، كتب به للقاضي بدر الدين محمد بن الفرفور، ووالده يومئذ ناظر الجيوش بها، بالمجلس العالي؛ وهي: أما بعد حمد الله الذي زين سماء المعالي ببدرها، وأنبت في رياض السعادة يانع زهرها، ورفع المناصب السنية إلى شرف محلها ومحل شرفها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً في قولها وفعلها، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالملة الحنيفية قائماً بفرضها ونفلها، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر مبلغاً لرسالات ربه كلها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا ينحصر عددها، ولا ينقضي أمدها، وسلم تسليماً كثيراً- فإن أولى من خطبته المناصب من هو أحق بها وأهلها وله فيها نسبةٌ لا ينكر فضلها، ومباشراتٌ في الممالك الإسلامية مشهوراتٌ بالكفاية والعفة في برها وبحرها.
ولما كان فلانٌ- حرس الله جنابه وأسبغ ظل والده- هو المعني بهذه الإشارة، وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدارة.
فلذلك رسم................................. - زاده الله تعالى عظمةً وشرفاً، ومنحة في الجنان قصوراً وغرفاً- أن يستقر........................: إقراراً لعين والده، وجمعاً له بين طريف السعد وتالده، لأنه النبعة التي نشأت في رياش السيادة، والزهرة التي برزت في كمام السعادة؛ فلا يزال فرعه- إن شاء الله- بسعادة هذه الدولة الشريفة ينمي إلى أن يتأصل، وزهرته تزهى إلى أن تبلغ الإثمار وتتوصل.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرةً تظهر فيها كفايته عند الانتقاد، وتحمد فيها عقبى الاختيار والاختبار والرشاد، وليسلك في أمانته سنن أبيه- أسبغ الله ظله- التي أحكمها في كل ما أبدى وأعاد، ويتبع طرقه الهايدة إلى سبيل السعادة والإرشاد، ويبد ما اكتسبه من والده عن سلفه من هذه الصناعة وهو أحق بهذا السند، ولا يخرج عن رأي أبيه- أيده الله- حتى يقول الناس: هذا الشبل من ذاك الأسد، وليشمر في تحصيل الفضائل التي تبلغ بها الآمال، وتصلح الأحوال، وليتلق هذه المباشرة بعزمه الشديد، بنفسه لا بالتقليد، فإنه شاهدٌ ومسؤول بقوله يوفق في الاستحقاق وفي النقود والكيول؛ وتقوى الله هي السبب الأقوى، فليتمسك بحبلها يقوى؛ والوصايا كثيرةٌ في ذلك ووالده بها أعلم؛ والله تعالى يسلكه سبيل الهدى فإنه أنجح الطرق وأسلم؛ والله تعالى يتولى عونه، ويديم صونه؛ والاعتماد........................................
توقيعٌ بكتابة الدرج بطرابلس، كتب به بالمجلس السامي بالياء؛ وهو: رسم بالأمر الشريف- لا زالت مراسمه العالية تطلع في أفلاك المعالي بدراً منيراً هادياً إلى الفضائل مأموناً من السرار، ومكارمه الوافية ترفع من أعلام المعاني صدراً كبيراً رشيداً في البيان أميناً على الأسرار، ومراحمه الكافية تقر عيون الأعيان والأخيار- أن يرتب فلانٌ- ضاعف الله تعالى أنوارفضائله التي يأتم بها المستضيء والمهتدي، ويعشو إلى قراها المستعين والمقتدي- في كتابة الدرج السعيد بطرابلس المحروسة بما قرر له من المعلوم الوارد في الاستئمار الشريف على ما يتعين بقلم الاستيفاء جهته، ويبين تفصيله وجملته، نظراً إلى استحقاقه الظاهر، وفضله الباهر؛ وبلاغته التي أفصحت عن بيان البليغ القادر، وفصاحته التي بلغت الكمال بعون الملك القادر، وإطرابه، في إطنابه، وإعجازه، في إيجازه؛ فله في الدلائل قدرة المنصور وفي الفضائل قوة الناصر؛ طالما أزهر بقلمه المهدي للصواب، السفاح كالسحاب، روض العلوم والآداب، وأظهر ببيانه المنتصر في الخطاب، المقتدر على الاقتضاب، طرق الفنون، واضحة العيون، محكمة الأسباب، وسبل الحكم مفتحة الأبواب؛ فهو بالسنا والسناء بدر المسترشد، وبالجدا والجداء عز المستنجد، وبفرط الحيا والحياء سحاب المستمطر والمستظهر، وبغرب الذكا والذكاء برق المستبصر والمستنصر.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة معتصماً بحبل التقوى، مستعصماً من المراقبة بالسبب الأقوم الأقوى، مجدداً رسوم هذه الصناعة التي ربعها قد درس ومحلها قد أقوى، فإن المتقي لله الراضي به هو الراشد الفائز بالسعادة، والمتوكل عليه المطيع له هو الواثق ببلوغ القصد الحائز للارادة؛ وليطرز حلل البيان بوشي بنانه الذي أصبح ديباج الطرس به معتزا، وليقوم معاني البديع بعامل قلمه الخطي الذي أمسى الفضل به كالسمهري قائماً مهتزا، مستكفياً بما يصرعه ويرصعه نظماً ونثراً من البدائع، مستعلياً لما يرفعه ويفرعه من غرر الفقر، ودرر الفكر، بخاطره الوقاد النقاد المنقاد الطائع، مقتفياً فيما ينشئه آثار ما يصدر عن الحاكم والآمر، مكتفياً فيما يبديه بمقدار ما تبرز به المراسيم والأوامر، حافظاً للسر العزيز كاتباً كاتماً فلا يعضده فيه عاضد ولا يظفر به ظافر، معتمداً على الكتمان في جميع ما يورده ويصدره، مقتصداً بالتوفيق في سائر ما يخفيه ويظهره.
والوصايا فمن آدابه تستفاد، والنصائح فلها منه المبدأ وإليه المعاد؛ فليتسنم ذروة أعلاها، وليتنسم نفحة رياها..................
توقيعٌ بشهادة دار الضرب بطرابلس؛ وهو:
رسم بالأمر- لا زال رأيه الشريف يقرب من الأمور صواباً، ولا برح أفق سماء مملكته الشريفة يطلع بفلكه بدراً منيراً وشهاباً- أن يرتب فلانٌ.......................: لأنه العدل الذي اشتهرت عدالته، والأمين الذي بهرت فظهرت أمانته، والرئيس الذي ما برح صدر المحافل، والفاضل الذي فاق بفضله على الأقران والأماثل، وشهدت بنزاهته المشهورة الأواخر والأوائل.
فليباشر هذه الوظيفة مباشرةً مطابقةً لعدالته المشهورة، معربةً عن أصالته المخبورة، موضحةً عن ديانته التي غدت في العالمين معروفةً غير منكورة، ليصبح هذا المنصب مشرقاً بنوره، سني الأرجاء بساطع ضياء شهابه ونور بدوره؛ وهو- أعزه الله- غنيٌّ عن وصية منه تستفاد، أو تنبيه على أمرٍ منه يبدأ وإليه يعاد؛ وليتنأول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنياً ميسراً، ولا يقف أمله عنده: فإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً.
توقيعٌ بنظر اللاذقية، كتب به للقاضي برهان الدين الأذرعي؛ وهو: رسم بالأمر- أنفذه الله في الآفاق، وطوق بمنه وفواضل بره الأعناق- أن يستقر المجلس السامي- حرس الله مهجته، وأهلك حسدته- في نظر اللاذقية المحروسة، على عادة من تقدمه وقاعدته، بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقتٍ: علما بأمانته المشهورة، وكتابته التي هي بين أهل الصناعة مشكورة، وخبرته التي هي في المباشرات معروفةٌ غير منكورة، وكفايته المألوفة الموفورة؛ فإنه باشر الحسبة الشريفة ونهى وأمر، واتبع في أحكامه ما أمر به أمير المؤمنين عمر، وضبط أموال بيت المال بحسن نظره وميز وثمر.
فليباشر هذه الوظيفة المباركة مباشرةً على أجمل العادات، ويسترفع مالها من الحسبانات، ويوصل إلى أرباب الاستحقاق ما لهم من الحقوقات، على ما يشهد به الديوان المعمور في سائر الأوقات؛ فإن هذه الوظيفة من أجل المباشرات؛ وليتنأول معلومه الشاهد به الديوان المعمور هنياً ميسراً على جاري العادة لمن تقدمه في الفروع وسائر الجهات، وليعتمد على تقوى الله تعالى في سائر الحركات والسكنات؛ والله تعالى يتولاه، والاعتماد على الخط الكريم أعلاه.
توقيع أيضاً في المعنى: لا زالت صدقاته الشريفة تقيم لاتباع الحق برهاناً، وتسدي إلى كل أحدٍ خيراً وإحساناً- أن يرتب فلانٌ ناظراً باللاذقية المحروسة وما هو مضافٌ إليها، على عادة من تقدمه وقاعدته ومعلومه الشاهد به الديوان المعمور: لأنه طالما باشر نظر بيت المال فوفر الأموال، وأصلح ما فسد من الأحوال، وسدد بحسن تدبيره الأقوال والأفعال، وأظهر من الأمانة ما تميز به في مباشراته، وفاق به على قرنائه وأهل زمانه وأوقاته، ثم باشر الحسبة فسلك فيها مسلك السر والجهر وصدق الخبر، وسلك مسلك أمير المؤمنين عمر.
فليباشر هذا النظر بقلبٍ منشرح، وأملٍ منفسح، وليظهر فيه ما جرب به من الأمانة، وتجنب الخيانة، وليجتهد في تحصيل أموال الديوان المعمور، ويبسط قلمه في إصلاح الأمور، وليوصل إلى أرباب المرتبات ما هو لهم مستحق، فإنهم به أولى وأحق، وليوصل إليه معلومه أوان وجوبه واستحقاقه.......................
توقيعٌ بمشارفة حصن الأكراد، كتب به للقاضي بدر الدين بالمجلس العالي؛ وهو: رسم بالأمر الشريف- لا زالت مراسمه العالية تولي الأنام برا، وتجدد بإسباغ الإنعام بشرا، وتضوع في كل نادٍ من أندية الثناء والدعاء نشرا، وتطلع في كل أفق من آفاق السيادة من صدور الأعيان وأعيان الصدور بدرا- أن يرتب فلانٌ في مشارفة حصن الأكراد المحروس: لما هو عليه من العفة والصلف، والنزاهة التي عرف بها واتصف، والرآسة التي انتقلت إلى الخلف عن السلف، والعدالة التي لا يتكلف لسلوك نهجها: ومن العجب خلو البدر عن الكلف!، كم حفظت بمباشرته الأموال، وصلحت بملاحظته الأحوال، وعقدت الخناصر على سيرته وحسن سيره، واشتهر بجميل تدبير أوجب تقديمه على غيره.
فليباشر هذه الوظيفة التي هي من أجل الوظائف، وليشكر ما أولي من المعروف وأسدي إليه من العوارف، وليبذل جهده في صلاح الأحوال، وتثمير الأموال، وتقرير القواعد على السداد، وإجراء العوائد على وفق المراد، فإنه ممن دلت خبرته على جميل آثاره، ولاحت الغبطة في اختياره الذي أغنى عن تقديم اختباره؛ كيف لا؟ وهو ممن نشأ في خدور فنون الكتابة، واشتهر في مواطن النضال مع وفور الانتقال بحسن الإصابة؛ فهو إن شاء الإنشاء بلغ منه المرام، وإن بسط الجرائد للتصرف قيل: هذا الكاتب النظام؛ كم له من يدٍ بيضاء في التبييض والتسويد، وهمةٍ علياء بلغ بها من السيادة ما كان يريد.
فليقدم خيرة الله تعالى في هذا الأمر ويجعلها إمامه، وليتمسك بها مقتدياً بمن قدمها أمامه، وليكن عند حسن الظن به ليبلغ من سعادة الدارين مرامه.
والوصايا التي يعم نفعها، ويتعين على تناسب الأعمال جمعها، به تسلك سبلها، وعنه تؤخذ تفاصيلها وجملها؛ فليسلك منها الأقوم الأرشد، وليتمسك بالأقود الأحمد، بحزمٍ وافر، وعزمٍ غير قاصر؛ وليتنأول معلومه الشاهد به الديوان المعمور أحيان الوجوب والاستحقاق رزقاً داراً، هنياً ميسراً ساراً، من غير تقتير ولا تكدير، ولا تنغيص ولا تأخير.
توقيعٌ بمشيخة المقام الأدهمي، كتب به باسم الشيخ عبد الله السطوحي بالمجلس العالي؛ وهو: أما بعد حمد الله الذي سقى محلنا بإيابه، وأنبت عشبنا بسحابه، وأقرأنا كتاب وجهه وأغنانا عن وجه كتابه، وجعل لكل مقامٍ مقالاً من صدق أوليائه، ومنحهم بما اختار لهم من سرائر مواهبه وعطائه، وجمع قلوب الفقراء على العبادة والدعاء بواسطةٍ من أحبابه وأخصاء نجبائه، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ نجم السرى، وليث الشرى، وسيد من وطيء الثرى، وعلى آله وصحبه الذين منهم من لو أقسم لأبر قسمه رب السما، وسلم تسليماً كثيراً- فلما كان الاعتناء بالأمور الدينية من الواجبات، والمحافظة عليها مما تبادر إليه من النفوس الرغبات؛ وبيوت الله تعالى فهي قوام الدين المتين، ولا ينهض بعمارتها إلا الذين اتقوا وآمنوا برب العالمين، فطوبى لهم ونعم أجر العاملين.
ومن البيوت العامرة، والسراة الطاهرة، والمقامات التي إذا حل بساحتها أكمه العين بصرته نجوماً زاهرة- مقام من ذكر كرامته أشأم في أقطار الأرض وأيمن وأنجد وأتهم، السيد الجليل ولي الله إبراهيم بن أدهم، سيد الأولياء، وسلطان الأتقياء، رحمة الله عليه ما سار على الطريق سائر، وما امتطى ظهر قلوصٍ مسافر، مقامٌ بالزهد موصوف، وبالبركات معروف، وله الإطلاقات المشهورة، والمناهل المأثورة، في وردها المبرورة، قد استولت عليه يد التبذير، وعاد بعد طول سماطه في تقصير، واختلف فيه النيات فكان في كيس الفقير، فكشف الله هذه النقمة، وأدام سوابغ النعمة، وأسبل على هذا المقام ظلال الحرمة، وأرسل الله على عباده المتقين باعثاً من عنده، وأيقظهم لعلمه بأن كلاً واقفٌ عند أمره وحده، وأنطق لسان من لا راد لأمره، فكشف غمة هذا المقام وعزل من يخاف عليه من سوء تدبيره وشره.
فلذلك رسم- أن تفوض مشيخة المقام الجليل الأدهمي بثغر جبلة المحروس- على ساكنه الرحمة والرضوان- إلى فلانٍ- نفع الله ببركاته، وأعاد على المسلمين من صالح دعواته- عوضاً عمن كان بها بحكم انفصاله حسب ما وردت المراسيم الشريفة- شرفها الله تعالى وعظمها- عند اتصال العلوم الشريفة- زادها الله تعظيماً- بأمر المقام المشار إليه واعتماد المتصرفين فيه: إذ وضعت الآن الأشياء في محلها، وأسندت الأمور إلى أهلها، وقلدت هذه المثوبة إلى من يظهر سرائر فضلها، ولحظت الآراء حجر هذا المقام والأثر، ولا شك أن السعادة تلحظ الحجر؛ كم له من آيات مشهورة، وكراماتٍ بلسان الحمد مذكورة، ومساعٍ في الخيرات مبرورة، وقد عم الزوايا بأجناس المكارم، وبسط للزائرين من إكرامه سماطاً يقول الزائر: هذا ولا حاتم:
نزور دياراً زارها جود كفه ** ومن دونها للزائرين مراحل

ونرجع عنها والجفون قريرةٌ ** كما راجعت مأوى الحقوف المساحل!

فليتلق- أعاد الله من بركته- هذه الولاية، وليجعل للمقام المشار إليه من خاطره الكريم أوفر عناية، ويستخلف عنه إذا توجه إلى مشيخة كذا بحصن الأكراد فإنها مستمرةٌ بيده وولايتها باقية عليه، وأمرها في إبدائه وإعادته عليه؛ والله تعالى يتولاه، فيما ولاه؛ والاعتماد........................
قلت: وقد أتيت على جملةٍ من تواقيع أرباب الوظائف: بدمشق وحلب وطرابلس وأعمال كل منها، يستغني بها الماهر عما سواها، ويقيس عليها ما عداها؛ إذ لا سبيل إلى استيفاء جميعها، والإتيان على جملتها.
وفيما ذكر من هذه الممالك الثلاث تنبيهٌ على ما يكتب بحماة وصفد اللتين هما في رتبة طرابلس، وتلويحٌ إلى ما عداها، مما هو دونها كغزة إذا كانت نيابة، والكرك التي هي دون ذلك.
والله تعالى هو الهادي إلى التوفيق، والمرشد للسداد، بمنه وكرمه.